Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 77, Ayat: 25-28)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { أَلَمْ نَجْعَلِ ٱلأَرْضَ كِفَاتاً } هذا هو النوع الرَّابع من تخويف الكُفَّار ؛ لأنه - تعالى - ذكرهم في الآية المتقدمة بالنعم التي في الأنفس لأنها كالأصل للنعم التي في الآفاق ، ثم قال في آخرها : { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } ؛ لأن النعم كلها كانت أكثر كانت الخيانة أقبح وكان استحقاق الذم أشد ، وذكر في هذه الآية النعم التي في الأنفس ، لأنها كالأصل للنعم التي في الآفاق ، قالوا : فإنه لولا الحياة والسمع والبصر والأعضاء السليمة لما كان الانتفاع بشي من المخلوقات ممكناً - والله أعلم - ، وإنما قدم الأرض لأنها أقرب الأشياء إلينا من الأمور الخارجة . والكِفَات : اسم للوعاء الذي يكفت فيه أي يجمع . قاله أبو عبيدٍ ، يقال : كفته يكفته أي جمعه وضمه . وفي الحديث : " أكْفِتُوا صبيانكُم " ، قال الصمصمامة بن الطرمَّاح : [ الوافر ] @ 5058 - وأنْتَ غَداً اليَوْمَ فَوْقَ الأرْضِ حَيًّا وأنْتَ غَداً تَضُمَّكَ فِي كِفاتِ @@ وقيل : الكِفَات : اسم لما يكفت كـ " الضِّمام والجماع " ، يقال : هذا الباب جماع الأبواب ، والمعنى : نجعل الأرض ضامَّة تضم الأحياء على ظهرها ، والأموات في بطنها ، والكفت : الضم والجمع ؛ وأنشد سيبويه : [ الوافر ] @ 5059 - كِرَامٌ حِينَ تَنْكفِتُ الأفَاعِي إلَى أحْجارِهنَّ مِنَ الصَّقيعِ @@ وروي عن ربيعة في النباش ، قال : تقطع يده ، فقيل له : لم قلتَ ذلك ؟ فقال : إن الله - تعالى - يقول : { أَلَمْ نَجْعَلِ ٱلأَرْضَ كِفَاتاً أَحْيَآءً وَأَمْواتاً } فالأرض حِرز ، وكانوا يسمون بقيع الغرقد كفته ، لأنه مقبرة تضم الموتى ، فالأرض تضم الأحياء إلى منازلهم ، والأموات في قبورهم ، وأيضاً استقرار النَّاس على وجه الأرض ، ثم اضطجاعهم عليها ، انضمام منهم إليها . وقال الأخفش وأبو عبيدة ومجاهد في أحد قوليه : الأحياء والأموات ترجع إلى الأرض ، والأرض منقسمة إلى حيٍّ وهو الذي ينبت ، وإلى ميت وهو الذي لا ينبت . وفي انتصاب : " كَفَاتاً ، أحياء وأمواتاً " وجهان : أحدهما : أنه مفعول ثانٍ لـ " نجعل " ؛ لأنها للتصيير . والثاني : أنه منصوب على الحال من " الأرض " ، والمفعول الثاني : " أحياءً وأمواتاً " بمعنى : ألم نصيِّرها أحياء بالنبات ، وأمواتاً بغير نبات ، أي : بعضها كذا ، وبعضها كذا . وقيل : " كِفَاتاً " جمع كافت كـ " صيام ، وقيام " جمع " صائم ، وقائم " . وقيل : بل هو مصدر كالكتاب والحساب . وقال الخليل : التكفيت : تقليب الشَّيء ظهراً لبطن وبطناً لظهر ، ويقال : انكفت القوم إلى منازلهم ، أي : انقلبوا ، فمعنى الكفات : أنهم يتصرفون على ظهرها ، وينقلبون إليها فيدفنون فيها . قوله : { أَحْيَآءً } . فيه أوجه : أحدها أنه منصوب بـ " كفات " قاله مكي ، والزمخشري ؛ وبدأ به بعد أن جعل " كِفَاتاً " اسم ما يكفت ، كقولهم : الضِّمام والجماع . وهذا يمنع أن يكون " كِفَاتاً " ناصباً لـ " أحياءً " ؛ لأنه ليس من الأسماء العاملة ، وكذلك إذا جعلناه بمعنى الوعاء على قول أبي عبيدة ، فإنه لا يعمل أيضاً ، وقد نصّ النحاة على أن أسماء الأمكنة والأزمنة والآلات وإن كانت مشتقة جارية على الأفعال لا تعمل ، نحو : مَرْمَى ، ومَنْجَل . وفي اسم المصدر خلاف مشهور ، ولكن إنما يتمشّى نصبهما بـ " كفات " على قول أبي البقاء ، فإنه يجوز فيه إلا أن يكون جمعاً لاسم فاعل أو مصدراً , وكلاهما من الأسماء العاملة . الوجه الثاني : أن ينتصب بفعل مقدر يدل عليه " كفاتاً " أي : يكفتهم أحياءً عى ظهرها ، وأمواتاً في بطنها ، وبه ثنى الزمخشري . الثالث : أن ينتصب على الحالِ من محذوف ، أي : يكفتكم أحياءً وأمواتاً ، لأنه قد علم أنها كفات للإنس قاله الزمخشري ، وإليه نحا مكي ، إلا أنه قدر غائباً اي تجمعهم الأرض في هاتين الحالتين . الرابع : أن ينتصب مفعولاً ثانياً لـ " نجعل " و " كفاتاً " حال ، كما تقدم تقريره . وتنكير " أحياء وأمواتاً " إما للتفخيم ، أي يجمع أحياء لا يقدرون وأمواتاً لا يحصون ، وإما للتبعيض ؛ لأن أحياء الإنس وأمواتهم ليسوا بجميع الأحياء ولا الأموات ، وكذلك التنكير في " ماءً فراتاً " يحتمل المعنيين أيضاً ، أما التفخيم فواضحٌ لعظم المنّة عليهم وأما التبعيض ، فلقوله تعالى : { وَيُنَزِّلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ } [ النور : 43 ] فهذا مفهم للتبعيض والقرآن يفسِّر بعضه بعضاً . وقوله تعالى : { وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ } . أي جعلنا في الأرض " رواسي " وهي الثوابت " شامخات " ، وهي الجبال الطُّوال ، جمع شامخ ، وهي المرتفعة جدًّا ، ومنه شمخ بأنفه إذا تكبّر ، جعل كناية عن ذلك كثني العطف ، وصعر الخد وإن لم يحصل شيء من ذلك . قوله تعالى : { وَأَسْقَيْنَاكُم مَّآءً فُرَاتاً } ، أي : وجعلنا لكم سُقْياً ، والفرات : الماء العذب يُشْرَب ويُسْقَى به الزرع ، أي : خلقنا الجبال ، وأنزلنا الماء الفرات ، وهذه الأمور أعجبُ من البعث . وروى أبو هريرة - رضي الله عنه - : في الأرض من الجنة الفرات والدجلة ونهر الأردن . وفي مسلم : سيحان وجيحان ، والنيل ، والفرات ، كل من أنهار الجنة .