Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 77, Ayat: 29-34)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { ٱنطَلِقُوۤاْ } . أي : يقال لهم ذلك . والعامة : على " انطلقوا " الثاني كالأول بصيغة الأمر على التأكيد وروى رويس عن يعقوب : " انْطَلَقُو " - بفتح اللام - فعلاً ماضياً على الخبر ، أي : لمَّا أمروا امتثلوا ذلك وهذا موضع الفاء ، فكان ينبغي أن يكون التركيب فانطلقوا ، نحو قولك : قلت له : اذهب فذهب ، وعدم الفاء هنا ليس بواضح . فصل في كيفية عذاب الكفار في الآخرة هذا هو النَّوع الخامس من تخويف الكُفَّار ، وهو بيان كيفية عذابهم في الآخرة والمعنى : يقال لهم : انطلقوا إلى ما كذبتم به من العذاب ، يعني النار ، فقد شاهدتموها عياناً . { ٱنطَلِقُوۤاْ إِلَىٰ ظِلٍّ ذِي ثَلاَثِ شُعَبٍ } أي : دخان ذي ثلاث شعب ، يعني الدخان الذي يرتفع ، ثم يتشعب إلى ثلاث شعب ، وكذلك بيان دخان جهنم العظيم إذا ارتفع تشعب . قال أبو مسلم : ويحتمل في ثلاث شعبٍ ما ذكره بعد ذلك ، وهو أنه غير ظليل ، وأنه لا يغنى من اللهب ، وبأنه يرمي بشرر ، ثم وصف الظليل ، فقال : { لاَّ ظَلِيلٍ وَلاَ يُغْنِي مِنَ ٱللَّهَبِ } أي : لا يدفع من لهب جهنم شيئاً ، أي : ليس كالظلِّ الذي يقي حر الشمس ، وهذا تهكّم بهم ، وتعريض بأن ظلَّهم غير ظلَّ المؤمنين ، وأنه لا يمنع حرَّ الشمس . واللهب ما يعلو على النار إذا اضطرمت من أحمر ، وأصفر ، وأخضر . وقيل : إن الشعب الثلاث من الضَّريع ، والزَّقُّوم ، والغسلين ؛ قاله الضحاك . وقيل : اللهب ثم الشرر ثُمَّ الدخان ، لأنها ثلاثة أحوال هي غاية أوصاف النار إذا اضطرمت واشتدت . وقيل : عنق يخرج من النار فيتشعب ثلاث شعب ، فأما النور فيقف على رءوس المؤمنين ، وأما الدخان فيقف على رءوس المنافقين ، وأما اللهب الصافي فيقف على رءوس الكفار . وقيل : هو السرادق ، وهو لسان من النَّار يحيط بهم يتشعب منه ثلاث شعب ، فيظلهم حتى يفرغ من حسابهم ، لقوله تعالى : { أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا } [ الكهف : 29 ] . وتَسْمِيَةُ النَّار بالظِّل مجاز من حيث إنها محيطةٌ بهم من كل جانب ، لقوله تعالى : { لَهُمْ مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ ٱلنَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ } [ الزمر : 16 ] ، وقال تعالى : { يَوْمَ يَغْشَاهُمُ ٱلْعَذَابُ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ } [ العنكبوت : 55 ] وقيل : هو الظل من يحموم لقوله تعالى : { وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ لاَّ بَارِدٍ وَلاَ كَرِيمٍ } [ الواقعة : 43 ، 44 ] . وفي الحديث : " إنَّ الشَّمسَ تَدنُو مِنْ رُءوسِ الخَلائقِ ، وليْسَ عَلَيْهِم ولا لَهُمْ أكْفانٌ ، فتَلْحَقُهمُ الشَّمْسُ وتَأخذُ بأنْفَاسِهمْ ، ثُمَّ يُنَجِّي اللهُ بِرحْمَتهِ مَنْ يَشَاءُ إلى ظلِّ من ظلِّه ، فهُناكَ يقُولُونَ : { فَمَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ ٱلسَّمُومِ } [ الطور : 27 ] ويقال للمذكبين : انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون من عذاب الله وعقابه " . قوله : { لاَّ ظَلِيلٍ } صفة لـ " ظلّ " ، و " لا " متوسّطة بين الصفة والموصوف لإفادة النَّفي ، وجيء بالصِّفة الأولى اسماً ، وبالثانية فعلاً دلالة على نفي ثبوت هذه الصِّفةِ واستقرارها للظل ، ونفي التجدد والحدوث للإغناء عن اللَّهب ، يقال : أغني عني وجهك ، أي أبعد ؛ لأن الغنيَّ عن الشيء يباعده كما أن المحتاج إليه يقاربه . فال الزمخشري : " ولا يغني " في محل الجر ، أي وغير مُغْنٍ عنهم من حر اللهب شيئاً . { إِنَّهَا } أي إن جهنم ، لأن السياق كله لأجلها . وقرأ العامة : " بِشَررٍ " بفتح الشين وألف بين الراءين . وورش يرقّق الراء الأولى لكسر التي بعدها . وقرأ ابن عباس وابن مقسم : بكسر الشين وألف بين الراءين . وعيسى كذلك ، إلا أنه يفتح الشين . فقراءة ابن عباس : يجوز أن تكون جمعاً لـ " شَرَرة " ، و " فَعَلة " تجمع على " فِعَال " نحو " رَقَبة ورِقَاب ، ورحبة ورِحَاب " . وأن يكون جمعاً لـ " شر " لا يراد به " أفعل " التفضيل : يقال : رجل شر ، ورجال أشرار ورجل خير ورجال أخيار ، ويؤنثان ، فيقال : امرأة شرة وامرأة خيرة ، فإن أريد بهما التفضيل امتنع ذلك فيهما ، واختصّا بأحكام مذكورة في كتب النحو ، أي : ترمي بشرار من العذاب ، أو بشرار من الخلق . وأما قراءة عيسى : فهو جمع شرارة بالألف ، وهي لغة تميم ، والشررة والشرارة : ما تطاير من النار منصرفاً . قال القرطبي : " الشرر : واحدته شررة ، والشرار : واحدته شرارة ، وهو ما تطاير من النار في كل جهة ، وأصله من شررت الثوب إذا بسطته للشمس ليجفَّ . والقَصْر : البناء العالي " . قوله : { كَٱلْقَصْرِ } العامة على فتح القاف وسكون الصاد , وهو من القصر المعروف شبِّهت به في كبره وعظمه . وابن عباس وتلميذه ابن جبير والحسن : بفتح القاف والصَّاد ، وهي جمع قصرة - بالفتح - والقصرة : أعناق الإبل والنخل وأصول الشجر . وقرأ ابن جبير والحسن أيضاً : بكسر القاف وفتح الصَّاد ، جمع قصرة بفتح القاف . قال الزمخشري : " كحاجة وحوج " . وقال أبو حيان : " كحلقة من الحديد وحلق " . وقرئ : " كالقَصِر " بفتح القاف وكسر الصاد . قال شهاب الدين : ولم أر لها توجيهاً ، ويظهر أن يكون ذلك من باب الإتباع والأصل : كالقصر - بسكون الصاد - ثم أتبع الصاد حركة الراء فكسرها ، وإذا كانوا قد فعلوا ذلك في المشغول بحركة نحو " كَتِف ، وكَبِد " فلأن يفعلوه في الخالي منها أولى ، ويجوز أن يكون ذلك للنقل ، بمعنى أنه وقف على الكلمة ، فنقل كسرة الراء إلى الساكن قبلها ، ثم أجرى الوصل مجرى الوقف ، وهو باب شائع عند القراء والنحاة . وقرأ عبد الله : قُصُر وفيها وجهان : أحدهما : أنه جمع قصر ، كـ " رَهْن ورُهُن " . قاله الزمخشري . والثاني : أنه مقصور من قصور ؛ كقوله : [ الرجز ] @ 5060 - فِيهَـا عَيَايِيـلُ أسُـودٌ ونُمُـرْ @@ يريد : نمور ، فقصر ، وكقوله : { وَٱلنَّجْمِ } [ النجم : 1 ] يريد : النجوم . وتخريج الزمخشري أولى ، لأن محل الثاني إما الضرورة ، وإما الندور . قوله : " جِمَالات " قرأ الأخوان وحفص : " جِمَالَة " ، والباقون : " جِمَالاَت " . فـ " الجِمَالة " نحو " ذكر ، وذِكارة ، وحجر ، وحِجَارة " . والثاني : أنه جمع كـ " الذِّكَارة ، والحِجَارة " . قاله أبو البقاء . والأول : قول النحاة . وأما " جمالات " ، فيجوز أن يكون جمعاً لـ " جمالة " ، وأن يكون جمعاً لـ " جمال " ، فيكون جمع الجمع ، ويجوز أن يكون جمعاً لـ " جميل " المفرد كقولهم : " رجالات قريش " كذا قالوه . وفيه نظر ؛ لأنهم نصُّوا على أن الأسماء الجامدة ، وغير العاقلة لا تجمع بالألف والتاء ، إلا إذا لم تكسر ، فإن تكسرت لم تجمع ، وقالوا : ولذلك لحن المتنبي في قوله : [ الطويل ] @ 5061 - إذَا كَانَ بَعْضُ النَّاس سَيْفاً لِدوْلَةٍ فَفِي النَِّاس بُوقاتٌ لَهُمْ وطُبُولُ @@ فجمع " بوقاً " على " بوقات " مع قولهم : " أبواق " ، فكذلك " جمالات " مع قولهم : " جمل ، وجمال " على أن بعضهم لا يجيز ذلك ، ويجعل نحو " حمامات ، وسجلات " شاذًّا ، وإن لم يكسر . وقرأ ابن عباس والحسن وابن جبير وقتادة وأبو رجاء ، بخلاف عنهم كذلك ، إلا أنهم ضموا الجيم ، وهي حبال السفن . وقيل : قلوص الجسور ، الواحد منها جملة ، لاشتمالها على طاقات الحبال ، وفيها وجهان : أحدهما : أن يكون " جُمالات " - بالضم - جمع جمال ، فـ " جمال " جمع " جملة " ، كذا قال أبو حيَّان ، ويحتاج في إثبات أن " جُمَالات " جمع " جملة " بالضم إلى نقل . والثاني : أن " جمالات " جمع " جمالة " . قاله الزمخشري . وهو ظاهر . وقرأ ابن عبَّاس والسلمي وأبو حيوة : " جُمَالة " بضم الجيم لما قاله الزمخشري آنفاً . وروي عن علي - رضي الله عنه - أنها قطع النُّحاس . قوله : { صُفْرٌ } . صفة لـ " جمالات " أو لـ " جمالة " لأنه إما جمع أو اسم جمع . والعامة : على سكون الفاء جمع ، والحسن بضمها ، كأنه إتباع ، ووقع التشبيه بها في غاية الفصاحة . قال الزمخشري : وقيل : " صُفْر " سود تضرب إلى الصفرة ، وفي شعر عمران بن حطَّان الخارجيِّ : [ الطويل ] @ 5062 - دَعتْهُمْ بأعْلَى صَوْتهَا ورَمتهُمُ بِمِثْلِ الجمالِ الصُّفْرِ نزَّاعةُ الشَّوَى @@ وقال أبو العلاءِ : [ الكامل ] @ 5063 - حَمْرَاءُ سَاطِعَةُ الذَّوائِبِ في الدُّجَى تَرْمِي بكُلِّ شَرارةٍ كطِرَافِ @@ فشبهها بالطِّراف ، وهو بيت الأدم في العظمِ والحمرة ، وكأنه قصد بخبثه أن يزيد على تشبيه القرآن ، ولتبجحه بما سوّل له من توهم الزيادة جاء في صدر بيته قوله : حمراء ، توطئة لها ومناداة عليها تنبيهاً للسَّامعين على مكانها ، ولقد عمي ، جمع الله له عمى الدارين عن قوله تعالى : { كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ } فإنه بمنزلة قوله : كبيت أحمر وعلى أن في التشبيه بالقصر ، وهو الحصن تشبيهاً من جهتين : من جهة العظم ، ومن جهة الطّول في الهواء . انتهى . وكان قد قال قبل ذلك بقليل : " شبهت بالقصور ، ثم بالجمال لبيان التشبيه ؛ ألا ترى أنهم يشبهون الإبل بالأفدان والمجادل " . والأفدان : القصور ؛ كأنه يشير إلى قول عنترة : [ الكامل ] @ 5064 - فَوقفْتُ فِيهَا نَاقَتِي وكَأنَّهَا فَدنٌ لأقْضِيَ حَاجةَ المُتلومِ @@ فصل في المراد بالقصر قال القرطبي : القصر : البناء العالي . وقيل : القصر : جمع قصرة - ساكنة الصاد - مثل جمرة وجمرة ، وتمر وتمرة ، والقصر : الواحدة من جزل الحطب الغليظ . قال سعيد بن جبير ، والضحاك : هي أصول الشجر والنخل العظام إذا وقع وقطع . وقيل : أعناقه : شبّه الشرر بالجمال الصفر ، وهي الإبل السود ، والعرب تسمي السود من الإبل صفراً . قال الشاعر : [ الخفيف ] @ 5065 - تِلْكَ خَيْلِي منهُ وتِلْكَ رِكَابِي هُنَّ صُفْرٌ أولادُهَا كالزَّبيبِ @@ أي : هنّ سود ، وإنما سميت السود من الإبل صفراً ؛ لأنه يشوب سوادها شيء من صفرة . قال الترمذي : وهذا القول ضعيف ، ومحال في اللغة أن يكون من يشوبه قليل فينسب كله إلى ذلك الشائب ، فالعجب ممن قال هذا ، وقد قال تعالى : { جِمَالَةٌ صُفْرٌ } فلا نعلم شيئاً من هذا في اللغة . والجمالات : الجمال . وقال الفراء : يجوز أن تكون الجُمَالات - بالضم - من الشيء المجمل ، يقال : أجملت الحساب ، وجاء القوم جملة ، أي مجتمعين . والمعنى : أن هذا الشرر يرتفع كأنه شيء مجموع غليظ أصفر . قيل : شبهها بالجمالات لسرعة سيرها . وقيل : لمتابعة بعضها بعضاً .