Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 44-44)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لمَّا شَرَحَ وعيد الكفار وثواب أهل الإيمان أتبعه بذكر المُنَاظَراتِ التي تَدُورُ بين الفريقين في هذه الآية . قوله : { أََن قَدْ وَجَدْنَا } " أن " يحتمل أن تكون تفسيرية للنِّدَاءِ ، وأن تكون مخففة من الثَّقِيلَةِ ، واسمها ضمير الأمر والشَّأنِ ، والجملة بعدها خبرها ، وإذَا كان الفعل مُتَصَرّفاً غير دعاء ، فالأجود الفصل بـ " قَدْ " كهذه الآية أو بغيرها . وقد تقدَّم تحقيقه في المائدة . قال الزَّمخشريُّ : فإن قلت : هلا قيل : ما وعدكم ربكم ، كما قيل : { مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا } . قلت : حُذف ذلك تخفيفاً لدلالة " وَعَدَنَا " عليه . ولقائل أن يقول : أطْلِقَ ليتناول كلَّ ما وعد الله من البعث والحساب والعقاب والثواب ، وسائر أحوال القيامة ، لأنَّهُم كانوا مكذِّبين بذلك أجمع ، ولأنَّ الموعود كله ممَّا ساءهم ، وما نعيم أهل الجنَّة إلاَّ عذاب لهم فأطلق لذلك . قال شِهَابُ الدِّين : قوله : " ولقائل … إلى آخره . هذا الجواب لا يطابق سؤاله ؛ لأنَّ المدعي حذف المفعول الأوَّل ، وهو ضمير المخاطبين . والجوابُ وقع بالمفعول الثَّاني الذي هو الحِسَابُ والعقاب ، وسائر الأحوال ، [ فهذا ] إنَّما يناسب لو سئل عن حذف المفعول الثاني ، لا المفعول الأول " . وأجاب ابْنُ الخطيبِ عن السُّؤالِ بأن قوله : { مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا } يدلُّ على أنَّهُ تعالى خاطبهم بهذا الوَعْدِ وكونهم مخاطبين من قبل الله - تعالى - بهذا الوعد يوجب مزيد التّشريف ومزيد التشريف لائق بحال المؤمنين . أمّا الكَافِرُ فليس أهلاً لأن يخاطبه الله - تعالى - فلهذا السّبب لم يذكر الله تعالى أنَّهُ خاطبهم بهذا الخطاب بل ذكر الله - تعالى - أنَّهُ بيَّن هذا الحكم . و " نعم " حرف جواب كـ " أجل " و " إي " و " جير " و " بلى " ، ونقيضتها " لا " . و " نَعَمْ " تكون لتصديق الإخبار ، أو إعلام استخبار ، أو وَعْدِ طالب ، وقد يُجَابُ بها النَّفي المقرون باستفهام وهو قليل جدّاً كقول جحْدَرٍ : [ الوافر ] @ 2469 - أَليْسَ اللَّيْلُ يَجْمَعُ أمَّ عَمْرو وإيَّانَا فَذَاكَ بِنَا تَدَانِي نَعَمْ ، وتَرَى الهِلالَ كَمَا أرَاهُ ويَعْلُوهَا النَّهَارُ كَمَا عَلاَنِي @@ فأجاب قوله : " ألَيْسَ " بـ " نعم " ، وكان من حقه أن يقول : بلى ، ولذلك يُرْوَى عن ابن عباس في قوله تعالى : { أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ } [ الأعراف : 172 ] : لو قالوا : نعم لكفروا ، وفيه بحثٌ يأتي إنْ شَاءَ اللَّهُ - تعالى - قريباً . وقرأ الكسائِيُّ والأعمشُ ويحيى بن وثَّابٍ بكسر عينها ، وهي لغة " كنَانَة " ، وطعن أبُو حَاتِمٍ عليها وقال : " ليس الكسر بمعروف " . واحتج الكِسَائِيُّ لقراءته بما يُحكى عن عمر بن الخطاب أنَّه سأل قوماً فقالوا : نعم بالفتح ، فقال : " أمَّا النَّعَم فالإبل فقولوا : نَعِم " أي بالكَسْرِ . قال أبو عبيد : " ولم نَرَ العرب يعرفون ما رَوَوْه عن عمر ونراه مُوَلَّداً " . قال شهاب الدين : وهذا طَعْنٌ في المُتَوَاتِر فلا يُقبل ، وتبدل عينها حاءً ، وهي لغة فاشية ، كما تبدل حاء " حتى " عيناً . قوله : { فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ } . التأذين في اللُّغَةِ النداء والتّصويت الإعلام ، والأذان للصّلاة إعلام بها وبوقتها . وقالوا في " أذَّن مؤذّن " : نادى مناد أسمع الفريقين . قال ابن عباس : " وذلك المؤذن من الملائكة وهو صاحبُ الصُّورِ " . قوله : " بينهم " يجوز أن يكون منصوباً بـ " أذَّن " أو بـ " مؤذن " فعلى الأول التقدير : أنَّ المؤذن أوقع ذلك الأذان بينهم أي في وسطهم . وعلى الثَّاني التَّقديرُ : أنَّ مؤذِّناً من بينهم أذَّن بذلك الأذان ، والأول أوْلَى . وأن يكون مُتَعَلِّقاً بمحذوف على أنَّهُ صفة لـ " مؤذّن " قال مكيّ - عند إجازته هذا الوَجْهِ - : " ولكن لا يعمل في " أنْ " " مؤذِّن " إذ قد نعته " يعني أنَّ قوله : " أَن لَعْنَةَ اللَّهِ " لا يجوز أنْ يكون معمولاً لـ " مؤذّن " ؛ لأنَّهُ موصوف واسم الفاعل متى وصف لم يعمل . قال شهابُ الدِّين : وهذا يوهم أنَّا إذا لم نجعل " بَيْنَهُم " نعتاً لـ " مؤذِّن " جاز أن يعمل في " أنْ " ، وليس الأمر كذلك ؛ لأنَّكَ لو قلت : ضرب ضَارِبٌ [ زيداً تنصب زيداً بـ " ضرب " لا بـ " ضارب " ] . لكني قد رأيت الواحِدِي أجاز ما أجاز مكيّ من كون " مؤذّن " عاملاً في " أن " ، وإذا وصفته امتنع ذلك ، وفيه ما تقدّم وهو حسن . قوله : { أَن لَّعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّالِمِينَ } " أنْ " يجوز أن تكون المفسِّرة ، وأن تكون المخففة ، والجملة الاسميَّة بعدها الخبر ، فلا حاجة هنا لفاصل . وقرأ الأخوان ، وابن عامر ، والبزِّي : " أنَّ " بفتح الهمزة وتشديد النون ، ونصب " اللَّعنة " على أنَّهَا اسمها ، و " على الظالمين " خبرها ، وكذلك في [ النور 7 ] { أَن لَعْنَتَ ٱللَّهِ عَلَيْهِ } خفَّف " أنْ " ورفع اللّعنة نافع وحده ، والباقون بالتشديد والنَّصب . [ قال الواحِديُّ : مَنْ شدّد فهو الأصلُ ، ومن خفَّف فهو مخففة من التشديد على إرادة إضمار القصّة والحديث تقديره : أنه لعنة الله ، ومثله قوله تعالى : { وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ } [ يونس : 10 ] التقدير : أنَّهُ ، ولا يخفف " أنْ " هذه إلا وتكون بعد إضمار الحديث والشأن ] . وقرأ عصمةُ عن الأعمشِ : " إنَّ " بالكسر والتشديد ، وذلك : إمَّا على إضمار القول عند البصريين ، وإمَّا على إجراء النِّداء مُجْرى القول عند الكوفِيِّين .