Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 74, Ayat: 8-10)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { فَإِذَا نُقِرَ فِي ٱلنَّاقُورِ } . قال الزمخشري : " الفاء " في قوله : { فَإِذَا نُقِرَ فِي ٱلنَّاقُورِ } لتسبيب ، كأنه قال : اصبر على أذاهم ، فبين أيديهم يوم عسير يلقون فيه عاقبة أذاهم وتلقى فيه عاقبة صبرك عليه . والفاء في " فإذا " متعلقة بـ " أنذر " ، أي : فأنذرهم إذا نقر في الناقور . قاله الحوفيُّ . وفيه نظر من حيث أن الفاء تمنع من ذلك ، ولو أراد تفسير المعنى لكان سهلاً ، لكنه في معرض تفسير الإعراب لا تفسير المعنى . الثاني : أن ينتصب بما دل عليه قوله تعالى : { فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ } . قال الزمخشري : فإن قلت : بم انتصب " إذا " ، وكيف صح أن يقع " يومئذ " ظرفاً لـ " يوم عسير " ؟ . قلت : انتصب " إذا بما دل عليه الجزاء ؛ لأن المعنى : فإذا نقر في الناقور عسر الأمر على الكافرين والذي أجاز وقوع " يومئذ " ظرفاً لـ { يَوْمٌ عَسِيرٌ } ، إذ المعنى فذلك يوم النقر وقوع يوم عسير لأن يوم القيامة يقع ، ويأتي حين يُنقر في النَّاقُور ، انتهى . ولا يجوز أن يعمل فيه نفس " عسير " ؛ لأن الصفة لا تعمل فيما قبل موصوفها عند البصريين ، ولذلك رد على الزمخشري قوله : أن " في أنفسهم " متعلق بـ " بَلِيغاً " في سورة " النساء " في قوله تعالى { وَقُل لَّهُمْ فِيۤ أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً } [ النساء : 63 ] والكوفيون يجوزون ذلك وتقدم تحريره . الثالث : أن ينتصب بما دل عليه " فذلك " ؛ لأنه إشارة إلى النقر ، قاله أبو البقاء ، ثم قال : " و " يومئذ " بدل من " إذا " ، و " ذلك " مبتدأ ، والخبر { يَوْمٌ عَسِيرٌ } ، أي : نقر يوم " . الرابع : أن يكون " إذا " مبتدأ ، و " فذلك " خبره ، والفاء مزيدة فيه ، وهو رأي الأخفش . وأما " يَومَئذٍ " ففيه أوجه : أحدها : أن يكون بدلاً من " إذا " ، وقد تقدم ذلك في الوجه الثالث . الثاني : أن يكون ظرفاً لـ { يَوْمٌ عَسِيرٌ } كما تقدم في الوجه الثاني . الثالث : أن يكون ظرفاً لـ " ذلك " ، لأنه أشار به إلى النقر . الرابع : أنه بدل من " فذلك " ولكنه مبنيّ لإضافته إلى غير متمكن . الخامس : أن يكون " فذلك " مبتدأ ، و { يَوْمٌ عَسِيرٌ } خبره ، والجملة خبر " فَذلِكَ " . قوله : " نُقِرَ " ، أي : صوت ، يقال : نقرت الرجل إذا صوت له بلسانك ، وذلك بأن تلصق لسانك بنقرة حنكك ، ونقرتُ الرجل : إذا خصصته بالدعوة كأنك نقرت له بلسانك مشيراً إليه ، وتلك الدعوة يقال لها : النقرى ، وهي ضد الدعوة الجفلى ؛ قال الشاعر : [ الرمل ] @ 4955 - نَحْنُ فِي المشْتَاةِ نَدْعُو الجَفلَى لا تَرَى الآدِبَ فِينَا يَنْتَقِرْ @@ وقال امرؤ القيس : [ الرجز ] @ 4956 - أنَا ابْنُ مَاويَّةَ إذْ جَدَّ النَّقُرْ @@ يريد : النقر ، أي الصوت ، والنقر في كلام العرب : الصوت ؛ قال امرؤ القيس : [ الطويل ] @ 4957 - أخَفِّضُهُ بالنَّقْر لمَّا عَلوْتهُ ويَرْفعُ طَرْفاً غَيْرَ جَافٍ غَضِيضِ @@ والناقور : " فاعول " منه كالجاسوس من التجسس ، وهو الشيء المصوّت فيه . قال مجاهد وغيره : وهو كهيئة البوق ، وهو الصور الذي ينفخ فيه الملك . والنقير : فرع الشيء الصلب ، والمنقار : الحديدة التي ينقر بها ، ونقرت عينه : بحثت على أخباره استعارة من ذلك ، ونقرته : أعبته . ومنه قول امرأة لزوجها : مر بي على بني نظر ، ولا تمر بي على بنات نقر ، أرادت : ببني نظر الرجال لأنهم ينظرون إليها ، وبينات نقر : النساء ، لأنهن يعبنها وينقرن عن أحوالها . قوله : { عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } . فيه خمسة أوجه : أحدها : أن يتعلق بـ " عسير " . الثاني : أن يتعلق بمحذوف على أنه نعت لـ " عَسِيرٌ " . الثالث : أنه في موضع نصب على الحال من الضمير المستكنّ في " عَسِيرٌ " . الرابع : أن يتعلق بـ " يسير " ، أي : غير يسير على الكافرين قاله أبو البقاء . إلا أن فيه تقديم معمول المضاف إليه على المضاف ، وهو ممنوع ، وقد جوزه بعضهم إذ كان المضاف " غير " بمعنى النفي ، كقوله : [ البسيط ] @ 4958 - إنَّ امْرَأ خَصَّنِي يَوْماً مودَّتهُ عَلى التَّنَائِي لعِنْدِي غَيْرُ مَكْفُورِ @@ وتقدم تحرير هذا آخر الفاتحة . الخامس : أن يتعلق بما دل عليه " غَيرُ يَسيرٍ " ، أي : لا يسهل على الكافرين . قال الزمخشريُّ : فإن قلت : فما فائدة قوله : " غير يسير " ، و " عسير " مغن عنه ؟ . قلت : لما قال - سبحانه وتعالى - : " على الكافرين " فقصر العسر عليهم ، قال : " غَيرُ يَسِيرٍ " ليؤذن بأنه لا يكون عليهم كما يكون على المؤمنين يسيراً هيناً ، ليجمع بين وعيد الكافرين ، وزيادة غيظهم ، وتيسيراً للمؤمنين ، وتسليتهم ، ويجوز أن يراد أنه عسير لا يرجى أن يرجع يسيراً كما يرجى تيسير العسير من أمور الدنيا . فصل في تعلق الآية بما بعدها لما ذكر ما يتعلق بإرشاد النبي صلى الله عليه وسلم ذكر بعده وعيد الأشقياء قيل : المراد بهذه الآية هو النفخة الثانية . وقيل : الأولى ، قال الحليمي في كتاب " المنهاج " : إنه تعالى سمى الصور اسمين ، وإن كان هو الذي ينفخ فيه النفختان معاً ، فإن نفخة الإصعاق غير نفخة الإحياء ، وجاء في الأخبار أن في الصور ثقباً بعدد الأرواح كلِّها ، وأنها تجمع في ذلك الثقب في النفخة الثانية ، فيخرج عن النفخ من كل ثقبة روح إلى الجسد الذي نزع منه ، فيعود الجسد حياً بإذن الله تعالى . قال ابن الخطيب : وهذا مردود ، لأن الناقور اسم لما ينقر فيه لا لما ينقر فيه ، ويحتمل أن يكون الصور محتوياً على ثقبين : ينقر في إحداهما ، وينفخ في الأخرى ، فإذا نفخ فيه للإصعاق جمع بين النقر ، والنفخ ، لتكون الصيحة أشد ، وأعظم ، وإذا نفخ فيه للإحياء ، لم ينقر فيه بل يقتصر على النفخ لأن المراد إرسال الأرواح من ثقب الصور إلى أجسادها بنقرها من أجسادها بالنفخة الأولى للنقير ، وهو نظير صوت الرعد ؛ فإنه إذا اشتد فربما مات بسماعه ، والصيحة الشديدة التي يصيحها رجل بصبي فيفزع منه فيموت . قال ابن الخطيب : وفيه إشكال ، وهو أن هذا يقتضي أن يكون النقر إنما يحصل عند صيحة الإصعاق وذلك اليوم غير شديد على الكافرين ؛ لأنهم يموتون في تلك الساعة ، إنما اليوم الشديد على الكافرين صيحة الإحياء ، ولذلك يقول : { يٰلَيْتَهَا كَانَتِ ٱلْقَاضِيَةَ } [ الحاقة : 27 ] ، أي : يا ليتنا بقينا على الموتة الأولى . وقوله : " فَذلِكَ " ، أي : فذلك اليوم يوم شديد على الكافرين " غير يَسيرٍ " أي : غير سهل ، ولا هين وذلك أن عقدهم لا تنحل ، إلا إلى عقد أشد منها ، فإنهم يناقشون الحساب ويعطون كتبهم بشمائلهم ، وتسودُّ وجوههم ، ويحشرون زرقاً ، وتتكلم جوارحهم ، ويفضحون على رؤوس الأشهاد بخلاف المؤمنين الموحدين المذنبين فإنها تنحل إلى ما هو أخف ، حتى يدخلوا الجنة برحمة الله تعالى فإنهم لا يناقشون الحساب ، ويحشرون بيض الوجوه ، ثِقال الموازين . قال ابن الخطيب : ويحتمل أن يكون عسيراً على المؤمنين ، والكافرين ، على ما روي أن الأنبياء - صلوات الله وسلامه عليهم - يفزعون يومئذ ، وأن الولدان يشيبون ، إلا أنه يكون على الكفار أشد فعلى الأول : لا يحسن الوقف على قوله { يَوْمٌ عَسِيرٌ } ، فإن المعنى : إنه على الكافرين عسير وغير يسير . وعلى الثاني : يحسن الوقف ، لأنه في المعنى : أنه في نفسه عسير على الكل ثم الكافر فيه مخصوص بزيادة تخصه ، وهي أنه عليه عسير . فصل في دليل الخطاب قال ابن الخطيب : استدل بهذه الآية القائلون بدليل الخطاب ، قالوا : لولا أن دليل الخطاب حجة وإلا فما فهم ابن عباس من كونه غير يسير على الكافرين كونه يسيراً على المؤمنين .