Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 24-26)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ } الآية . قال أبو عبيدة ، والزجاج : " استَجِيبُوا " معناه : أجيبوا ؛ وأنشدوا قول الغنوي : [ الطويل ] @ 2690 - … فَلَمْ يَسْتَجِبْهُ عِنْدَ ذاكَ مُجِيبُ @@ وهذه الآية تدلُّ على أنَّ الأمر يفيدُ الوجوب ؛ لأنها تدل على أنه لا بُدَّ من الإجابة في كل ما دعاه الله إليه . فإن قيل : قوله { ٱسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ } أمرٌ . فلم قلتم : إنَّه على الوجوب ؟ وهل النّزاع إلا فيه ، فيرجع حاصل هذا الكلام إلى إثباتِ أنَّ الأمر للوجوب بناء على أنَّ هذا الأمر يفيدُ الوجوب فيقتضي إثبات الشيء بنفسه ، وهو مُحال . فالجواب : أنَّ من المعلوم بالضَّرورة أنَّ كل ما أمر اللَّهُ به فهو مرغب فيه مندوب إليه ، فلو حملنا قوله " اسْتَجِيبوا " على هذا المعنى كان ذلك جارياً مجرى إيضاح الواضحات وهو عبثٌ ، فوجب حمله على فائدة زائدة ، وهي الوجوب صوتاً لهذا النصّ عن التعطيل . ويؤيده ما روى أبو هريرة " أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم مَرَّ على باب أبي بن كعب فناداه وهو في الصَّلاة فعجل في صلاته ثم جاء فقال : " ما منعكَ عَنْ إجابتِي " ؟ فقال : كنتُ أصلِّي ، فقال : " أليس الله يقول : { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ } " فلامه على ترك الإجابة " متمسكاً بهذه الآية . فإن قيل : مسألةُ الأمر - يفيد الوجوب - مسألةٌ قطعيَّةٌ ، فلا يجوز التمسك فيها بخبر الواحد . فالجوابُ : لا نسلم أنَّ مسألة الأمر - يفيدُ الوجوب - مسألة قطعيةٌ ، بل هي ظنيَّةٌ ؛ لأن المقصود منها العمل ، والدلائل الظنية كافية في العمل . فإن قيل : إنَّ الله تعالى ما أمر بالإجابة مطلقاً ، بل بشرط خاص ، وهو قوله : { إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ } فلم قلتم إنَّ هذا الشرط الخاص حاصلٌ في جميع الأوامر ؟ فالجواب : أنَّ قصة أبي تدلُّ على أنَّ هذا الحكم عام ليس مخصصاً بشرط معين ، وأيضاً فلا يمكن حمل الحياة ههنا على نفس الحياة ؛ لأنَّ إحياء الحيِّ محالٌ ؛ فوجب حملُه على شيء آخر وهو الفوز بالثواب ، وكل ما دعا اللَّهُ إليه ورغب فيه مشتمل على الثواب ، فكان هذا الحكم عاماً في جميع الأوامر . فصل في المُرادِ بقوله " لِمَا يُحْييكُم " وجوه : أحدها : قال السُّديُّ : هو الإيمان والإسلامُ وفيه الحياة ، وقال قتادةُ : يعني القرآن فيه الحياة والنَّجاة . وقال مجاهدٌ : هو الحق . وقال ابن إسحاق : الجهادُ أعزكم اللَّهُ فيه بعد الذُّلِّ ، وقال القتيبيُّ : الشَّهادةُ ، قال تعالى : { بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ } [ آل عمران : 169 ] . قوله { وَاعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَقَلْبِهِ } قال الواحديُّ حكاية عن ابن عباس ، والضحاك : يحولُ بين المرءِ الكافرِ وطاعته ، ويحولُ بين المطيع ومعصيته ، فالسَّعيدُ من أسعده اللَّهُ ، والشقيُّ من أضله الله ، والقلوب بيده يقلبها كيف يشاء . وقال السُّديُّ : يحول بين الإنسان وقلبه ، فلا يستطيع أن يؤمن ولا أن يكفر إلا بإذنه . وقال سعيدُ بنُ جبيرٍ ، وعطاءٌ : يحولُ بين المؤمن والكفر وبين الكافر والإيمان . وقيل : إنَّ القوم لمَّا دعوا إلى القتال في حالة الضعف ساءت ظنونهم واختلجت صدورهم ، فقيل لهم : قاتلُوا في سبيل اللَّهِ ، واعلموا أنَّ الله يحُولُ بين المرءِ وقلبه فيبدلُ الله الخوف أمناً ، والجبن جراءة . قوله : " بَيْنَ المَرْءِ " العامَّةُ على فتح الميم . وقرأ ابن أبي إسحاق : بكسرها على إتباعها لحركة الهمزة ، وذلك أن في " المَرْءِ " لغتين : أفصحهما : فَتْح الميم مطلقاً ، والثانية : إتباع الميم لحركة الإعراب فتقول : هذا مُرْءٌ - بضم الميم ، ورأيت مَرْءاً - بفتحها ، ومررت بِمِرْءٍ - بكسرها ، وقرأ الحسن ، والزهري : بفتح الميم وتشديد الرَّاءِ . وتوجيهها : أن يكون نقل حركة الهمزة إلى الرَّاءِ ، ثم ضعَّف الراء ، وأجرى الوصل مُجْرى الوقف . قوله " وأنَّهُ " يجوز أن تكون الهاء ضمير الأمر والشأن ، وأن تعود على الله تعالى ، وهو الأحسن لقوله : " إلَيْهِ تُحْشَرُونَ " أي إلى اللَّهِ ؛ ولا تتركون مهملين . قوله { وَٱتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ } . في " لا " وجهان : أحدهما : أنَّها ناهيةٌ ، وعلى هذا ، فالجملةُ لا يجوزُ أن تكون صفةً لـ " فِتْنَةً " لأنَّ الجملةًَ الطلبية لا تقعُ صفةً ، ويجوز أن تكون محمولة لقول ، ذلك القولُ هو الصِّفة أي : فتنةً مقولاً فيها : لا تُصيبن ، والنَّهيُ في الصورة للمصيبة ، وفي المعنى للمخاطبين ، وهو في المعنى كقولهم : لا أرَيَنَّكَ ههنا ، أي : لا تتعاطوا أسباباً يُصيبكم بسببها مصيبة لا تخص ظالمكم ، ونونُ التوكيد على هذا في محلِّها ، ونظيرُ إضمار القول قوله : [ الرجز ] @ 2691 - جاءُوا بِمَذْقٍ هَلْ رَأيْتَ الذِّئْبَ قَط @@ أي مقول فيها ما رأيت . والثاني : أن " لا " نافية ، والجملةُ صفة لـ " فِتْنَةً " وهذا واضحٌ من هذه الجهة إلاَّ أنَّهُ يشكل عليه توكيد المضارع في غير قسم ، ولا طلب ، ولا شرط ، وفيه خلافٌ : هل يجري المنفيُ بـ " لا " مجرى النَّهي ؟ فقال بعضهم : نعم ؛ واستشهد بقوله : [ الطويل ] @ 2692 - فَلا الجَارةُ الدُّنْيَا بها تَلْحَينَّهَا ولا الضَّيْفُ فيها إن أنَاخَ مُحَوِّلُ @@ وقال الآخر : [ الطويل ] @ 2693 - فَلاَ ذَا نَعِيمٍ يُتْرَكنْ لِنعيمِهِ وإنْ قال قَرِّظْني وخُذْ رِشْوةً أبَى وَلاَ ذَا بئِيسٍ يتركنَّ لِبُؤْسِهِ فَيَنْفَعَهُ شَكُوٌ إليه إن اشْتَكى @@ فإذا جاز أن يُؤكد المنفيُّ بـ " لا " مع انفصاله ، فلأن يؤكَّد المنفيُّ غيرُ المفصول بطريق الأولى إلاَّ أنَّ الجمهور يحملون ذلك على الضرورة . وزعم الفرَّاءُ أنَّ : " لا تُصِيبَنَّ " جواب للأمر نحو : انزلْ عن الدَّابة لا تَطْرَحَنَّكَ ، أي : إن تنزل عنها لا تَطْرَحنك ، ومنه قوله تعالى { لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ } [ النمل : 18 ] أي : إن تدخلوا لا يَحْطِمنَّكُم ، فدخلت النُّونُ لِما فيه من معنى الجزاء . قال أبو حيان . وقوله " لا يحطمنَّكُم " وهذا المثالُ ، ليس نظير { فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الذِينَ } ؛ لأنه ينتظم من المثالِ والآيةِ شرطٌ وجزاءٌ كما قدَّر ، ولا ينتظمُ ذلك هنا ، ألا ترى أنه لا يَصِحُّ تقدير : إن تتقوا فتنة لا تُصِبِ الذين ظلموا ، لأنه يترتَّبُ على الشرط غيرُ مقتضاه من جهة المعنى . قال الزمخشري : " لا تُصِيبَنَّ " لا يخلو إمَّا أن يكون جواباً للأمر ، أو نهياً بعد أمرٍ ، أو صفة لـ " فِتْنَةً " فإن كان جواباً فالمعنى : إن أصابتكُم لا تُصيب الظَّالمين منكم خاصة بل تَعُمُّكُم . قال أبو حيان " وأخذ الزمخشريُّ قول الفرَّاءِ ، وزاده فساداً وخبَّط فيه " فذكر ما نقلته عنه ثم قال : " فانظر إليه كيف قدَّر أن يكون جواباً للأمر الذي هو : " اتَّقُوا " ثمَّ قدَّر أداة الشرطِ داخلةً على غير مضارع " اتقُوا " ؟ فقال المعنى : إن أصابتكُم يعني : الفتنة . وانظر كيف قدَّر الفرَّاءُ ، انزل عن الدَّابَّةِ لا تَطْرَحَنَّكَ ، وفي قوله : { ٱدْخُلُواْ مَسَاكِنَكُمْ لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ } [ النمل : 18 ] فأدخل أداة الشَّرط على مضارع فعل الأمر ، وهكذا يُقدَّر ما كان جواباً للأمر " . وقيل : " لا تُصِيبَنَّ " جوابُ قسمٍ محذوف ، والجملةُ القسميةُ صفةٌ لـ " فِتْنَةً " أي : فتنة واللَّه لا تُصيبنَّ ، ودخولُ النُّون أيضاً قليلٌ ، لأنه منفيٌّ . وقال أبُو البقاءِ " ودخلتِ النُّونُ على المنفي في غير القسم على الشُّذُوذِ " وظاهرُ هذا أنَّهُ إذا كان النَّفي في جواب القسم يَطَّرد دخولُ النُّونِ ، وليس كذلك ، وقيل : إنَّ اللام لامُ التَّوكيد والفعلُ بعدها مثبتٌ ، وإنَّما أشبعتْ فتحةُ اللاَّمِ ؛ فتولَّدت ألفاً ، فدخول النُّون فيها قياسٌ ، وتأثر هذا القائلُ بقراءةِ جماعةٍ كثيرة " لتُصِيبنَّ " وهي قراءة أمير المؤمنين ، وابن مسعود ، وزيد بن ثابت ، والباقر ، والربيع بن أنس ، وأبي العالية ، وابن جماز . وممَّن وجَّه ذلك ابنُ جني ، والعجبُ أنه وجَّه هذه القراءة الشَّاذَّة بتوجيهٍ يَرُدُّهَا إلى قراءةِ العامَّة ، فقال : " يجوز أن تكون قراءةُ ابن مسعود ، ومن ذكر معه مخففةً من " لا " يعني حذفت ألفُ " لا " تخفيفاً واكتفي بالحركة " . قال : " كما قالوا : أم واللَّه ، يريدون : أما واللَّهِ " . قال المهدويُّ " كما حذفت مِنْ " ما " وهي أخت " لا " في نحو : أم والله لأفعلنَّ وشبهه " . قوله " أخت لا " ليس كذلك ؛ لأنَّ " أما " هذه للاستفتاحِ ، كـ " ألاَ " ، وليست من النَّافية في شيءٍ ، فقد تحصَّل من هذا أنَّ ابن جني خرَّج كلاًّ من القراءتين على الأخرى . وهذا لا ينبغي أن يجوز ألبتَّة ، كيف يُورِدُ لفظ نفي ، ويتأوَّل بثبوتٍ وعكسه ؟ وهذا ممَّا يقلب الحقائق ، ويُؤدِّي إلى التَّعمية . وقال المبرِّدُ ، والفرَّاءُ ، والزَّجَّاجُ : في قراءة العامَّة " لا تُصِيبنَّ " الكلام قد تمَّ عند قوله : " فِتْنَةً " وهو خطابٌ عامٌّ للمؤمنين ، ثم ابتدأ نَهْيَ الظلمة خاصةً عن التعرُّض للظُّلم فتصيبهم الفتنةُ خاصة ، والمرادُ هنا : لا يتعرَّض الظَّالم للفتنة فتقع إصابتُها له خاصة . قال الزمخشريُّ في تقدير هذا الوجه : " وإذا كانت نهياً بعد أمرٍ ؛ فكأنه قيل : واحذروا ذنباً أو عقاباً . ثم قيل : لا تتعرَّضُوا للظلم فيصيب العقابُ أو أثر الذَّنب من ظلم منكم خاصة " . وقال عليُّ بن سليمان : هو نَهْيٌ على معنى الدُّعاءِ ، وإنَّما جعله نهياً بمعنى الدُّعاء لأنَّ دخول النون في النفي بـ " لا " عنده لا يجوز ، فيصير المعنى : لا أصابت الفتنة الظالمين خاصة ، واستلزمت الدُّعاء على غير الظَّالمينَ ، فصار التقدير : لا أصابت ظالماً ولا غير ظالم فكأنَّه قيل : واتقوا فتنةً لا أوقعها اللَّهُ بأحدٍ . وقد تحصَّلت في تخريج هذه الكلمة أقوال : النَّهْي بتقديريه ، والدُّعاء بتقديريه ، والجواب للأمر بتقديريه وكونها صفةً بتقدير القول . قوله : " مِنكُمْ " فيه ثلاثةُ أوجهٍ : أظهرها : أنَّها للبيان مطلقاً ، والثاني : أنَّها حالٌ ، فيتعلَّقُ بمحذوف . وجعلها الزمخشريُّ : للتبعيض على تقدير ، وللبيان على تقدير آخر ، فقال " فإن قلت : فما معنى " مِنْ " في قوله : { ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ } ؟ قلت : التبعيضُ على الوجه الأوَّلِ ، والبيان على الثاني ؛ لأنَّ المعنى : لا تصيبنَّكم خاصة على ظلمكم ، لأن الظلم منكم أقبحُ من سائر النَّاسِ " يعني بالأولِ كونه جواباً للأمر ، وبالثاني كونه نهياً بعد أمرٍ ، وفي تخصيصه التبعيض بأحد الوجهين دون الآخر ، وكذا الثاني : نظرٌ ، إذ المعنى يصح بأحد التقديرين مع التَّبعيض والبيان . قوله : " خَاصَّةً " فيه ثلاثة أوجهٍ : أظهرها : أنها حالٌ من الفاعل المستكنِّ في قوله : " لا تُصيبَنَّ " وأصلها أن تكون صفةً لمصدرٍ محذوفٍ ، تقديره : إصابةً خاصة . الثاني : أنَّها حالٌ من المفعولِ وهو الموصولُ ، تقديره : لا تصيبنَّ الظَّالمين خاصة ، بل تعمُّهم ، وتعمُّ غيرهم . الثالث : أنها حالٌ من فاعل " ظَلَمُوا " قاله ابن عطية . قال أبو حيان : " ولا يُعْقَلُ هذا الوجهُ " . قال شهابُ الدِّين : " ولا أدري ما عدمُ تعقُّله ؟ فإنَّ المعنى : واتقُوا فتنةً لا تصيبنَّ الذين ظلموا ، ولا يظلم غيرهم ، بمعنى : أنَّهم اختصوا بالظُّلْمِ ، ولم يشاركهم فيه غيرهم ، فهذه الفتنةُ لا تختصُّ إصابتها لهؤلاء ، بل تصيبهم ، وتُصيبُ مَنْ لَمْ يظلم ألبتَّة ، وهذا معنى واضح " . فإن قيل : إنَّه تعالى خوَّفهم بعذابٍ لو نزل عمَّ المذنب ، وغيره ، وكيف يليقُ بالرحيم الحليمِ أن يوصل العذاب إلى من لم يذنب ؟ فالجوابُ : أنَّهُ تعالى قد ينزل الموت ، والفقر ، والعمى ، والزمانة بعبده ابتداء ، إمَّا لأنَّهُ يحسن منه تعالى ذلك بحكم المالكيَّةِ ، أو لأنَّه تعالى علم اشتمال ذلك على نوع من أنواع الصلاة على اختلاف المذهبين . فصل روي عن الحسن قال : " نزلت في علي ، وعمار ، وطلحة ، والزبير ، وهو يوم الجمل خاصة " . قال الزبير : " نزلت فينا وقرأناها زماناً وما ظننَّا أنَّا أهلُها فإذا نحن المعنيُّون بها " . وعن السدي " نزلت في أهل بدر واقتتلوا يوم الجمل " . روي : " أنَّ الزُّبير كان يُسامرُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يوماً إذْ أقبل عليٌّ - رضي الله عنه - فضحك الزبير ، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : كيف حبك لعليٍّ ؟ فقال : يا رسول الله أحبُّه كحُبِّي لولدي أو أشد . فقال : كيف أنت إذا سرت تقاتله ؟ وقال ابنُ عباسٍ : " أمر اللَّهُ المؤمنين ألاَّ يُقرُّوا المُنكرَ بين أظهرهم فيعمهم اللَّهُ بعذابٍ يصيب الظَّالم وغير الظَّالم " وقال عليه الصَّلاة والسَّلام : " إنَّ الله لا يُعذب العامَّة بعملِ الخاصَّةِ حتَّى يروا المُنكر بيْنَ ظهرانيهِم ، وهُمْ قادِرُونَ على أن يُنكِروه فلا يُنكِرُوه فإذا فعلُوا ذلك عذَّب اللَّهُ العامَّة والخَاصَّة " وقال ابنُ زيد : " أراد بالفتنة افتراق الكلمة ، ومخالفة بعضهم بعضاً " . روي أبو هريرة - رضي الله عنه - قال : " قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : " تكونُ فِتَنٌ القَاعِدُ فيها خيرٌ من القائمِ ، والقائمُ فيها خيرٌ من المَاشِي ، والماشي فيها خيرٌ من السَّاعِي ، من تَشرَّفَ لَهَا تَسْتَشْرِقُهُ فَمنْ وجد مَلْجَأ أو معاذاً فليَعُذْ بِهِ " " . ثم قال : { واعلموا أنَّ الله شديد العقاب } والمراد منه الحث على لزوم الاستقامة . قوله تعالى : { وَٱذْكُرُوۤاْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ } الآية . في " إذْ " ثلاثة أوجهٍ ، أوضحها ، أنَّهُ ظرفٌ ناصبه محذوفٌ ، تقديره : واذكروا حالكم الثَّابتة في وقت قلَّتكم ، قاله ابنُ عطيَّة . والثاني : أنَّهُ مفعول به . قال الزمخشريُّ : " نصب على أنَّهُ مفعولٌ به مذكور لا ظرفٌ ، أي : اذكروا وقت كونكم أقلةً أذلةً " وفيه نظرٌ ؛ لأنَّ " إذْ " لا يتصرَّف فيها إلاَّ بما تقدَّم ذكره ، وليس هذا منه . الثالث : أن يكون ظرفاً لـ " اذْكُرُوا " قاله الحوفيُّ ، وهو فاسدٌ ؛ لأنَّ العامل مستقبلٌ ، والظَّرفُ ماضٍ فكيف يتلاقيان . قوله " تخافُون " فيه ثلاثةُ أوجهٍ : أظهرها : أنه خبرٌ ثالثٌ . والثاني : أنَّهُ صفة لـ " قَلِيلٌ " وقد بُدِىء بالوصف بالمفرد ، ثم بالجملة . الثالث : أن يكون حالاً من الضَّمير المستتر في " مُسْتَضعفُونَ " . فصل المعنى : واذكروا يا معشر المهاجرين : { إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ } في العدد : { مُّسْتَضْعَفُونَ فِي ٱلأَرْضِ } أي : أرض مكَّة في ابتداء الإسلام : { تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ ٱلنَّاسُ } تذهب بكم النَّاس يعني كفار مكَّة . وقال عكرمةُ " كفَّار العرب لقربهم منهم وشدة عداوتهم لهم " . وقال وهبٌ : " فارس والرُّوم " " فآواكُمْ " إلى المدينة " وأيَّدكُم بنصره " أي : قوَّاكُم يوم بدر بالأنصار . وقال الكلبيُّ : " قوَّاك يوم بدر بالملائكة " { وَرَزَقَكُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ } يعني الغنائم أحلَّها لكم ولم يحلها لأحد قبلكم . ثم قال : " لعلَّكُم تشكُرُونَ " أي : نقلناكم من الشِّدَّة إلى الرَّخاءِ ، ومن البلاءِ إلى النَّعماء حتى تشتغلُوا بالشكر والطاعة ، وتتركوا المنازعة والمخاصمة بسبب الأنفال .