Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 27-28)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ } الآية . لمَّا ذكر أنَّه رزقهم من الطَّيبات ، فههنا منعهم من الخيانةِ ، واختلفوا في تلك الخيانةِ . فقال ابنُ عبَّاسٍ : نزلت في أبي لبابة حين بعثه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى قريظة لمَّا حاصرهم وكان أهله وولده فيهم ، فقالوا : ما ترى لنا ، أننزل على حكم سعد بن معاذ فينا ؟ فأشار أبو لبابة إلى حلقه ، إنَّه الذبح فلا تفعلوا ، فكان منه خيانة لله ورسوله . وقال السديُّ " كانُوا يسمعون الشيء من النبي صلى الله عليه وسلم فيفشونه ويبلغونه إلى المشركين فنهاهم الله عز وجل عن ذلك " . وقال ابن زيد : " نَهاهُم الله أن يخُونُوا كما صنع المنافقون يظهرون الإيمان ، ويسرون الكُفْرَ " . وقال جابرُ بن عبد الله : " إنَّ أبا سفيان خرج من مكَّة فعلم النبي صلى الله عليه وسلم خروجه ، وعزم على الذهاب إليه ، فكتب رجلٌ من المنافقين إليه أنَّ محمداً يريدكم ، فخذوا حذركم فنزلت الآية " . وقال الكلبيُّ والأصمُ والزهريُّ " نزلت في حاطب بن أبي بلتعة حين كتب إلى أهل مكَّة لمَّا همَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بالخروج إليها " . فصل قال أبو العباس المقرىء : ورد لفظ " الخيانة " في القرآن بإزاء خمسة معانٍ : الأول : أنَّ المراد بالخيانة : الذَّنب في الإسلام ، كهذه الآية ، لمَّا نزلت في أبي لبابة . الثاني : الخيانة : السرقة ، قال تعالى : { وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً } [ النساء : 105 ] نزلت في طعمة ، لمَّا سرق الدرعين . الثالث : نقض العهد ، قال تعالى : { وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً } [ الأنفال : 58 ] . الرابع : الخيانة : المخالفة ، قال تعالى : { فَخَانَتَاهُمَآ } أي : خالفتاهما في الدين ؛ لأنه يروى أنه ما زنت امرأةٌ نبي قط . الخامس : الخيانة : الزِّنا ، قال تعالى : { وَأَنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ ٱلْخَائِنِينَ } [ يوسف : 52 ] يعني : الزنا . فصل قال القاضي : " الأقربُ : أنَّ خيانة الله غير خيانة رسوله ، وخيانة الرَّسُولِ غير خيانة الأمانة ؛ لأنَّ العطف يقتضي المغايرة " . وإذا عرف ذلك فنقول : إنَّه تعالى أمرهم أن لا يخونوا الغنائم ، وجعل ذلك خيانة للَّه ؛ لأنَّهُ خيانة لعطيته وخيانة لرسوله ؛ لأنه القيم بقسمها ، فمن خانها فقد خان الرَّسُول ، وهذه الغنيمة قد جعلها الله أمانة في أيدي الغانمين ، وألزمهم أن لا يتناولوا لأنفسهم منها شيئاً فصارت وديعة . والوديعة أمانةٌ في يد المودع ، فمن خان منهم فيها فقد خان أمانة النَّاس . إذ الخيانةُ ضد الأمانة . قال : ويحتمل أن يريد بالإمانة كل ما تعبد به ، وعلى هذا التقدير : فيدخل فيه الغنيمة وغيرها ، فكان معنى الآية : إيجاب أداء التكاليف تامة كاملة . قال ابن عباس : " لا تخونوا الله بترك فرائضه ، والرسول بترك سنته " " وتخُونُوا أماناتِكُم " . قال ابن عباس : " هي ما يخفى عن أعين النَّاس من فرائض الله تعالى " والأعمال التي ائتمن الله عليها العباد المذكورة في سبب النُّزول داخلة فيها ، لكن لا يجب قصر الآية عليها لأنَّ العبرةَ بعموم اللَّفظ لا بخصوص السَّببِ . قال الزمخشريُّ " ومعنى الخون النقص ، كما أن معنى الوفاء التَّمام ، ومنه تخوَّنه إذا تنقصه ثم استعمل في ضد الأمانة ؛ لأنك إذا خُنتَ الرَّجُلَ في شيءٍ ، فقد أدخلت النُّقصان فيه " . قوله : " وتَخُونُوا " يجوزُ فيه أن يكون منصوباً بإضمارِ " أنْ " على جواب النَّهي ، أي : لا تجمعوا بين الخيانتين . كقوله : [ الكامل ] @ 2694 - لا تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وتأتِيَ مِثلَهُ عَارٌ علَيْكَ إذَا فَعَلْتَ عَظِيمُ @@ والثاني : أن يكون مجزوماً نسقاً على الأوَّل ، وهذا الثاني أولى ؛ لأن فيه النهي عن كلِّ واحدٍ على حدته بخلاف ما قبله فإنَّه نهيٌ عن الجمع بينهما ، ولا يلزمُ من النهي عن الجمع بين الشيئين النهيُ عن كلٍّ واحدٍ على حدته ، وقد تقدَّم تحريره في قوله : { وَتَكْتُمُواْ ٱلْحَقَّ } [ البقرة : 42 ] أول البقرة . و " أماناتكم " على حذف مضاف ، أي : أصحاب أماناتكم ، ويجوزُ أن يكونوا نهوا عن خيانة الأماناتِ مبالغةً كأنَّها جعلت مخونةً . وقرأ مجاهدٌ ورويت عن أبي عمرو " أمَانتكُم " بالتَّوحيد ، والمراد الجمع . وقوله : " وأنتُمْ تَعْلَمُونَ " جملة حالية ، ومتعلَّقُ العلم يجوزُ أن يكون مراداً أي : وأنتم تعلمون قُبْحَ ذلك أو أنكم مؤاخذون بها ، ويجوزُ ألاَّ يُقَدَّر ، أي : وأنتم من ذوي العلمِ . والعلمُ يحتمل أن يكون على بابه ، وأن يكون بمعنى العرفان . قوله : { وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ } . لمَّا كان الدَّاعي إلى الإقدام على الخيانةِ هو حب الأموالِ ، والأولاد ، نبَّه تعالى على أنه يجبُ على العاقل أن يحترز عن المضار المتولدة من ذلك . فقال : { أَنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ } لأنَّها تشغل القلب بالدُّنيا . ثم قال : { وَأَنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ } أي : أنَّ سعادة الآخرة خيرٌ من سعاداتِ الدُّنيا ، لأنَّ سعادات الآخرة لا نهاية لها ، وسعادات الدنيا تفنى وتنقضي .