Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 20-23)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } الآية . لمَّا خاطب المؤمنين بقوله : { وَإِن تَنتَهُواْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ } [ الأنفال : 19 ] أتبعه بتأديبهم فقال : { أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ } ولم يبين ماذا يسمعون إلاَّ أنَّ الكلام من أول السورة إلى ههنا لما كان واقعاً في الجهاد علم أن المراد وأنتم تسمعون دعاءه إلى الجهاد . قوله { وَلاَ تَوَلَّوْا } الأصلُ : تتولُّوا فحذف إحدى التَّاءين ، وقد تقدَّم الخلافُ في أيتهما المحذوفة . وقوله : { وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ } جملةٌ حالية ، والضميرُ في " عَنْهُ " يعود على الرَّسول ؛ لأنَّ طاعته من طاعة الله . وقيل : يعودُ على الله ، وهذا كقوله تعالى : { وَٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ } [ التوبة : 62 ] وقيل : يعودُ على الأمر بالطَّاعةِ . قوله { وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ } أي : لا تكونوا كالذين يقولون بألسنتهم إنَّا قبلنا تكاليف الله تعالى : ثمَّ إنَّهم بقلوبهم لا يقبلونها ، وهذه صفة المنافقين . قوله : { إِنَّ شَرَّ ٱلدَّوَابِّ عِندَ ٱللَّهِ ٱلصُّمُّ ٱلْبُكْمُ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ } . قيل : شبَّههم بالدَّواب لجهلهم ، وعدولهم عن الانتفاعِ بما يسمعونه وبما يقولونه ، ولذلك وصفهم بالصُّمِّ والبكم ، وبأنهم لا يعقلون . وقيل : سمَّاهم دواباً لقلة انتفاعهم بعقولهم كما قال : { أُوْلَـٰئِكَ كَٱلأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ } [ الأعراف : 179 ] . قال ابن عبَّاسٍ : هم نفرٌ من عبد الدار بن قصي كانوا يقولون نحن صمٌّ بكم عمي عمَّا جاء به محمَّد ؛ فقتلوا جميعاً بأحدٍ وكانوا أصحاب اللِّواء ، ولم يسلم منهم إلاَّ رجلان : مصعب بن عمير ، وسويد بن حرملة . وقيل : بل هم من الدَّواب ؛ لأنه اسم لما يدبّ على الأرض ولم يذكره في معرض التَّشبيه ، بل وصفهم بصفة تليقُ بهم على طريقة الذَّمِّ ، كما يقال لمن لا يفهم الكلام : هو شبحٌ وجسد وطلل على طريقة الذمّ . وإنمَّا جُمع على جهة الذَّم وهو خبر " شَرّ " لأنه يُراد به الكثرةُ ، فجمع الخبر على المعنى . ولو كان الأصم لكان الإفرادُ على اللَّفظ ، والمعنى على الجمع . قوله : { ٱلَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ } يجوز رفعه أو نصبه على القطع . قوله : { وَلَوْ عَلِمَ ٱللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ } سماع الفهم والقبول ، ولو أسمعهم بعد أن علم أنه لا خير فيهم ما انتفعوا بذلك ، ولتولَّوا وهم معرضون لعناهم وجحودهم الحقَّ بعد ظهوره . وقيل : إنهم كانوا يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم أحي لنا قُصَيًّا فإنَّه كان شيخاً مباركاً حتى نشهد لك بالنُّبوَّة من ربك فقال اللَّهُ - عزَّ وجلَّ - : { وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ } كلام قصيٍّ : { لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ } . فصل اعلم أنَّهُ تعالى حكم عليهم بالتَّولي عن الدلائل ، وبالإعراض عن الحق ، وأنَّهُم لا يعقلونه البتَّة ولا ينتفعون به ألبتَّة ، وإذا كان كذلك وجب أن يكون صدور الإيمان منهم مُحَالاً ؛ لأنَّهُ لو صدر منهم الإيمان ، لكان إمَّا أن يوجد إيمانهم مع بقاء هذا الخبر صدقاً ، أو مع انقلابه كذباً ، والأول محالٌ ؛ لأنَّ وجود الإيمان مع الإخبار عن عدم الإيمان يكون جمعاً بين النَّقيضيْنِ وهو محالٌ ، والثاني محالٌ ؛ لأن انقلاب خبر اللَّهِ الصدق كذباً محالٌ ، لا سيَّمَا في الزَّمانِ المنقضي وهكذا القول في انقلاب علم اللَّه جهلاً ، كما تقدَّم تقريره . فصل قال النُّحاة : كلمة " لو " وضعت للدلالة على انتفاء الشيء لانتفاء غيره . فإذا قلت : لو جئتني لأكرمتك ، أفاد أنَّه ما حصل المجيءُ ، وما حصل الإكرامُ ، ومن الفقهاء مَنْ قال : إنَّه يفيد الاستلزام ، فأمَّا الانتفاء لأجل انتفاء الغير ، فلا يفيده هذا اللَّفْظُ ، ويدل عليه الآية والخبر . أمَّا الآية فهذه وتقريره : أنَّ كلمة " لَوْ " لو أفادت ما ذكروه لكان قوله : { وَلَوْ عَلِمَ ٱللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ } يقتضي أنَّهُ تعالى ما علم خيراً وما أسمعهم ، ثمَّ قال { وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ } فيكون معناه : أنه ما أسمعهم ، وأنهم ما تولَّوا لكن عدم التولي خير من الخيرات ، فأوَّل الكلام يقتضي نفي الخير ، وآخره يقتضي حصول الخير ، وذلك متناقض . فثبت القولُ : بأنَّهُ لو كانت كلمة : " لَوْ " تفيد انتفاء الشَّيء لانتفاء غيره لوجب هذا التناقص ؛ فوجب أن لا يُصار إليه . وأمَّا الخبر فقوله عليه الصلاة والسلام : " نِعْم الرَّجُلُ صُهَيْبٌ لو لمْ يَخَفِ اللَّه لَمْ يَعْصِهِ " فلو كانت لفظه " لَوْ " تفيدُ ما ذكروه لصار المعنى أنَّهُ خاف الله وعصاه ، وذلك متناقض . فثبت أنَّ كلمة " لَوْ " لا تفيد انتفاء الشيء لانتفاء غيره ، وإنَّما تفيدُ مجرد الاستلزام ، وهذا دليل حسن إلاَّ أنَّهُ خلاف قول الجمهور .