Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 75, Ayat: 20-25)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { كَلاَّ } . قال الزمخشري : " كلاَّ " ردع للنبي صلى الله عليه وسلم عن عادة العجلة وحثّ على الأناة . وقال جماعة من المفسرين : " كلاَّ " معناه " حقّاً " أي : حقّاً تحبّون العاجلة ، وهو اختيار أبي حاتم ؛ لأن الإنسان بمعنى الناس . وقال ابن عباس رضي الله عنهما : " كلاَّ " أي : أنَّ أبا جهل لا يؤمن بتفسير القرآن وبيانه . وقيل : " كلاَّ " لا يصلُّون ولا يزكُّون ، يريد كفار " مكّة " . " بَلْ تُحِبُّونَ " . قرأ ابن كثير وأبو عمرو : " يُحِبُّون ، ويَذَرُونَ " بيان الغيبة حملاً على لفظة الإنسان المذكور أولاً لأن المراد به الجنس ، وهو اختيار أبي حاتم ؛ لأن " الإنسان " بمعنى الناس والباقون : بالخطاب فيهما ، إما خطاباً لكفار قريش أي : بل تحبون يا كفار قريش العاجلة ، أي : الدار الدنيا والحياة فيها { وَتَذَرُونَ ٱلآخِرَةَ } أي تدعون الآخرة والعمل لها ، وإما التفاتاً عن الإخبار عن الجنس المتقدم والإقبال عليه بالخطاب . واختار الخطاب أبو عبيد ، قال : ولولا الكراهة لخلاف هؤلاء القراء لقرأتها بالياء ، لذكر الإنسان قبل ذلك . قوله تعالى : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ } فيه أوجه : أحدها : أن يكون " وجوهٌ " مبتدأ ، و " نَاضِرةٌ " نعتٌ له ، و " يَومئذٍ " منصوب بـ " نَاضِرَةٌ " و " ناظِرَةٌ " خبره ، و " إلى ربِّها " متعلق بالخبر . والمعنى : أن الوجوه الحسنة يوم القيامة ناظرة إلى الله تعالى ، وهذا معنى صحيح ، والنَّاضرة : من النُّضرة وهي التنعم ، ومنه غصن ناضر . الثاني : أن تكون " وُجوهٌ " مبتدأ أيضاً ، و " نَاضِرةٌ " خبره ، و " يَوْمئذٍ " منصوب الخبر - كما تقدم - وسوَّغ الابتداء هنا بالنكرة كون الموضع موضع تفصيل ، كقوله : [ المتقارب ] @ 4996 - … فَثَوْبٌ لَبِسْتُ وثَوْبٌ أجُرْ @@ وتكون " نَاضِرةٌ " نعتاً لـ " وُجوهٌ " أو خبراً ثانياً او خبراً لمبتدأ محذوف ، و " إلى ربِّها " متعلق بـ " ناظرة " كما تقدم . وقال ابن عطية : وابتدأ بالنكرة ؛ لأنها تخصصت بقوله : " يوْمَئذٍ " . وقال أبو البقاء : وجاز الابتداء هنا بالنَّكرة لحصول الفائدة . وفي كلا قوليهما نظر أما قول ابن عطية : فلأن قوله " تخصصت " بقوله : " يَوْمئذٍ " هو التخصيص إما لكونها عاملة فيه ، وهو محال ؛ لأنها جامدة ، وإما لأنها موصوفة به ، وهو محال أيضاً ؛ لأن الجثة لا توصف بالزمان كما لا يخبر به عنها . وأما قول أبي البقاء : فإن أراد بحصول الفائدة ما تقدم من التفصيل فصحيح ، وإن عنى ما عناه ابن عطية فليس بصحيح لما تقدم . الثالث : أن يكون " وُجوهٌ " مبتدأ ، و " يُوْمئذٍ " خبره . قاله أبو البقاءِ . وهذا غلطٌ من حيث المعنى ومن حيث الصناعة . أما المعنى : فلا فائدة في الإخبار عنها بذلك ، وأما الصناعة : فلأنه لا يخبر بالزمان عن الجثة ، فإن ورد ما ظاهره ذلك يؤول نحو " الليلة الهلالُ " . الرابع : أن يكون " وُجوهٌ " مبتدأ و " نَاضِرةٌ " خبره ، و { إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } جملة مستأنفة في موضع خبر ثانٍ ، قاله ابن عطية . وفيه نظر ؛ لأنه لا ينعقد منهما كلام ؛ إذ الظاهر تعلُّق " إلى " بـ " نَاظِرةٌ " اللهمّ إلا أن يعني أن " ناظرة " خبر لمبتدأ مضمر ، أي : هي ناظرة إلى ربها ، وهذه الجملة خبر ثان وفيه تعسف . الخامس : أن يكون الخبر لـ " وُجوهٌ " مقدَّراً ، أي : وجوه يومئذ ثمَّ ، و " نَاضِرةٌ " صفة وكذلك " ناظرة " . قاله أبو البقاء : وهو بعيد لعدم الحاجة إلى ذلك . والوجه : الأولى لخلوصه من هذه التعسّفات . وكون " إلى " حرف جر ، و " ربها " مجروراً بها هو المتبادر إلى الذهن ، وقد خرجه بعض المعتزلة على أن يكون " إلى " اسماً مفرداً بمعنى النعمة مضافاً إلى " الرب " ويجمع على " آلاء " نحو { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا } [ الرحمن : 13 ] - وقد تقدم أن فيها لغات أربعاً - و " ربِّهَا " خفض بالإضافة والمفعول مقدم ناصبه " ناظرة " بمعنى منتظرة والتقدير : وجوه منتظرة نعمة ربها . وهذا فرار من إثبات النظر لله - تعالى - على معتقدهم . وتَمحَّل الزمخشري لمذهب المعتزلة بطريق أخرى من جهة الصناعة ، فقال - بعد أن جعل التقديم في " إلى ربها " مؤذناً بالاختصاص - : والذي يصح معه أن يكون من قول الناس : إنا إلى فلان ناظر ما يصنع بي ، يريد معنى التوقّع والرجاء ؛ ومنه قول القائل : [ الكامل ] @ 4997 - وإذَا نَظرْتُ إليْكَ مِنْ ملِكٍ والبَحْرُ دُونكَ زِدْتَنِي نِعَمَا @@ وسمعت سُرِّيَّة مستجدية بـ " مكة " وقت الظهر حين يغلق الناس أبوابهم ، ويأوون إلى مقايلهم تقول : " عُيَيْنتي نويظرة " إلى الله وإليكم ، والمعنى : أنهم لا يتوقعون النعمة والكرامة إلا من ربهم . قال شهاب الدين : وهذا كالحوم على من يقول إن " نَاظِرةٌ " بمعنى منتظرة ، إلا أن مكيّاً قد رد هذا القول ، فقال : ودخول " إلى " مع النظر يدل على أنه نظر العين ، وليس من الانتظار ولو كان من الانتظار لم تدخل معه " إلى " ؛ ألا ترى أنك لا تقول : انتظرت إلى زيد ، وتقول : نظرت إلى زيد تعني نظر العين ، فـ " إلى " تصحب نظر العين ، ولا تصحب نظر الانتظار ، فمن قال : إن " ناظرة " بمعنى " منتظرة " فقد أخطأ في المعنى وفي الإعراب ووضع الكلام في غير موضعه . وقال القرطبي : " إن العرب إذا أرادت بالنظر الانتظار قالوا : نظرته ، كما قال تعالى { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ ٱلسَّاعَةَ } [ الزخرف : 66 ] ، { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ } [ الأعراف : 53 ] ، { مَا يَنظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً } [ يس : 49 ] ، وإذا أرادت به التفكر والتدبر قالوا : نظرت فيه ، فأما إذا كان النظر مقروناً بذكر " إلى " وذكر الوجه فلا يكون إلا بمعنى الرؤية والعيان " . وقال الأزهري : " إن قول مجاهد : تنتظر ثواب ربها خطأ ؛ لأنه لا يقال : نظر إلى كذا بمعنى الانتظار ، وإن قول القائل : نظرت إلى فلان ليس إلا رؤية عين ، كذا تقوله العرب ؛ لأنهم يقولون : نظرت إليه إذا أرادوا نظر العين ، فإذا أرادوا الانتظار قالوا : نظرته " ؛ قال : [ الطويل ] @ 4998 - فإنَّكُمَا إنْ تنْظُرَا لي سَاعةً مِنَ الدَّهرِ تَنْفعْنِي لدى أمِّ جُندُبِ @@ لما أرادوا الانتظار قال : تنظراني ، وإذا أرادوا نظر العين قالوا : نظرت إليه . قال الشاعر : [ الطويل ] @ 4999 - نَظرْتُ إليْهَا والنُّجُومُ كأنَّها مَصابِيحُ رُهبَانٍ تُشَبُّ لِقفَّالِ @@ وقال آخر : [ الطويل ] @ 5000 - نَظَرْتُ إليْهَا بالمُحَصَّبِ من مِنى … @@ والنّضْرة : طرواة البشرة وجمالها ، وذلك من أثر النعمة ، يقال : نضر وجهه فهو ناضر . وقال بعضهم : نسلم أنه من نظر العين إلا أن ذلك على حذف مضاف ، أي ثواب ربها ونحوه . قال مكي : " لو جاء هذا لجاز : نظرت إلى زيد ، بمعنى : نظرت إلى عطاء زيد ، وفي هذا نقض لكلام العرب وتخليط في المعاني " . ونضَره الله ونضَّره ، مخففاً ومثقلاً ، أي : حسنه ونعمه . قال صلى الله عليه وسلم : " نَضَّر اللَّهُ أمْرأً سَمِعَ مَقالَتِي فوَعَاهَا ، فأدَّاهَا كما سَمِعهَا " يروى بالوجهين . ويقال للذهب : نُضَار من ذلك ، ويقال له : النضر أيضاً . ويقال : أخضر ناضر كأسود حالك ، وقدح نضار : يروى بالإتباع والإضافة . والعامة : " ناضرة " بألف ، وقرأ زيد بن علي : " نضرة " بدونها ، كـ " فرح " فهو فرح . فصل في الرؤية . روى مسلم في قوله تعالى { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ٱلْحُسْنَىٰ } [ يونس : 26 ] كان ابن عمر يقول : أكرم أهل الجنة على الله من ينظر إلى وجهه غدوة وعشية ، ثم تلى : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } . وقال عكرمة : تنظر إلى ربها نظراً ، وحكى الماوردي عن ابن عمر وعكرمة ومجاهد : تنظر أمر ربها ، وليس معروفاً إلا عن مجاهد وحده . وجمهور أهل السُّنَّة تمسك بهذه الآية لإثبات أن المؤمنين يرون الله - سبحانه وتعالى - يوم القيامة وأما المعتزلة فاحتجوا بقوله تعالى : { لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَارُ } [ الأنعام : 103 ] ، ويقولون : النظر المقرون بـ " إلى " ليس اسماً للرؤية ، بل لمقدمة الرؤية ، وهي تقليب الحدقة نحو المرئي التماساً لرؤيته ، ونظر العين بالنسبة إلى الرؤية كنظر القلب بالنسبة إلى المعرفة ، وكالإصغاء بالنسبة إلى السمع ويدل على ذلك قوله تعالى : { وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ } [ الأعراف : 198 ] فأثبت النظر حال عدم الرؤية ، ويقال : نظر إليه شزراً ، ونظر إليه غضبان ونظر راضياً ، ولا يقال ذلك في الرؤية ، ويقال : وجوه متناظرة ، أي : متقابلة ويقال : انظر إليه حتى تراه ، فتكون الرؤية غاية للنظر ، وأن النظر يحصل والرؤية غير حاصلة وقال : [ الوافر ] @ 5001 - وجُوهٌ نَاظرَاتٌ يَوْمَ بَدْرٍ إلى الرَّحْمنٍ تَنتظِرُ الخَلاصَا @@ ولا رؤية مع النظر المقرون بـ " إلى " ، وقال تعالى : { وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } [ آل عمران : 77 ] ومن قال : لا يراهم ، كفر ، قالوا : ويمكن أن يكون معنى قوله تعالى : { نَاظِرةٌ } أي : منتظرة كقولك : أنا أنظر إليك في حاجتي ، أو يكون " إلى " مفرد " آلاء " وهي النعم - كما تقدم - والمراد : إلى ثواب ربها ؛ لأن الأدلة العقلية والسمعية لما منعت الرؤية وجب التأويل ، أو يكون المعنى أنها لا تسأل ، ولا ترغب إلا إلى الله عز وجل ، كقوله : " اعْبُد الله كأنَّك تَرَاهُ " . قال ابن الخطيب : والجواب : لنا مقامان : أحدهما : أن نقول : النظر هو الرؤية كقول موسى عليه الصلاة والسلام : { رَبِّ أَرِنِيۤ أَنظُرْ إِلَيْكَ } [ الأعراف : 143 ] ، فلو كان المراد تقليب الحدقة نحو المرئي لاقتضت الآية إثبات الجهة والمكان ، ولأنه أخر النظر عن الإرادة فلا يكون تقليب . المقام الثاني : سلمنا ما ذكرتموه من أن النظر تقليب الحدقة للرؤية ، لكن يقدر حمله على الحقيقة ، فيجب الحمل على الرؤية إطلاقاً لاسم السبب على المسبب ، وهو أولى من حمله على الانتظار لعدم الملازمة ؛ لأن تقليب الحدقة كالسبب للرؤية ، ولا تعلق بينه وبين الانتظار . وأم قولهم : نحمله على الانتظار قلنا : الذي هو بمعنى الانتظار ، وفي القرآن غير مقرون ، كقوله تعالى : { ٱنظُرُونَا نَقْتَبِسْ } [ الحديد : 13 ] ، { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ } [ الأعراف : 53 ] ، والذي ندّعيه أن النظر المقرون بـ " إلى " ليس بمعنى الرؤية ؛ لأن وروده بمعنى الرؤية ، أو بالمعنى الذي يستعقب الرؤية ظاهر ، فلا يكون بمعنى الانتظار دفعاً للاشتراك وقوله : " وجوه ناظرات يوم بدر " . شعر موضوع ، والرواية الصحيحة : [ الوافر ] @ 5002 - وجُوهٌ نَاظِراتٌ يَوْمَ بَكْرٍ إلى الرَّحمنِ تَنتظِرُ الخَلاصَا @@ والمراد من هذا الرحمن : مسيلمة الكذاب ؛ لأنهم كانوا يسمُّونه رحمن اليمامة ، وأصحابه كانوا ينظرون إليه ويتوقعون منه الخلاص من الأعداء . وقولهم : هو مفرد " آلاء " أي : نعمة ربها . قلنا : فيصدق على أيِّ نعمة كانت . وإن قلنا : لأنه إنما كان للماهية التي يصدق عليها أنها نعمة ، فعلى هذا يكفي في تحقيق مسمّى هذه اللفظة أي جزء فرض من أجزاء النعمة ، وإن كانت غاية في القلة والحقارة ، وكيف يمكن أن تكون من حاله الثواب يومئذ في النعم العظيمة ، فكيف ينتظرون نعمة قليلة ، وكيف يمكن أن يكون من حاله كذلك أن يبشر بأنه يتوقع الشيء الذي يطلق عليه اسم النعمة ، ومثال هذا : أن يبشر سلطان الأرض بأنه سيصير حاله في العظمة والقوة بعد سنة بحيث يكون متوقعاً لحصول نعمة واحدة فكما أن ذلك فاسد ، فكذا هاهنا سلمنا أن النظر المتعدي بـ " إلى " المقرون بالوجوه جاء في اللغة بمعنى الانتظار ، ولكن لا يمكن حمل هذه الآية عليه ؛ لأن لذة الانتظار مع تعين الوقوع كانت حاصلة في الدنيا ، فلا بد وأن تحصل في الآخرة زيادة حتى يحصل الترغيب في الآخرة ، ولا يجوز أن يكون ذلك هو قرب الحصول . قال القشيري : وهذا باطل ؛ لأن واحد " الآلاء " يكتب بالألف لا بالياء . وقرب الحصول معلوم بالعقل فبطل التأويل . وأما قولهم : المراد ثواب ربها ، فهو خلاف الظاهر ، هذا ما ذكره ابن الخطيب . وروى القرطبي في " تفسيره " قال : خرج " مسلم " عن جرير بن عبد الله قال : " كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر إلى القمر ليلة البدر ، فقال صلى الله عليه وسلم : " إنَّكُمْ سَتَروْنَ ربَّكمْ عياناً كمَا تَرونَ القَمَرَ لا تُضَامُونَ فِي رُؤيتِهِ ، فإن اسْتَطَعْتُم ألاَّ تُغْلبُوا عَلى صلاةٍ قَبْلَ طُلوعِ الشَّمْسِ وصلاةٍ قَبْلَ غُروبِهَا فافْعَلُوا " ثُمَّ قَرَأ : { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ وَقَبْلَ ٱلْغُرُوبِ } [ ق : 39 ] " متفق عليه . وفي كتاب " النسائي " عن صهيب - رضي الله عنه - قال : " فيُكشَفُ الحِجابُ فيَنظُرونَ إليْهِ ، فواللَّهِ ما أعْطَاهُمْ شَيْئاً أحبَّ إليْهِمْ من النَّظرِ ، ولا أقَرَّ لأعْيُنِهِمْ " . وروى أبو إسحاق الثعلبيُّ عن الزبير عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يتَجَلَّى ربُّنَا - سُبْحانَهُ وتَعَالَى - حتَّى يُنْظَرَ إلى وَجْههِ فيَخِرُّونَ لَهُ سُجَّداً ، فيقُولُ اللَّه تعالى : ارفَعُوا رُءُوسكمْ فَليْسَ هذا بِيومِ عِبَادةٍ " . وقال القرطبي : وقيل : أضاف النظر إلى العين ؛ لأن العين في الوجه فهو كقوله تعالى : { تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } [ البقرة : 25 ] والماء يجري في النهر لا النهر ثم قد يكون الوجه بمعنى العين ، قال تعالى : { فَأَلْقُوهُ عَلَىٰ وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً } [ يوسف : 93 ] ، أي على عينيه ، ثم لا يبعد قلب العادة غداً حتى يخلق النظر في الوجه وهو كقوله تعالى { أَفَمَن يَمْشِي مُكِبّاً عَلَىٰ وَجْهِهِ } [ الملك : 22 ] . " فقيل : يا رسُول اللَّهِ ، كيف يَمشُونَ في النَّار علَى وُجوهِهم ؟ قال : " الَّذي أمْشاهُمْ عَلى أقدامهِم قَادِرٌ على أنْ يُمشِيهمْ على وُجوُهِهِم " . قوله : { وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ } ، أي : وجوه الكفار يوم القيامة شديدة كالحة . والبَاسِر : الشديد العبوس ، والباسل : أشد منه ولكنه غلب في الشجاع إذا اشتد كلوحة . وفي " الصِّحاح " : وبسر الفحل الناقة وابتسرها : إذا ضربها ، وبسر الرجل وجهه بسوراً أي : كلح ، يقال : " عَبسَ وبَسَرَ " . وقال السديُّ : " بَاسِرةٌ " متغيّرة ، والمعنى : أنها عابسة كالحة قد أظلمت ألوانها . قوله تعالى : { تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ } . أي : توقن وتعلم . قال ابن الخطيب : هكذا قاله المفسرون ، وعندي أن الظن هنا إنما ذكر على سبيل التهكم ، كأنه قيل لما شاهدوا تلك الأحوال حصل فيهم ظن أن القيامة حق . والفاقرة هي الداهية العظيمة ، قاله أبو عبيدة . سميت بذلك لأنها تكسر فقار الظهر . قال النابغة : [ الطويل ] @ 5003 - أبَى لِيَ قَبْرٌ لا يَزالُ مُقَابلِي وضَرْبَةُ فَأسٍ فَوقَ رَأسِي فَاقِرَهْ @@ أي : داهية مؤثِّرة ، يقال : فقرته الفاقرة ، أي : كسرت فقار ظهره . قال معناه مجاهد وغيره ، ومنه سمي الفقير لانكسار فقاره من القلّ وقد تقدم في البقرة . وقال قتادة : " الفاقرة " : الشر ، وقال السديُّ : الهلاك . وقال ابن عباس وزيد : دخول النار ، وأصلها الوسم على أنفس البعير بحديدة أو نار حتى يخلص إلى العظم . قاله الأصمعي . يقال : فقرت أنف البعير : إذا حززته بحديدة ، ثم جعلت على موضع الحزّ الجرير وعليه وتر مَلْويّ لتذلله وتروضه .