Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 70, Ayat: 19-35)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { إِنَّ ٱلإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً } . قال الضحاك : المرادُ بالإنسان هنا الكافر . وقيل : عام لأنه استثنى منه المصلين ، فدلَّ على أن المراد به الجنس ، فهو كقوله : { إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [ العصر : 2 ، 3 ] . و " هَلُوعاً " حال مقدرة . والهلع مُفسَّر بما بعده ، وهو قوله " إذَا ، وإذَا " . قال ثعلبٌ : سألني محمد بن عبد الله بن طاهر : ما الهلع ؟ . فقلت : قد فسَّره اللَّهُ ، ولا يكون أبينَ من تفسيره ، وهو الذي إذا ناله شر أظهر شدة الجزع ، وإذا ناله خيرٌ بخل به ومنعه . انتهى . وأصله في اللغة على ما قال أبو عبيد : أشدّ الحرص وأسوأ الجزع ، وهو قولُ مجاهدٍ وقتادة وغيرهما . وقد هَلِع - بالكسر - يهلع هلعاً وهلاعاً فهو هلع وهالع وهلوع ، على التكثير . وقيل : هو الجزع والاضطرابُ السريع عند مسِّ المكروه ، والمنع السَّريعُ عند مسِّ الخير من قولهم : " ناقةٌ هلوَاع " ، أي : سريعة السير ، قال المفسرون : معناه : أنه لا يصبر في خير ولا شر ، حتى يفعل فيهما ما لا ينبغي . روى السدِّي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : الهِلوَاع ، الحريصُ على ما لا يحل له . وقال عكرمة : هو الضَّجور . وقال الضحاك : هو الذي لا يشبع . والمَنُوع : هو الذي إذا أصاب حق المال منع منه حق الله تعالى . وقال ابن كيسان : خلق اللَّهُ الإنسان يحبّ ما يسرُّه ، ويرضيه ، ويهربُ مما يكرهه ، ثم تعبّده الله بإنفاق ما يحب والصبر على ما يكرهُ . وقال أبو عبيدة : الهِلواعُ الذي إذا مسَّهُ الخيرُ لم يشكر ، وإذا مسَّهُ الضُّرُّ لم يَصْبِرْ . وقال عليه الصلاة والسلام : " شَرُّ مَا أعْطِي العَبْدُ شُحُّ هَالِعٌ ، وجُبْنٌ خَالِعٌ " . والعرب تقول : ناقةٌ هلواعة ، وهلواع إذا كانت سريعة السَّير خفيفة ؛ قال : [ الكامل ] @ 4866 - صَكَّاءُ ذِعلِبةٌ إذَا استَدْبَرْتَهَا حَرَجٌ إذَا اسْتقَبلْتَهَا هِلواعُ @@ الذِّعِلب والذِّعلِبَة : النَّاقةُ السَّريعةُ . فصل في إعراب الآية " جزُوْعاً ، ومَنُوعاً " فيهما ثلاثةٌ أوجهٍ : أحدها : أنهما منصوبان على الحال من الضمير في " هَلُوعاً " ، وهو العاملُ فيهما ، والتقدير : هَلُوعاً حال كونه جَزُوعاً ، وقت مسِّ الشَّرِّ ، ومنوعاً وقت مس الخير ، والظَّرفان معمولان لهاتين الحالتين . وعبَّر أبو البقاء عن هذا الوجه بعبارة أخرى فقال : " جَزُوعاً " حال أخرى ، والعاملُ فيها " هَلُوعاً " . فقوله : " أخْرَى " يوهم أنها حالٌ ثانية وليست متداخلة لولا قوله : والعامل فيها هلوعاً . والثاني : أن يكونا خبرين لـ " كان " ، أو " صار " مضمرة ، أي : إذا مسَّه الشَّرُّ كان ، أو صار جَزُوعاً ، وإذا مسَّه الخيرُ كان أو صار منوعاً ، قاله مكيٌّ . وعلى هذا فـ " إذا " شرطية ، وعلى الأول ظرف محض ، العامل فيه ما بعده كما تقدم . الثالث : أنَّهما نعتٌ لـ " هَلُوعاً " ، قاله مكيٌّ ، إلاَّ أنَّه قال : وفيه بعد ؛ لأنك تنوي به التقديم بعد " إذا " انتهى . وهذ الاستبعادُ ليس بشيء ، فإنَّه غايةُ ما فيه تقديمُ الظرف على عامله . وإنَّما المحذورُ تقديمه معمول النعت على المنعوت . فصل في كلام القاضي قال القاضي : قوله تعالى { إِنَّ ٱلإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً } نظير قوله : { خُلِقَ ٱلإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ } [ الأنبياء : 37 ] ، وليس المرادُ أنَّه مخلوقٌ على هذه الصفة ؛ لأن الله - تعالى - ذمَّه عليها ، والله - تعالى - لا يُذمُّ فعله ، ولأنه استثنى المؤمنين الذين جاهدوا أنفسهم في ترك الخصلةِ المذمومةِ ، ولو كانت هذه الخصلة ضرورية حاصلة بخلق الله تعالى ، لما قدروا على تركها . قال ابن الخطيب : واعلم أنَّ الهلع لفظ واقع على أمرين : أحدهما : الحالةُ النفسانيةُ التي لأجلها يقدم الإنسانُ على إظهار الجزع والفزع . والثاني : تلك الأفعالُ الظاهرة من القول والفعل الدالة على تلك الحالةِ النفسانيةِ ، فلا شك أنَّها تحدثُ بخلق الله - تعالى - لأنَّ من خُلقتْ نفسه على تلك الحالةِ لا يُمكِنهُ إزالةُ تلك الحالةِ من نفسه ، بل الأفعال الظَّاهرة من القول والفعل يمكنه تركها والإقدامُ عليها فهي أمورٌ اختياريةٌ . وأما الحالةُ النفسانيةُ التي هي الهلع في الحقيقة ، فهي مخلوقةٌ على سبيل الاضطرار . فصل في المراد بالشر والخير في الآية قوله : { إِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ جَزُوعاً وَإِذَا مَسَّهُ ٱلْخَيْرُ مَنُوعاً } . قيل : المرادُ بالخيرِ والشر : الغِنَى والفقرُ ، أو الصحةُ والمرض ، والمعنى : أنَّه إذا صار فقيراً أو مريضاً أخذ في الجزعِ والشكايةِ ، وإذا صار غنياً ، أو صحيحاً أخذ في منعِ المعروف ، وشحَّ بمالِه . فإن قيل : حاصلُ هذا الكلام أنَّه نُفُورٌ عن المضار لطلب الراحة ، وهذا هو اللائقُ بالعقل ، فلم ذمَّهُ الله عليه . فالجوابُ : إنَّما ذمَّهُ اللَّهُ عليه لقصور نظرهِ على الأمورِ العاجلةِ ، والواجبُ عليه أن يكون شاكراً راضياً في كل حالٍ . قوله : { إِلاَّ ٱلْمُصَلِّينَ } . قال النخعيُّ : المرادُ بـ " المصلين " : الذين يؤدونَ الصلاة المكتوبة . وقال ابن مسعودٍ : هم الذين يصلونها لوقتها ، فأمَّا تركها فكفرٌ . وقيل : هم الصحابة وقيل : هم المؤمنون عامّةً . قوله : { ٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلاَتِهِمْ دَآئِمُونَ } أي : على مواقيتها . وقال عقبة بن عامر : الذين إذا صلُّوا لم يلتفتوا يميناً ولا شمالاً . و " الدائم " الساكن ، ومنه : " نهى عن البول في الماء الدائم " ، أي : الساكن . وقال ابن جريج والحسن : هم الذين يكثرون فعل التَّطوع منها . فإن قيل : كيف قال : { عَلَىٰ صَلاَتِهِمْ دَآئِمُونَ } وقال في موضع آخر : { عَلَىٰ صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ } [ المؤمنون : 9 ] . قال ابن الخطيب : دوامُهم عليها ألا يتركوها في وقتٍ من الأوقاتِ ، ومحافظتهم عليها ترجع إلى الاهتمام بحالها ، حتى يأتي بها على أكمل الوجوه من المحافظة على شرائطها ، والإتيان بها في الجماعة وفي المساجدِ الشريفةِ والاجتهاد في تفريغ القلب عن الوسواس والرياء والسمعة ، وألاّ يلتفت يميناً ولا شمالاً ، وأن يكون حاضر القلب فاهماً للأذكار ، مطلعاً على حكم الصَّلاة متعلق القلب بدخول أوقات الصلواتِ . قوله : { وَٱلَّذِينَ فِيۤ أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ } . قال قتادة وابن سيرين : يريد الزكاة المفروضة . وقال مجاهد : سوى الزكاة ، وقال عليُّ بن أبي طلحة عن ابن عباس : صلة الرَّحمِ وحمل الكل . والأول أصح ؛ لأنه وصف الحق بأنه معلوم ، والمعلوم هو المقدر ، وسوى الزكاة ليس بمعلوم إنما هو قدرُ الحاجةِ ، وذلك يقل ويكثرُ . وقال ابنُ عباسٍ : من أدَّى زكاة مالهِ فلا جناح عليه أن لا يتصدق ، وأيضاً فالله - تعالى - استثناهُ ممن ذمَّه ، فدلَّ على أنَّ الذي لا يُعْطِي هذا الحقَّ يكونُ مذموماً ، ولا حقَّ على هذه الصفةِ إلا الزكاة . وقوله : { لِّلسَّآئِلِ وَٱلْمَحْرُومِ } . تقدَّم في الذَّاريات . قوله : { وَٱلَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ ٱلدِّينِ } [ المعارج : 26 ] ، أي : بيوم الجزاء ، وهو يوم القيامة ، أي : يؤمنون بالبعث ، والنشور . { وَٱلَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ } ، أي : خائفون ، والإشفاق : الخوف إما من تركِ واجبٍ ، وإما من فعلِ محظورٍ ، ثم أكَّد ذلك الخوف بقوله : { إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ } . قال ابن عباسٍ : لمن أشرك أو كذَّب أنبياءه . وقيل : لا يأمنه أحدٌ ، بل الواجبُ على كل أحد أن يخافه ويشفق منه . { وَٱلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلاَّ عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ٱبْتَغَىٰ وَرَآءَ ذَلِكَ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْعَادُونَ } تقدَّم تفسيرهُ في سورة " المؤمنون " [ المؤمنين : 5 ، 6 ، 7 ] . { وَٱلَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ } تقدَّم أيضاً [ المؤمنين : 8 ] . وقرىء : " لأمَانتِهِم " على التوحيد ، وهي قراءةُ ابن كثير وابن محيصن . فـ " الأمانة " اسم جنسٍ تدخل فيها أماناتُ الدينِ ، فإنَّ الشرائعَ أماناتٌ ائتمنَ اللَّهُ عليها عباده ، ويدخل فيها أمانات الناس من الودائع ، وقد مضى ذلك . قوله : { وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِم قَائِمُونَ } . قرأ حفص : " بِشَهادَاتِهِمْ " جمعاً ، اعتباراً بتعدد الأنواع ، والباقون : بالإفراد ، أو المرادُ الجنس . قال الواحديُّ : والإفرادُ أولى ؛ لأنه مصدرٌ ، فيفرد كما تفرد المصادرُ ، وإن أضيف إلى الجمع كـ { لَصَوْتُ ٱلْحَمِيرِ } [ لقمان : 19 ] ومن جمع ذهب إلى اختلافِ الشَّهاداتِ . قال أكثرُ المفسرينَ : يقومون بالشهادة على من كانت عليه من قريب وبعيد يقومون بها عند الحُكَّام ، ولا يكتمونها . وقال ابن عبَّاس : بشهادتهم : أن الله وحده لا شريك له ، وأن محمداً عبده ورسوله . قوله : { وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ } . قال قتادةُ : على وضوئها وركوعها وسجودها ، فالدوام خلاف المحافظة فدوامهم عليها محافظتهم على أدائهِا لا يخلُّون بها ، ولا يشتغلون عنها بشيءٍ من الشواغل ، ومحافظتهم عليها أن يُراعُو إسباغَ الوضوءِ لها ، ومواقيتها ، ويقيموا أركانها ، ويكملوها بسننها ، وآدابها ، ويحفظونها من الإحباط باقتراف المآثمِ ، فالدوام يرجع إلى نفس الصلوات ، والمحافظة على أحوالها ، ذكره القرطبيُّ . ثم قال : { أُوْلَـٰئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ } ، أي : أكرمهم الله فيها ، بأنواع الكرامات .