Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 77, Ayat: 20-24)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّآءٍ مَّهِينٍ } . أي : ضعيف حقير وهو النُّطفة ، وهذا نوع آخر من تخويف الكفار ، وهو من وجهين : الأول : أنه - تعالى - ذكرهم عظيم إنعامه عليهم ، وكلما كانت نعمه عليهم أكثر كانت جنايتهم في حقه أقبح وأفحش ، فيكون العقاب أعظم ، فلهذا قال جل ذكره عقيب هذه الأنعام : { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } . والثاني : أنه تعالى ذكرهم كونه تعالى قادراً على الابتداء ، والظاهر في العقل أن القادر على الابتداء قادر على الإعادة ، فلما أنكروا هذه الدلالة الظاهرة ، لا جرم قال في حقهم : { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } ، وهذه الآية نظير قوله تعالى : { ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلاَلَةٍ مِّن مَّآءٍ مَّهِينٍ } [ السجدة : 8 ] . { فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ } ، أي : مكان حريز وهو الرَّحم . { إِلَىٰ قَدَرٍ مَّعْلُومٍ } ، قال مجاهد : إلى أن نصوره ، وقيل : إلى وقت الولادة ، كقوله تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ } [ لقمان : 34 ] إلى قوله : { وَيَعْلَمُ مَا فِي ٱلأَرْحَامِ } [ لقمان : 34 ] . قوله تعالى : { فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ ٱلْقَادِرُونَ } ، قرأ نافع والكسائي : بالتشديد من التقدير ، وهو موافق لقوله تعالى : { مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ } [ عبس : 19 ] . والباقون : بالتخفيف ، من القدرة ، ويدل عليه { فَنِعْمَ ٱلْقَادِرُونَ } . ويجوزُ أن يكون المعنى على القراءة الأولى : فنعم القادرون على تقديره : وإن جعلت " القادرون " بمعنى " المقدرون " كان جمعاً بين اللَّفظين ، ومعناهما واحد ، ومنه قوله تعالى : { فَمَهِّلِ ٱلْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً } [ الطارق : 17 ] ؛ وقول الأعشى : [ البسيط ] @ 5057 - وأنْكرَتْنِي وقَدْ كَانَ الَّذِي نَكرَتْ مِنَ الحَوادثِ إلاَّ الشَّيْبَ والصَّلْعَا @@ وقال الكسائي والفراء : هما لغتان بمعنى . قال القتيبي : " قَدَرْنَا " بمعنى " قَدَّرْنَا " مشددة ، كما تقول : قدرت كذا وقدرته ومنه قوله صلى الله عليه وسلم في الهلال : " إذَا غُمَّ عَليْكُمْ فاقْدُرُوا لَهُ " أي : قدروا له المسير والمنازل . وقال محمد بن الجهم عن الفرَّاء : أنه ذكر تشديدها عن علي - رضي الله عنه - وتخفيفها . قال : ولا يبعُد أن يكون المعنى في التشديد والتخفيف واحداً ، لأن العرب تقول : قدر عليه الموت وقدر ، قال تعالى : { نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ ٱلْمَوْتَ } [ الواقعة : 60 ] قرئ بالتخفيف والتشديد ، وقدر عليه رزقه وقدر ، واحتج الذين خففوا فقالوا : لو كانت كذلك لكانت " فنِعْمَ المُقدِّرُونَ " . قال الفراء : والعرب تجمع بين اللُّغتين ، واستدل بقوله : { فَمَهِّلِ ٱلْكَافِرِينَ } الآية ، [ الطارق : 17 ] وذكر بيت الأعشى المتقدم . وقيل : المعنى قدَّرنا قصيراً وطويلاً ، ونحوه عن ابن عبَّاس : قدرنا ملكنا . قال المهدوي : وهذا التفسير أشبه بقراءة التخفيف .