Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 82, Ayat: 9-12)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { كَلاَّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بِٱلدِّينِ } . العامة : على " تكذبون " خطاباً ، والحسنُ وأبو جعفر وشيبة : بياء الغيبة . قال ابن الخطيب : لما بين بالدلائل العقلية صحة القول بالبعث ، والنشور على الجملة فرع عليها شرح تفاصيل الأحوال المتعلقة بذلك ، وهي أنواع : الأول : أنه - تعالى - زجرهم عن ذلك الاغترار بقوله " كلا " ، و " بل " : حرف وضع في اللغة لنفي شيء قد تقدَّم تحقيق غيره ، فلا جرم ذكروا في تفسير " كلاًّ " وجوهاً : الأول : قال القاضي : معناه أنكم لا تستقيمون على توجيه نعمي عليكم ، وإرشادي لكم ، بل تكذبون بيوم الدين . الثاني : " كَلاَّ " ردعٌ ، أي : ارتدعوا عن الاغترار بكرم الله تعالى ، كأنه قال : وإنهم لا يرتعدون عن ذلك ، بل يكذِّبون بالدين . الثالث : قال القفال : أي : ليس الأمر كما تقولون من أنه لا بعث ، ولا نشور ؛ لأن ذلك يوجب أن الله - تعالى - خلق الخلق عبثاً , وحاشاه من ذلك ، ثم كأنه قال : إنهم لا ينتفعون بهذا البيان ، بل يكذبون بالدين . وقل الفراء : ليس كما غررت به ، والمراد بالدين : الجزاء على الدين والإسلام . وقيل : المراد من الدين : الحساب ، أي : تكذِّبون بيوم الحساب . النوع الثاني : قوله { وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ } : يجوز أن تكون الجملة حالاً من فاعل " تكذِّبون " ، والحالة هذه ، ويجوز أن تكون مستأنفة أخبرهم بذلك لينزجروا والمراد بالحافظين : الرُّقباءُ من الملائكة يحفظون عليكم أعمالكم . " كراماً " على الله " كاتبين " يكتبون أقوالكم وأعمالكم . قال ابنُ الخطيب : والمعنى : التعجب من حالهم ، كأنَّه - تعالى - قال : إنكم تكذِّبون بيوم الدين وهو يوم الحساب والجزاء ، وملائكة الله - تعالى - موكَّلون بكم ، يكتبون أعمالكم حتى تحاسبوا بها يوم القيامة ، ونظيره : قوله تعالى : { عَنِ ٱلْيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ قَعِيدٌ مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } [ ق : 17 ، 18 ] وقوله تعالى : { وَهُوَ ٱلْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً } [ الأنعام : 61 ] . فصل في الرد على من طعن في حضور الكرام الكاتبين قال ابن الخطيب : من الناس من طعن في حضور الكرام الكاتبين من وجوه : الأول : لو كان الحفظة ، وصحفهم وأقلامهم معنا ، ونحن لا نراهم لجاز أن يكون بحضرتنا جبال ، وأشخاص لا نراهم ، وذلك دخول في الجهالات . والثاني : هذه الكتابة ، والضبط إن كان لا لفائدةٍ فهو عبثٌ ، وهو غير جائزٍ على الله تعالى ، وإن كان لفائدةٍ ، فلا بد وأن تكون للعبد ؛ لأن الله - سبحانه وتعالى - متعالٍ عن النفع والضر ، وعن تطرق النسيان إليه ، وغاية ذلك أنَّه حُجَّة على الناس وتشديد عليهم لإقامة الحُجَّة ، ولكن هذا ضعيف ؛ لأنَّ من علم أنَّ الله تعالى لا يجور ، ولا يظلم ، لا يحتاج في حقه إلى إثبات هذه الحجة ، والذي لا يعلم لا ينتفع بهذه الحجة ، لاحتمال أنَّه تعالى أمرهم بذلك ظلماً . الثالث : أنَّ أفعال القلوب غير مرئية ، فهي من باب المغيبات ، والله - تعالى - مختص بعلم الغيب ، فلا تكتبوها ، والآية تقتضي ذلك . والجواب عن الأول : أنَّ البنية عندنا ليست شرطاً في قبول الحياة ؛ ولأن عند سلامة الأعضاء ، وحصول جميع الشرائط لا يجب الإدراك ، فيجوز على الأوَّل : أن يكونوا أجراماً لطيفة ، تتمزق ، وتبقى حياتها ذلك ، وعلى الثاني : يجوز أن يكونوا أجراماً كثيفة ، ونحن لا نراهم . وعن الثاني : أن الله - تعالى - أجرى أموره على عباده على ما يتعارفونه في الدنيا فيما بينهم ؛ لأن ذلك أبلغ في تقرير المعنى عندهم في إخراج كتاب ، وشهود في إلزام الحجة ، كما يشهد العدول عند الحاكم على القضاة . وعن الثالث : أن ذلك مخصوص بأفعال الجوارح ، فهو عام مخصوص ، وفي مدح الحفظة ، ووصفهم بهذه الصفات تعظيم لأمر الجزاء ، وأنَّه من جلائل الأمور . فصل في عموم الخطاب هذا الخطاب وإن كان خطاب مشافهة إلاَّ أنَّ الأمَّة أجمعت على عموم هذا الحكم في حقِّ المكلَّفين . وقوله تعالى : { لَحَافِظِينَ } : جمع يحتملُ أن يكونوا حافظين لجميع بني آدم ، من غير أن يختص واحد من الملائكة بواحد من بني آدم ، ويحتمل أن يكون الموكَّل بكل واحد منهم جمعاً من الملائكة ، كما قيل : اثنان بالليل ، واثنان بالنهار ، أو كما قيل : إنهم خمسة . فصل في أن الكفَّار ، هل عليهم حفظة ؟ . اختلفوا في الكفَّار , هل عليهم حفظة ؟ . فقيل : لا ؛ لأن أمرهم ظاهر وعلمهم واحد ، قال تعالى : { يُعْرَفُ ٱلْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ } [ الرحمن : 41 ] . وقيل : بل عليهم حفظة لقوله تعالى : { بَلْ تُكَذِّبُونَ بِٱلدِّينِ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ } ، وأمَّا من أوتي كتابه بشماله ، ومن أوتي كتابه وراء ظهره ، فأخبر أنَّ لهم كتاباً وعليهم حفظة . فإن قيل : أي شيء يكتب الذي عن يمينه ، ولا حسنة له ؟ . فالجواب : أنَّ الذي عن شماله يكتب بإذن صاحبه ، ويكون صاحبه شاهداً على ذلك ، وإن لم يكتب . فصل في معرفة الملائكة هَمَّ الإنسان سُئِلَ سفيان : كيف تعرف الملائكة أنَّ العبد همَّ بمعصية ، أو بحسنة ؟ قال : إذا همَّ العبد بحسنة وجد منه ريح المسك ، وإن همَّ بسيئة وجد منه ريح منتن . فصل في أن الشاهد لا يشهد إلا بعد العلم دلت هذه الآية على أنَّ الشاهد لا يشهد إلاَّ بعد العلم ، لوصف الملائكة بكونهم حافظين كراماً كاتبين ، يعلمون ما تفعلون ، فدلَّ على أنهم يكونون عالمين بها حتى أنَّهم يكتبونها ، فإذا كتبوها يكونون عالمين عند أداء الشهادة . قال الحسن : لا يخفى عليهم شيء من أعمالكم . وقيل : يعلمون ما ظهر منكم دون ما حدثتم به أنفسكم .