Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 19-19)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَآءَكُمُ ٱلْفَتْحُ } قال الحسنُ ، ومجاهد ، والسُّدِّي : إنه خطابٌ للكافرين ، وذلك أنَّ أبا جهل قال يوم بدر : اللَّهم ، انصر أفضل الفريقين وأحقَّه بالنَّصْر . وروي أنه قال : اللَّهم ، أينا كان أقطع للرَّحمِ وأفجر ؛ فأهلكه الغداة . وقال السدي : " لمَّا أراد المشركون الخروج إلى بدر تعلَّقُوا بأستار الكعبة وقالوا : اللَّهُمَّ انصر أعلى الجندين وأهدى الفئتين وأكرم الحزبين وأفضل الدينين ، فأنزل الله تعالى : { إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَآءَكُمُ ٱلْفَتْحُ } أي : تستنصروا لإحدى القبيلين ، فقد جاءكم النصر " . وقال آخرون : المعنى : إن تستقضوا فقد جاءكم القضاء . قال عبد الرحمن بن عوف : إني لَفِي الصَّف يوم بدر ، فالتفت ، فإذا عن يميني وعن يساري فتيان حديثا السِّنِّ وكأني لم آمن لمكانهما ، فتمنيت أن أن أكون بين أضلع منهما ، إذ قال لي أحدهما سرًّا من صاحبه ، أي عم أرني أبا جهل ، فقلت : يا ابن أخي ما تصنعُ به ؟ . قال : عاهدت الله إن رأيته أن أقتله ، أو أموت دونه ، وقال لي الآخر سرًّا من صاحبه مثله ، فما سَرَّني أنني بين رجلين مكانهما فأشرت لهما عيله ، فشدَّا عليه مثل الصقرين حتَّى ضرباهُ ، وهما ابنا عفراء . وقال عكرمةُ : قال المشركون : والله ما نعرف ما جاء به فافتح بيننا وبينه بالحق ، فأنزل الله تعالى : { إِن تَسْتَفْتِحُواْ } الآية ، أي : إن تسْتَفتِحُوا فقد جاءكم القضاء . وقال أبيّ بن كعب : هذا خطاب لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله للمسلمين : { إِنْ تَسْتَفْتِحُواْ } أي تستنصروا فقد جاءكم الفتح والنصر . روى قيس عن خباب قال : " شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسّد بردة له في ظل الكعبة ، فقلنا له : ألا تدعو الله لنا ، ألا تستنصر لنا ، فجلس مُحْمرّ الوجه ، فقال لنا : " لقَد كانَ مَنْ قَبْلكُم يُؤخَذُ الرجلُ فيُحْفَر لهُ في الأرضِ ثُمَّ يُجاءُ بالمنشَارِ فيجعلُ فوق رأسِهِ ثُمَّ يُجعَلُ نِصفيْنِ ما يَصْرفهُ عنْ دينهِ ، ويُمَشَّطُ بأمشاطِ الحديدِ ما دُونَ لَحْمِهِ وعَظْمِهِ ما يصرفهُ عن دينهِ ، والله ليُتمَّنَّ الله هذا الأمر حتَّى يسير الرَّاكبُ مِنْكُم من صنعاء إلى حضْرموت لا يخافُ إلا اللَّه ، ولكنَّكُم تَسْتَعْجِلُونَ " " . قال القاضي : وهذا القول أوْلَى ؛ لأن قوله { فَقَدْ جَآءَكُمُ ٱلْفَتْحُ } لا يليق إلا بالمؤمنين اللهم إلاَّ أن يحمل الفتحُ على الحكم والقضاء ، فيمكن أن يراد به الكفار . قوله : { وَإِن تَنتَهُواْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ } . فإن قلنا : إن ذلك الخطاب للكفار ، كان المعنى وإن تنتهوا عن قتال الرَّسول وعداوته ؛ فهو خير لكم في الدّين بالخلاص من العقاب ، وفي الدّنيا بالخلاص من القتل والأسر والنَّهْبِ . " وإن تَعُودُوا " إلى القتال : " نَعُدْ " أي : إلى تسليطه عليكم : { وَلَن تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ } كثرة الجموع كما لم يغن ذلك يوم بدر . وإن قلنا ذلك خطاب للمؤمنين كان المعنى : إن تنتهوا عن المنازعة في أمر الأنفال وتنتهوا عن طلب الفداء على الأسْرَى ، فقد كان وقع بينهم نزاع يوم بدر في هذه الأشياء حتى عاتبهم اللَّهُ بقوله : { لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ ٱللَّهِ سَبَقَ } [ الأنفال : 68 ] . فقال تعالى : { وَإِن تَنتَهُواْ } عن مثله : { فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَعُودُواْ } أنتم إلى تلك المنازعات " نَعُدْ " إلى ترك نصرتكم ؛ لأن الوعد بنصركم مشروط بشرط استمراركم على الطَّاعة ، وترك المخالطة ثمَّ لا تنفعكم الفئة والكثرة ، فإنَّ الله لا يكون إلاَّ مع المؤمنين الذين لا يرتكبون الذنوب . قوله : " ولَن تُغْنِيَ " قرأ الجمهورُ بالتَّاءِ من فوق ، لتأنيث الفئة . وقرىء " ولن يُغْنِيَ " بالياء من تحت لأن تأنيثه مجازي ، وللفصل أيضاً : " ولو كَثُرَتْ " هذه الجملة الامتناعية حالية ، وقد تقدَّم تحقيق ذلك . قوله : { وَأَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُؤْمِنِينََ } قرأ نافعٌ ، وابن عامر ، وحفصٌ عن عاصم ، بالفتح . والباقون : بالكسر ، فالفتحُ من أوجه : أحدها : أنه على لام العلَّة تقديره : ولأنَّ الله مع المؤمنين كان كيت وكيت . والثَّاني : أن التقدير : ولأنَّ اللَّهَ مع المؤمنين امتنع عنادهم . والثالث : أنه خبرُ مبتدأ محذوف أي : والأمر أنَّ الله مع المؤمنين ، وهذا الوجهُ الأخيرُ يقربُ في المعنى من قراءة الكسر لأنه استئناف .