Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 77, Ayat: 35-37)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { هَـٰذَا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ } العامة على رفع " يوم " خبراً لـ " هذا " ، أي تقول الملائكة : هذا يوم لا ينطقون . ويجوز أن يكون " انطَلِقُوا " من قول الملائكة ثم يقول الله لأوليائه : هذا يومُ لا ينطق الكافر ، ومعنى اليوم السَّاعة والوقت . وزيد بن علي ، والأعرج ، والأعمش ، وأبو حيوة ، وعاصم في بعض طرقه : بالفتحِ ، وفيه وجهان : أحدهما : أن الفتحة فتحة بناء ، وهو خبر لـ " هذا " كما تقدم . والثاني : أنه منصوب على الظرف واقعاً خبراً لـ " هذا " على أن يشار به لما تقدم من الوعيد ، كأنه قال : هذا العقاب المذكور كائن يوم لا ينطقون وقد تقدم آخر المائدة ما يشبه هذا في قوله تعالى : " هذا يَوْم يَنفَع " إلا أن النصب هناك متواتر . قوله : { وَلاَ يُؤْذَنُ } العامة : على عدم تسمية الفاعل . وحكى الأهوازي عن زيد بن علي : " ولا يَأذَنُ " سمى الفاعل ، وهو الله تعالى . وقوله : فيعتذرون " . في رفعه وجهان : أحدهما : أنه مستأنف ، أي فهم يعتذرون . قال أبو البقاء : ويكون المعنى : أنهم لا ينطقون نطقاً ينفعهم ، أو ينطقون نطقاً في بعض المواقف ولا ينطقون في بعضها . والثاني : أنه معطوف على " يؤذن " فيكون منفياً ، ولو نصب لكان متسبباً عنه . وقال ابن عطيَّة : " ولم ينصب في جواب النَّفْي لتشابه رءوس الآي ، والوجهان جائزان " . فظهر من كلامه أنهما بمعنى واحد ، وليس كذلك بل المرفوع له معنى غير معنى المنصوب ، وإلى هذا ذهب الأعلم إلى أن الفعل قد يرتفع ويكون معناه النصب ، ورد عليه ابن عصفور . قال الفرَّاء في قوله : " وَلاَ يُؤْذَنُ لهُمْ فيَعْتَذِرُونَ " : الفاء نسق ، أي عطف على " يؤذن " ، وأجيز ذلك ، لأن آخر الكلام بالنون ، ولو قال : فيعتذروا ، لم يوافق الآيات ، وقد قال : { لاَ يُقْضَىٰ عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُواْ } [ فاطر : 36 ] ، بالنصب ، وكل صواب ، ومثله : { مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ } [ البقرة : 245 ] ، بالرفع والنصب . فصل في تخويف الكفار هذا نوع آخر من أنواع تخويف الكفار ، لأن الله - تعالى - بين أنه ليس لهم عذر ولا حجة فيما أتوا به من القبائح ، ولا لهم قدرة على رفع العذاب عن أنفسهم ، واعلم أن يوم القيامة له مواطن ومواقيت ، فهذا من المواقيت التي لا يتكلمون فيها ولا يعتذرون . روى عكرمة : أن ابن عباس - رضي الله عنهما - سأله ابن الأزرق عن قوله تعالى : { هَـٰذَا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ } و { فَلاَ تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً } [ طه : 108 ] ، وقد قال تعالى : { وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ } [ الطور : 25 ] . فقال له : إن الله - تعالى - يقول : { وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ } [ الحج : 47 ] فإن لكل مقدار من هذه الأيام لوناً من هذه الألوان . وقال الحسن : فيه إضمار ، أي هذا يوم لا ينطقون فيه بحجة نافعة ، ومن نطق بما لا ينفع ولا يفيد ، فكأنه ما نطق ، كما يقال لمن ذكر كلاماً غير مفيد : ما قلت شيئاً ، وقيل : إن هذا وقت جوابهم : { ٱخْسَئُواْ فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ } [ المؤمنون : 108 ] . قال الفراء : أراد بقوله : " لا ينطقون " تلك الساعة ، وذلك القدر من الوقت الذي لا ينطقون فيه ، كما تقول : آتيك يوم يقدم فلان ، والمعنى : ساعة يقدم ، وليس باليوم كله ؛ لأن القدوم إنما يكون في وقت يسير ولا يمتد في كل اليوم . وأجاب ابن الخطيب : بأن قوله تعالى { لاَ يَنطِقُونَ } لفظ مطلق ، والمطلق لا يفيد العموم لا في الأنواع ، ولا في الأوقات ، بدليل أنك تقول : فلان لا ينطق بالشر ولكنه ينطق بالخير ، وتارة تقول : فلان لا ينطق شيئاً ألبتة ، فهذا يدل على أن مفهوم " لا ينطق " مشترك بين الدائم والمؤقت ، وإذا كان كذلك فمفهوم " لا ينطق " يكفي في صدقه عدم النطق ببعض الأشياء ، وفي بعض الأوقات ، وذلك لا ينافي حصول النطق بشيء آخر في وقت آخر ، فيكتفى في صدق قوله : " لا يَنطقُونَ " أنهم لا ينطقون بعذر وعلة في وقت واحد ، وهو وقت السؤال . فإن قيل : لو حلف لا ينطق في هذا اليوم حنث في قطعه في جزء منه . قلنا : ذلك لعرف الإيمان بحثنا في عرف اللفظ من حيث هو . قال ابن الخطيب : فإن قيل : قوله : { ولا يُؤذنُ لهُم فيَعتَذِرُونَ } يوهم أن لهم عذراً ، وقد منعوا من ذكره ، فهم لا يؤذن لهم في ذكر ذلك العذر الفاسد .