Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 78, Ayat: 17-20)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { إِنَّ يَوْمَ ٱلْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتاً } . أي : وقتاً ومجمعاً وميعاداً للأولين والآخرين ؛ لما وعد اللهُ الجزاء والثواب ، وسمِّي يوم الفصل ؛ لأنَّ الله - تعالى - يفصل فيه بين خلقِه . قوله : { يَوْمَ يُنفَخُ } . يجوز أن يكون بدلاً من " يَوْمِ الفَصْلِ " ، أو عطف بيان له ، أو منصوباً بإضمار " أعني " . و " أفواجاً " حال من فاعل " تَأتُونَ " . وقرأ أبو عياض : " في الصُّوَرِ " بفتح الواو وتقدم مثله . فصل في النفخة الآخرة هذا النفخ هو النفخة الأخيرة التي عندها يكون الحشر ، وهذا هو النفخ للأرواح . وقيل : هو قَرْنٌ يُنْفَخُ فيه للبعث . " فتأتون " أي : إلى موضع العرض . " أفواجاً " أي : أمَماً كُل أمَّةٍ مع إمامهم . روى معاذُ بن جبل - رضي الله عنه - " قلت : يا رسول الله ، أرأيت قول الله تعالى : { يَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً } ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يَا مُعَاذُ ، لَقَدْ سَألْتَنِي عَنْ أمْرٍ عَظِيمٍ " ، ثم أرسل عينيه باكياً - ثم قال عليه الصلاة والسلام : " يُحْشَرُ عَشَرَةُ أصْنَافٍ مِنْ أمَّتِي أشْتَاتاً قَدْ مَيَّزهمُ اللهُ - تَعَالَى - مِنْ جَمَاعَاتِ المُسْلِمِيْنَ وبَدَّلَ صُورَهُمْ ، فَمِنْهُمْ على صُورةِ القِرَدَةِ ، وبَعْضهُمْ عَلى صُورَةِ الخَنَازِيرِ ، وَبَعْضُهُمْ مُنَكَّسِيْنَ أرْجُلهُمْ أعلاهُمْ وَوُجُوهُم يُسْحَبُونَ عليْهَا ، وبَعضُهمْ عُمْياً ، وبَعْضهُم صُمًّا ، وبَعْضُهُمْ يَمْضُغُونَ ألْسنَتَهُمْ فَهِيَ مُدَلاَّة على صُدورِهِمْ ، يَسِيلُ القَيْحُ مِنْ أفْواهِهِم ، يَتقذَّرهمُ الجَمْعُ ، وبَعَْضهُمْ مُقطَّعَةٌ أيْدِيهِمْ وأرْجٌُلهمْ مُصلَّبين على جذُوع مِنْ نَارٍ ، وبَعضُهم أشَدُّ نَتْناً مِنَ الجِيفِ ، وبَعْضُهمْ مُلْبَسِينَ جَلابِيبَ لاصقةً بِجُلوْدهِمْ ، فأمَّا الذينَ على صُورةِ القِردَةِ : فالقَتَّاتُ مِنَ النَّاسِ - يَعْنِي : النَّمَّامَ - وأمَّا الَّذينَ عَلى صُورةِ الخَنَازِيرِ فأهْلُ السُّحْتِ والحَرامِ والمَكْسِ ، وأمَّا المُنكِسُونَ رُءوسَهُمْ وَوُجوهمْ فأكلَةُ الرِّبَا ، وأمَّا العُمْيُ : فالَّذيْنَ يَجُورُونَ في الحُكْمِ ، وأمَّا الصُمُّ البُكْمُ : فالمُعْجَبُونَ بأعْمالِهمْ ، وأمَّا الَّذِينَ يَمْضُغُونَ ألْسِنَتَهُمْ ، فالعُلمَاءُ الَّذينَ يُخَالفُ قَوْلهُم فِعلهُمْ ، وأمَّا الَّذينَ قُطِعَتْ أيْديهِمْ وأرْجُلهُمْ فالَّذينَ يُؤذُونَ الجِيرانَ ، وأمَّا المُصَلَّبُونَ فِي جُذوْعِ النَّارِ ، فالسَّعاة بالنَّاسِ إلى السُّلطانِ ، وأمَّا الَّذينَ أشَدُّ نَتْناً مِنَ الجِيَفِ ، فالَّذينَ يَتَّبعُنَ الشَّهواتِ واللَّذَّاتِ ، ويَمْنعُونَ حَقَّ اللهِ فِي أمْوالِهمْ ، وأمَّا الَّذِينَ يَلْبِسُونَ الجَلابِيْبَ فأهْلُ الكِبْرِ والفَخْرِ والخُيَلاء " . قوله تعالى : { وَفُتِحَتِ ٱلسَّمَآءُ فَكَانَتْ أَبْوَاباً } . قرأ أبو عامر وحمزة والكسائي : " فُتِحَتْ " خفيفة ، والباقون بالتثقيل . والمعنى : كُسرتْ أبوابها المفتَّحةُ لنزول الملائكة كقوله تعالى : { وَيَوْمَ تَشَقَّقُ ٱلسَّمَآءُ بِٱلْغَمَامِ وَنُزِّلَ ٱلْمَلاَئِكَةُ تَنزِيلاً } [ الفرقان : 25 ] . وقيل : تقطَّعت ، فكانت قطعاً كالأبواب ، فانتصاب الأبواب على هذا بحذف الكاف . وقيل : التقدير : كانت ذات أبواب ؛ لأنها تصير كلها أبواباً . وقيل : أبوابها : طرقها . وقيل : إنَّ لكل عبد باباً في السماء لعمله ، وباباً لرزقه ، فإذا قامت القيامة انفتحت الأبواب . قال القاضي : هذا الفتح هو معنى قوله : { إِذَا ٱلسَّمَآءُ ٱنشَقَّتْ } [ الانشقاق : 1 ] ، { إِذَا ٱلسَّمَآءُ ٱنفَطَرَتْ } [ الانفطار : 1 ] إذ الفتح والتشقق تتقارب . قال ابنُ الخطيب : وهذا ليس بقوي ؛ لأن المفهوم من فتح الباب غير المفهوم من التَّشقُّق والتفطُّر ، فربما تفتح تلك الأبواب مع أنه لا يحصل في جرم السماء تشقق ولا تفطر ، بل الدلائل الصحيحة دلت على أن حصول فتح هذه الأبواب بحصول التفطُّر والتشقُّق بالكلِّية . فإن قيل : قوله تعالى : { وَفُتِحَتِ ٱلسَّمَآءُ فَكَانَتْ أَبْوَاباً } يفيد أنَّ السَّماء بكليتها تصير أبواباً بفعل ذلك . فالجواب من وجوه : أحدها : أنَّ تلك الأبواب لمَّا كثرت جدًّا صارت كأنَّها ليست إلا أبواباً ؛ كقوله تعالى : { وَفَجَّرْنَا ٱلأَرْضَ عُيُوناً } [ القمر : 12 ] أي : صارت كلها عيوناً تتفجَّر . وثانيها : قال الواحديُّ : هذا من باب حذف المضاف ، أي : فكانت ذات أبواب . وثالثها : أنَّ الضمير في قوله تعالى : { فَكَانَتْ أَبْوَاباً } يعود إلى السماء ، والتقدير : فكانت تلك المواضع المفتوحة أبواباً لنزول الملائكة . قوله تعالى : { وَسُيِّرَتِ ٱلْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً } . أي : لا شيء كما أن السراب كذلك يظنه الرائي ماء وليس بماء . وقيل : نُسفَتْ من أصُولِهَا . وقيل : أزيلتْ عن مواضعها . قال ابن الخطيب : إن الله - تعالى - ذكر أحوال الجبال بوجوهٍ مختلفةٍ ، ويمكن الجمع بينها بوجوه ، بأن تقول : أول أحوالها : الاندِكَاكُ ، وهو قول تعالى : { وَحُمِلَتِ ٱلأَرْضُ وَٱلْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً } [ الحاقة : 14 ] . والحالة الثانية : أن تصير كالعهنِ المنفوش ، وهو قوله تعالى : { وَتَكُونُ ٱلْجِبَالُ كَٱلْعِهْنِ ٱلْمَنفُوشِ } [ القارعة : 5 ] . والحالة الثالثة : أن تصير كالهباء ، وهو قوله تعالى : { وَبُسَّتِ ٱلْجِبَالُ بَسّاً فَكَانَتْ هَبَآءً مُّنبَثّاً } [ الواقعة : 5 ، 6 ] . والحالة الرابعة : أن تنسف ؛ لأنها مع الأحوال المتقدمة تارة في مواضعها في الأرض ، فترسل الرياح ، فتنسفها عن وجه الأرض ، فتطيِّرها في الهواء كأنها مارة ، فمن نظر إليها يحسبها لتكاثفها أجساداً جامدة ، وهي في الحقيقة مارة ، إلا أن مرورها بسبب مرور الرياح بها مندكة منتسفة . والحالة الخامسة : أن تصير سراباً ، أي : لأي شيء كما رؤي السراب من بعد .