Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 77, Ayat: 8-19)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم بين وقت وقوعه فقال تعالى : { فَإِذَا ٱلنُّجُومُ طُمِسَتْ } اي : ذهب ضوؤها ، ومُحِيَ نورها كطَمْسِ الكتاب ، يقال : طمس الشيء إذا درس ، وطمس فهو مطموس ، والريح تطمس الآثار ، فتكون الريح طامسة ، والأثر طامس بمعنى مطموس . قال ابن الخطيب : ويحتمل ان تكون محقت ذواتها ، وهو موافق لقوله تعالى : { نُشرت } . و " النُّجومُ " مرتفعة بفعل مضمر يفسره ما بعده عند البصريين غير الأخفش ، وبالابتداء عن الكوفيين والأخفش . وفي جواب " إذا " قولان : أحدهما : محذوف ، تقديره : فإذا طمست النجوم وقع ما توعدون ، لدلالة قوله إنما توعدون لواقع أو بان الأمر . والثاني : أنه " لأيَِّ يَومٍ أجِّلتْ " على إضمار القول ، أي يقال : لأي يوم أجّلت ، فالفعل في الحقيقة هو الجواب . وقيل : الجواب : " وَيْلٌ يَوْمَئذٍ " . نقله مكي ، وهو غلط ؛ لأنه لو كان جواباً للزمته الفاء لكونه جملة اسمية . قوله تعالى : { وَإِذَا ٱلسَّمَآءُ فُرِجَتْ } . أي : فتحت وشقّت ، ومنه قوله تعالى : { وَفُتِحَتِ ٱلسَّمَآءُ فَكَانَتْ أَبْوَاباً } [ النبأ : 19 ] ، والفَرْجُ : الشقُّ ، ونظيره : { إِذَا ٱلسَّمَآءُ ٱنشَقَّتْ } [ الانشقاق : 1 ] { وَيَوْمَ تَشَقَّقُ ٱلسَّمَآءُ بِٱلْغَمَامِ } [ الفرقان : 25 ] . وروى الضحاك عن ابن عباس : - رضي الله عنهم - قال : فرجت للطي . قوله تعالى : { وَإِذَا ٱلْجِبَالُ نُسِفَتْ } أي : ذهب بها كلها بسرعة ، من أنسفت الشيء إذا اختطفته ، وقيل : تنشق كالحب المغلق إذا نسف بالمنسف ، ومنه قوله تعالى : { لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي ٱلْيَمِّ نَسْفاً } [ طه : 97 ] ، ونظيره : { وَبُسَّتِ ٱلْجِبَالُ بَسّاً } [ الواقعة : 5 ] { وَكَانَتِ ٱلْجِبَالُ كَثِيباً مَّهِيلاً } [ المزمل : 14 ] { فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً } [ طه : 105 ] . وقرئ : " طُمّست ، وفُرّجت ، ونُسّفت " مشددة . وكان ابن عباس يقول : سويت بالأرض ، والعرب تقول : فرس نسوف ، إذا كان يؤخر الحزام بمرفقيه ؛ قال بشرٌ : [ الوافر ] @ 5055 - نَسُـوفٌ لِلحـزَامِ بِمرْفقيْهَـا … @@ ونسفت الناقة الكلأ إذا رعتهُ . قوله : { وَإِذَا ٱلرُّسُلُ أُقِّتَتْ } . قرأ أبو عمرو : " وقِّتَتْ " بالواو ، والباقون : بهمزة بدل الواو . قالوا : والواو هي الأصل ؛ لأنه من الوقت ، والهمزة بدل منها لأنها مضمومة ضمة لازمة ، وكل واو انضمت وكانت ضمتها لازمة تبدل على الاطراد همزة أولاً ، تقول : صلى القوم إحداناً ، تريد : وِحدَاناً ، وهذه أجوه حسان ؛ لأن ضمة الواو ثقيلة وبعدها واو فالجمع بينهما يجري مجرى المثلين فيكون ثقيلاً ، ولم يجز البدل في قوله تعالى { وَلاَ تَنسَوُاْ ٱلْفَضْلَ بَيْنَكُمْ } [ البقرة : 237 ] ؛ لأن الضمة غير لازمة ، قال الفراء . وقد تقدم ذكر ذلك أول الكتاب . فصل في المراد بالتأقيت قال مجاهد والزجاج : المراد بهذا التأقيت تبيين الوقت الذي تحضرون فيه للشهادة على أممكم ، أي : جمعت لوقتها ليوم القيامة ، والوقت : الأجل الذي يكون عنده الشيء المؤخر إليه ، فالمعنى : جعل لها وقت وأجل للفصل والقضاء بينهم وبين الأمم ، كقوله تعالى : { يَوْمَ يَجْمَعُ ٱللَّهُ ٱلرُّسُلَ } [ المائدة : 109 ] . وقيل : المراد بهذا التأقيت تحصيل الوقت وتكوينه ، وليس في اللفظ بيان أنه يحصل لوقت أي شيء ، ولم يبينه ليذهب الوهم إلى كل جانب ، فيكون التهويل فيه أشد ، فيحتمل أن يكون المراد تكوين وقت جمعهم للفوز بالثواب ، وأن يكون وقت سؤال الرسل عما أجيبوا به ، وسؤال الأمم عما أجابوا هم لقوله تعالى : { فَلَنَسْأَلَنَّ ٱلَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ ٱلْمُرْسَلِينَ } [ الأعراف : 6 ] ، وأن يكون وقت مشاهدة الجنة والنار وسائر أحوال القيامة ، وقيل : " أقِّتَتْ " أي : أرسلت لأوقات معلومة على ما علمه الله وأراده . فصل في قراءات الآية قرأ أبو جعفر وشيبة : بالواو وتخفيف القاف , وهو " فعلت " من الوقت ، ومنه { كِتَاباً مَّوْقُوتاً } [ النساء : 103 ] . وقرئ - أيضاً - : " وُوقتت " - بواوين - ، وهو " فوعلت " من الوقت أيضاً مثل : عُوهِدَت . قال القرطبي : " ولو قلبت الواو في هاتين القراءتين ألفاً لجاز ، وقد قرأ يحيى وأيوب وخالد بن إلياس وسلام : " أقِتَتْ " بالهمز والتخفيف ؛ لأنها مكتوبة في المصحف بالألف " . قوله تعالى : { لأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ } . الجار متعلق بـ " أجلت " وهذه الجملة معمولةٌ لقول مضمر ، أي : يقال وهذا القول المضمرُ يجوز أن يكون جواباً لـ " إذا " - كما تقدَّم - وأن يكون حالاً من مرفوع " أقتت " أي : مقولاً فيها لأيِّ يوم أجّلت أي : أخّرت ، وهذا تعظيم لذلك اليوم ، فهو استفهام على التعظيم ، أي ليوم الفصل أجلت ، كأنه تعالى قال : يعجب العباد من تعظيم ذلك اليوم ، فيقال : لأي يوم أجلت الأمور المتعلقة بهذه الرسل ، وهي تعذيب من كذبهم وتعظيم من آمن بهم وظهور ما كانوا يدعون الخلق إلى الإيمان به من الأهوال والعرض والحساب ، ونشر الدواوين ووضع الموازين . قوله : { لِيَوْمِ ٱلْفَصْلِ } بدل من " لأيِّ يومٍ " بإعادة العامل . وقيل : بل يتعلق بفعل مقدر أي أجلت ليوم الفصل ، وقيل : اللام بمعنى " إلى " ذكرها مكي . فصل في المراد بيوم الفصل اعلم أنه تعالى بين ذلك اليوم فقال : { لِيَوْمِ ٱلْفَصْلِ } ، قال ابن عباس : يوم فصل الرحمن بين الخلائق ، لقوله تعالى : { إِنَّ يَوْمَ ٱلْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ } [ الدخان : 40 ] . قوله : { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ ٱلْفَصْلِ } . أتبع التعظيم تعظيماً ، أي : وما علمك بيوم الفصل وشدته ومهابته ، ثم أتبعه بتهويل ثالث ، وهو قوله : " ويْلٌ " مبتدأ ، سوغ بالابتداء به كونه دعاء . قال الزمخشري : " فإن قلت : كيف وقعت النكرة مبتدأ في قوله تعالى { وَيْلٌ } ؟ قلت : هو في أصله مصدر منصوب سادّ مسدَّ فعله ، ولكنه عدل به إلى الرفع للدلالة على إثبات معنى الهلاك ، ودوامه للمدعو عليهم ، ونحوه { سَلاَمٌ عَلَيْكُم } [ الرعد : 24 ] ، ويجوز " قِيلاً " بالنصب ، ولكنه لم يقرأ به " . قال شهاب الدين : " هذا الذي ذكره ليس من المسوّغات التي عدها النحويون وإنما المسوغ كونه دعاء وفائدة العدول إلى الرفع ما ذكره " . و " يَوْمئذٍ " ظرف للويل . وجوز أبو البقاء : أن يكون صفة للويلِ ، وللمكذبين خبره . فصل في تفسير الآية قال القرطبي : { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } أي : عذاب وخِزْي لمن كذب بالله تعالى وبرسله ، وعلى تقدير تكذيبهم ؛ فإنَّ لكل مكذب بشيء سوى تكذيبه بشيء آخر ، وربّ شيء كذب به وهو أعظم جرماً من تكذيبه بغيره ؛ لأنه أقبح في تكذيبه ، وأعظم في الرد على الله تعالى ، فإنما يقسم له من الويل على قدر ذلك ، وهو قوله : { جَزَآءً وِفَاقاً } [ النبأ : 26 ] . وقيل : كرره لمعنى تكرار التخويف والوعيد . وروي عن النعمان بن بشير قال : " ويْلٌ " واد في جهنم فيه ألوان العذاب ، قاله ابن عباس وغيره . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " عُرِضتْ عليَّ جَهنَّمُ فَلمْ أرَ فيهَا وَادِياً أعْظمَ منَ الوَيْلِ " . وروي أيضاً أنه مجمع ما يسيل من قيحِ أهل النار وصديدهم ، وإنما يسيل الشيء فيما سفل من الأرض ، وقد علم العباد في الدنيا أن شرّ المواضع في الدنيا ما استنقع فيها مياه الأدناس والأقذار والغسلات من الجيف وماء الحمَّامات ، فذكر أن ذلك الوادي مستنقع صديد أهل النَّار والشرك ليعلم العاقل أنه لا شيء أقذرُ منه قذارةً ، ولا أنتنُ منه نتناً . قوله تعالى : { أَلَمْ نُهْلِكِ ٱلأَوَّلِينَ } . العامة : على ضم حرف المضارعة ، من " أهْلَكَ " رباعيًّا ، وقتادة : بفتحه . قال الزمخشري : من هلكه بمعنى " أهلكه " ؛ قال العجاج : [ الرجز ] @ 5056 - ومَهْمَـهٍ هَـالـكُ مَـنْ تَعـرَّجَـا @@ فـ " من " معمول الهالك ، وهو من " هلك " ، إلاَّ أن بعض النَّاس جعل هذا دليلاً على إعمال الصِّفة المشبهة في الموصول ، وجعلها من اللازم ؛ لأن شرط الصفة المشبهة أن تكون من فعل لازم ، فعلى هذا دليل فيه . قوله : { ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ ٱلآخِرِينَ } . العامة : على رفع العين استئنافاً أي : ثم نحن نتبعهم ، كذا قدره أبو البقاء . وقال : " وليس بمعطوف ، لأن العطف يوجب أن يكون المعنى : أهلكنا الأولين ، ثمَّ أتبعناهم الآخرين في الهلاك ، وليس كذلك ؛ لأن هلاك الآخرين لم يقع بعد " . قال شهاب الدين : ولا حاجة في وجه الاستئناف إلى تقدير مبتدأ قبل الفعل ، بل يجعل الفعل معطوفاً على مجموع الجملة من قوله : " ألَمْ نُهْلكِ " ، ويدل على هذا الاستئناف قراءة عبد الله : " ثم سَنُتْبِعهُم الآخرين " بسين التنفيس ، وقرأ الأعرج والعباس عن أبي عمرو : بتسكينها ، وفيها وجهان : أحدهما : أنه تسكين للمرفوع ، فهو مستأنف كالمرفوع لفظاً . والثاني : أنه معطوف على مجزوم ، والمعني بالآخرين حينئذ قوم شعيب ولوط وموسى ، وبالأولين قوم نوح وعاد وثمود . قال ابن الخطيب : وهذا القول ضعيف ؛ لأن قوله تعالى : { نُتْبِعُهُمُ } مضارع ، وهو للحال والاستقبال ، ولا يتناول الماضي ، وإنما المراد بالأولين : جميع الكفار الذين كانوا في عهد محمد صلى الله عليه وسلم ، وقوله : { ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ ٱلآخِرِينَ } على الاستئناف ، أي : سنفعل ذلك ، ونتبع الأول الآخر ، ويدل على الاستئناف قراءة عبد الله في نتبعهم تدل على الاشتراك ، وحينئذ يكون المراد به الماضي لا المستقبل . قلنا : لو كان المراد هو الماضي لوقع التنافي بين القراءتين ، وهو غير جائز ، فعلمنا أن تسكين العين ليس للجزم ، بل للتخفيف . قوله : { كَذَلِكَ نَفْعَلُ } أي : مثل ذلك الفعل الشَّنيع نفعل بكل من أجرم . فصل في المراد بالآية المقصوُد من هذه الآية تخويف الكفار وتحذيرهم من الكفر ، أخبر عن إهلاك الكفار من الأمم الماضين من لدُن آدم - عليه الصلاة والسلام - إلى محمد - عليه أفضل الصلاة والسلام - { ثُمَّ نُتْبِعهُمُ الآخرين } أي : نُلحق الآخرين بالأولين ، { كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِٱلْمُجْرِمِينَ } أي : مثل ما فعلنا بمن تقدم بمشركي قريش إما بالسيف وإما بالهلاك ، ثم قال تعالى : { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } كأنه تعالى يقول : أما الدنيا : فحاصلهم الهلاك ، وأما الآخرة فالعذاب الشديد ، وإليه الإشارة بقوله تعالى : { خَسِرَ ٱلدُّنْيَا وَٱلأَخِرَةَ ذٰلِكَ هُوَ ٱلْخُسْرَانُ ٱلْمُبِينُ } [ الحج : 11 ] فإن قيل : المراد من قوله : { أَلَمْ نُهْلِكِ ٱلأَوَّلِينَ } وهو مطلق الإماتة ، والإماتة بالعذاب فإن كان مطلق الإماتة لم يكن ذلك تخويفاً للكفار ؛ لأن ذلك معلوم حاصل للمؤمن والكافر ، فلا يكون تخويفاً للكفار ، وإن كانت الإماتة بالعذاب فقوله تعالى : { ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ ٱلآخِرِينَ } { كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِٱلْمُجْرِمِينَ } يقتضي أن يكون فعل بكفَّار قريش مثل هذا ، ومعلوم أن ذلك لم يوجد ، وأيضاً فقد قال تعالى : { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ } [ الأنفال : 33 ] . فالجواب : قال ابن الخطيب : لم لا يجوز أن يكون المراد من الإهلاك معنى ثالث ، وهو الإماتة للذمِّ واللَّعن ، فكأنه قيل : أولئك المتقدمون لحرصهم على الدنيا عادوا الأنبياء وخاصموهم ، ثم ماتوا ففاتتهم الدنيا ، وبقي اللَّعْن عليهم في الدنيا والعقوبة في الاخرة دائماً سرمداً ، فهكذا يكون حال الكفار الموجودين ، وهذا من أعظم وجوه الزجر .