Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 85, Ayat: 10-16)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ فَتَنُواْ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ } : لما ذكر قصة أصحاب الأخدود ، أتبعها بما يتفرع من أحكام الثواب والعقاب ، فقال تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ فَتَنُواْ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ } أي : حرقوهم بالنار ، والعرب يقولون : فتن فلان الدرهم والدينار إذا أدخله الكور لينظر جودته ، ودينار مفتون ، ويسمى الصائغ : فتّان ، وكذلك الشيطان ، وورق فتين ، أي : فضة محرقة ، ويقال للحرة : فتين , وهي الأرض التي تركبها حجارة سوداء ، كأنما أحرقت حجارتها بالنار لسوادها . وقال ابن الخطيب : يحتمل أن يكون المراد بالذين فتنوا : كل من فعل ذلك ؛ لأن اللفظ والحكم عام . وقوله تعالى : { ثُمَّ لَمْ يَتُوبُواْ } أي : من قبيح صنيعهم ، وهذا يدل على أنهم لو تابوا لخرجوا من هذا الوعيد ، وذلك يدلّ على القطع بأن الله يقبل التوبة ، فدلَّ على أن توبة القاتل عمداً مقبولة . قوله : { فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ } . هو خبر " إنَّ الذينَ " دخلت الفاء لما تضمنه المبتدأ من معنى الشرط ، ولا يضر نسخه بـ " إن " خرفاً للأخفش . وارتفاع " عذاب " يجوز على الفاعلية بالجار قبله لوقوعه خبراً ، وهو الأحسن ، وأن يرتفع بالابتداء ، والمعنى : لهم عذاب جهنَّم لكفرهم . وقيل : ولهم عذاب الحريق أي : ولهم في الآخرة عذابُ الحريق ، والحريق : اسم من أسماء جهنم كالسعير ، والنَّار دركات وأنواع ، ولها أسماء ، وكانوا يعذبون بالزَّمهرير في جهنم ، ثم يعذبون بعذاب الحريق . والأول : عذاب ببردها . والثاني : عذاب بحرِّها . قوله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } . أي : هؤلاء الذين آمنوا بالله ، أي : صدقوا به وبرسوله { وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ } أي : بساتين . { تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } لما ذكر تعالى وعيد المجرمين ، ذكر وعد المؤمنين ، { ذَلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْكَبِيرُ } أي : العظيم الذي لا فوز يشبهه ، وقال : " ذلِكَ الفوزُ " ولم يقل : تلك ؛ لأن ذلك إشارة إلى إخبار الله تعالى بحضور الجنات ، وتلك إشارة إلى الجنَّة الواحدة ، وإخبار الله - تعالى - يدل على كونه راضياً . والفوز الكبير : هو رضا الله تعالى ، لا دخول الجنة . قوله : { إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ } ؛ أي : أخذه الجبابرة والظلمة ، كقوله تعالى : { وَكَذٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ ٱلْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ } [ هود : 102 ] . وقال المبرد : { إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ } جواب القسم وقد تقدم ذلك . والبطش : هو الأخذ بعنف ، فإذا وصف بالشدة ، فقد تضاعف . قوله : { إِنَّهُ هُوَ يُبْدِىءُ وَيُعِيدُ } ، يعني : الخلق عند أكثر العلماء يخلقهم ابتداء ، ثم يعيدهم عند البعث ، وروى عكرمةُ ، قال : عجب الكفَّار من إحيائه تعالى الأموات . وقال ابن عباس - رضي الله عنه - يبدئ لهم عذاب الحريق في الدنيا ، ثم يعيده عليهم في الآخرة ، وهذا اختيار الطبري . قوله : { وَهُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلْوَدُودُ } : " الغَفُور " : أي : الستور لعباده المؤمنين ، والودود : مبالغة في الوداد . قال ابن عباسٍ : هو المتودّد لعباده المؤمنين بالمغفرة . وعن المبرد ، هو الذي لا ولد له ، وأنشد : [ المتقارب ] @ 5157 - وأركَبُ في الرَّوعِ عُريانَةً ذَلُولَ الجَناحِ لَقَاحاً ودُودَا @@ أي : لا ولد لها تحنّ إليه . وقيل : هو " فعول " بمعنى : " مفعول " ، كالرَّكُوب والحلُوب أي : يوده عباده الصالحون . قوله : { ذُو ٱلْعَرْشِ ٱلْمَجِيدُ } قرأ الكوفيون إلاَّ عاصماً : " المجيد " بالجر . فقيل : نعت للعرش . وقيل : لـ " ربك " في قوله : { إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ } ، قاله مكيٌّ . وقيل : لا يجوز أن يكون نعتاً للعرش ؛ لأنه من صفات الله تعالى . وقرأ الباقون : بالرفع ، على أنه خبر بعد خبر . وقيل : هو نعت لـ " ذو " ، واستدلَّ بعضهم على تعدد الخبر بهذه الآية ، ومن منع قال : لأنها في معنى واحد ، أي : جامع بين هذه الأوصاف الشريفة ، أو كل منها خبر لمبتدأ مضمر . والمجيد : هو النهاية في الكرم والفضل ، والله - تبارك وتعالى - هو المنعوت بذلك ، وإن كان قد وصف عرشه بالكريم في آخر المؤمنين . ومعنى " ذو العرش " أي : ذو الملك والسلطان ، كما يقال : فلان على سرير ملكه وإن لم يكن على سرير ، ويقال : بلي عرشه ، أي : ذهب سلطانه . قوله : { فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ } أي : لا يمتنع عليه شيء يريده . قال الزمخشريُّ : " فعالٌ " خبر مبتدأ محذوف ، وإنما قيل : " فعال " ؛ لأن ما يريد ويفعل في غاية الكثرة . وقال الفراء : هو رفع على التكرير والاستئناف ؛ لأنه نكرة محضة على وجه الإتباع لإعراب الغفور الودود . وعن أبي السفر قال : دخل ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على أبي بكر - رضي الله عنه - يعودونه ، فقالوا : ألا نأتيك بطبيبٍ ؟ قال رضي الله عنه : قد رآنِي ، قالوا : فَمَا قَال لَك ؟ قال : قال : إنِّي فعَّالٌ لما أريدُ . فصل في أن الآية دلت على خلق الأفعال دلَّت هذه الآية على خلق الأفعال ؛ لأنه تعالى يريد الإيمان ، فوجب أن يكون فاعلاً للإيمان ، وإذا كان فاعلاً للإيمان وجب أن يكون فاعلاً للكفر ضرورة ؛ لأنه لا قائل بالفرق . فصل في تفسير الآية قال القفال : " فعَّالٌ لما يُرِيدُ " أي : يفعل ما يريد على ما يراه ، لا يعترض عليه ولا يغلبه غالب ، فيدخل أولياءه الجنة ، لا يمنعه مانع ، ويدخل أعداءه النار ، لا ينصرهم منه ناصر ، ويمهمل العصاة على ما يشاء إلى أن يجازيهم ، ويعاجل بعضهم بالعقوبة إذا شاء ، فهو يفعل ما يريد .