Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 87, Ayat: 9-15)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ ٱلذِّكْرَىٰ } . أي : فعظ قومك يا محمد بالقرآن { إِن نَّفَعَتِ ٱلذِّكْرَىٰ } أي : الموعظة ، و " إن " شرطية ، وفيه استبعاد لتذكرهم ؛ ومنه قوله : [ الوافر ] @ 5180 - لَقدْ أسْمعْتَ لوْ نَاديْتَ حَيًّا ولكِنْ لا حَياةَ لِمَنْ تُنَادِي @@ وقيل : " إن " بمعنى : " إذا " كقوله : { وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ } [ آل عمران : 139 ] أي : إذا كنتم مؤمنين . وقيل : هي بمعنى : " قد " ذكره ابن خالويه , وهو بعيد . وقيل : بعده شيء محذوف ، تقديره : إن نفعت الذكرى ، وإن لم تنفع ، كقوله : { سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ ٱلْحَرَّ } [ النحل : 81 ] ، قاله الفراء والنحاس والجرجاني والزهراوي . وقيل : إنه مخصوصٌ في قوم بأعيانهم . وقيل : " إن " بمعنى : " ما " أي : فذكر ما نفعت الذِّكرى ، فتكون " إن " بمعنى : " ما " لا بمعنى : الشرط ؛ لأن الذكرى نافعة بكل حال . قاله ابن شجرة . فصل في فائدة هذا الشرط قال ابنُ الخطيب : إنه صلى الله كان مبعوثاً إلى الكل ، فيجب عليه تذكيرهم سواء إن نفعت الذكرى ، أو لم تنفعهم ، فما فائدة هذا الشرط ، وهو قوله : { إِن نَّفَعَتِ ٱلذِّكْرَىٰ } والجواب من وجوه : إمَّا أن يكون المراد : التنبيه على أشرف الحالين ، وهو وجود النفع الذي لأجله شرعت الذكرى ، قال : والمعلق بـ " إن " على الشيء لا يلزمُ أن يكون عدماً عند عدم ذلك الشيء ، ويدل عليه آيات منها هذه الآية ، ومنها قوله تعالى : { وَٱشْكُرُواْ للَّهِ إِن كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ } [ البقرة : 172 ] ، ومنها قوله تعالى : { فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ } [ النساء : 101 ] ، فإن القصر جائز عند الخوف وعدمه ، ومنها قوله تعالى : { فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَآ أَن يَتَرَاجَعَآ إِن ظَنَّآ أَن يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ } [ البقرة : 230 ] ، والمراجعة جائزة بدون هذا الظنِّ ، وإن كان كذلك ، فهذا الشرط فيه فوائد منها ما تقدم ، ومنها : تعقل ، وهو تنبيه للنبي صلى الله عليه وسلم على أنهم لا تنفعهم الذكرى ، أو يكون هذا في تكرير الدعوة ، فأما الدعاء الأول فعام . فإن قيل : الله - تعالى - عالم بعواقب الأمور بمن يؤمن ، ومن لا يؤمن ، والتعليق بالشرط ، إنما يحسن في حق من ليس بعالم . فالجواب : أن أمر البعثة والدعوة شيء ، وعلمه تعالى بالمغيبات ، وعواقب الأمور غيره ، ولا يمكن بناء أحدهما على الآخر ، كقوله تعالى لموسى وهارون - عليهما الصلاة والسلام - : { فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ } [ طه : 44 ] ، وهو تعالى عالم بأنه لا يتذكر ولا يخشى . فإن قيل : التذكير المأمور به ، هل هو مضبوط بعدد أو لا ؟ وكيف يكون الخروج عن عهدة التذكير ؟ . والجواب أن المعتبر في التذكير والتكرير هو العرف . قوله : { سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَىٰ } ، أي : يتّقي الله ويخافه . قال ابن عباس - رضي الله عنهما - نزلت في ابن أم مكتوم . وقيل : في عثمان بن عفان قال الماوردي : وقد يذكره من يرجوه إلا أنَّ تذكرة الخاشي أبلغ من تذكرة الراجي ؛ فلذلك علقها بالخشية والرجاء قيل المعنى : عَمِّمْ أنْتَ التذكير والوعظ وإن كان الوعظ إنما ينفع من يخشى ، ولكن يحصل لك ثواب الدعاء . حكاه القشيري ، ولذلك علقها بالخشية دون الرجاء ، وإن تعلَّقت بالخشية والرجاء . فإن قيل : التذكير إنما يكون بشيء قد علم ، وهؤلاء لم يزالوا كفاراً معاندين ؟ . فالجواب : أن ذلك لظهوره وقوة دليله ، كأنه معلوم ، لكنه يزول بسبب التقليد والعناد ، فلذلك سمي بالتذكير ، والسين في قوله : " سيذكر " يحتمل أن تكون بمعنى : " سوف " ، و " سوف " من الله تعالى واجب ، كقوله تعالى : { سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَىٰ } [ الأعلى : 6 ] ، ويحتمل أن يكون المعنى : أن من خشي ، فإنه يتذكر وإن كان بعد حين بما يستعمله من التذكير والنَّظر . قوله : { وَيَتَجَنَّبُهَا } أي : الذِّكرى ، يبعد عنها الأشقى ، أي : الشقي في علم الله تعالى ، لمَّّا بيَّن من ينتفع بالذكرى بيَّن بعده من لا ينتفع بها وهو الكافر الأشقى . قيل : نزلت في الوليد بن المغيرة وعتبة بن ربيعة . { ٱلَّذِى يَصْلَى ٱلنَّارَ ٱلْكُبْرَىٰ } أي : العظمى ، وهي السفلى من طباق النَّار ، قاله الفراء . وعن الحسن : " الكُبْرَى " : نَارُ جهنَّم ، واالصُّغرى : نارُ الدُّنْيَا . وقيل : في الاخرة نيران ودركات متفاضلة ، كما في الدنيا ذُنُوبٌ ومعاصي متفاضلة ، فكما أنَّ الكافر أشقى العصاة ، فكذلك يصلى أعظم النيران . فإن قيل : لفظ الأشقى لا يستدعي وجود الشقي فكيف حال هذا القسم ؟ . فالجواب ان لفظ " الأشقى " لا يستدعي وجود الشقي إذ قد يرد هذا اللفظ من غير مشاركة ، كقوله : { أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً } [ الفرقان : 24 ] ، " ويتَجنَّبُهَا الأشْقَى " ، كقوله : { وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ } [ الروم : 27 ] . وقال ابن الخطيب : الفرق ثلاث : العارف ، والمتوقف ، والمعاند ، فالسعيد : هوالعارف ، والمتوقف له بعض الشقاء ، والأشقى : هو المعاند . قوله : { ثُمَّ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَا } ؛ لا يموت فيستريح ، ولا يحيى حياة تنفعه ، كقوله تعالى : { لاَ يُقْضَىٰ عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُواْ وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِّنْ عَذَابِهَا } [ فاطر : 36 ] . فإن قيل : هذه الآية تقتضي أن ثمَّة حالة غير الحياة والموت ، وذلك غير معقول ؟ . فالجواب : قال بعضهم : هذا كقول العرب للمبتلى بالبلاء الشديد : لا هو حي ، ولا هو ميت . وقيل : إن نفس أحدهم في النار تمرُّ في حلقه ، فلا تخرج للموت ، ولا ترجع إلى موضعها من الجسم ، فيحيى . وقيل : حياتهم كحياة المذبوح وحركته قبل مفارقة الروح ، فلا هو حي ؛ لأن الروح لم تفارقه بعد ، ولا هو ميت ؛ لأن الميت هو الذي تفارق روحه جسده . و " ثمّ " للتراخي بين الرتب في الشدة . قوله : { قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ } أي : صادف البقاء في الجنة ، أي : من تطهَّر من الشِّركِ بالإيمان قاله ابن عباسٍ وعطاءٌ وعكرمةُ . وقال الربيعُ والحسنُ : من كان عمله زاكياً نامياً وهو قول الزجاج . وقال قتادةُ : " تزكَّى " ، أي : عمل صالحاً . وعن عطاءٍ ، وأبي العالية : نزلت في صدقة الفطر . قال ابن سيرين : { قد أفلح من تزكَّى ، وذكر اسم ربه فصلَّى } قال : خرج فصلَّى بعد ما أدى . والأول أظهر ؛ لأن اللفظ المعتاد أن " يقال " في المال : زكَّى ، ولا يقال : تزكَّى ، قال تعالى : { وَمَن تَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا يَتَزَكَّىٰ لِنَفْسِهِ } [ فاطر : 18 ] . وقال أبو الأحوصِ وعطاءٌ : المراد بالآية ؛ زكاة الأموال كلها . قال بعضهم : لا أدري ما وجه هذا التأويل ؛ لأن هذه السورة مكية ، ولم يكن بـ " مكة " عيد ، ولا زكاة فطر . قال البغويُّ : يجوز أن يكون النزول سابقاً على الحكم ، كقوله تعالى : { وَأَنتَ حِلٌّ بِهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ } [ البلد : 2 ] ، والسورة مكية ، وظهر أثر الحل يوم الفتح ، قال صلى الله عليه وسلم : " أحِلَّتْ لِي ساعةً مِنْ نَهارٍ " . وقيل : هذا في زكاة الأعمال ، لا زكاة الأموال ، أي : زكى أعماله من الرياء [ والتقصير ] وروى جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " قَدْ افْلحَ مَنْ تَزَكَّى ؛ أي : شهد أن لا إله إلا الله ، وخلع الأنداد ، وشهد أنِّي رسُول اللهِ " وهذا مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما . وروى عطاءٌ عن ابن عباسٍ ، قال : نزلت في عثمان - رضي الله عنه - قال : كان بـ " المدينة " منافق كانت له نخلة بـ " المدينة " ، مائلة في دار رجل من الأنصار ، إذا هبت الرياح أسقطت البُسْر والرطب في دار الأنصاري ، فيأكل هو وعياله ، فخاصمه المنافق ، فشكاه الأنصاري إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل إلى المنافق ، وهو لا يعلم بنفاقه ، فقال : إنَّ أخاك الأنصاريَّ ذكر أنَّ بُسركَ ورُطبَكَ يقعُ إلى منزله ، فيَأكلُ هُوَ وعِيالهُ ، فهل لَكَ أنْ أعْطيكَ نَخْلَةً في الجنَّة بدلها ؟ فقال : أبيع عاجلاً بآجلٍ ؟ لا أفعلُ ، فذكروا أن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - أعطاه حائطاً من نخل بدل نخلته ، ففيه نزلت : { قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ } ، ونزلت في المنافق : { وَيَتَجَنَّبُهَا ٱلأَشْقَى } . وقال الضحاكُ : نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه . قوله : { وَذَكَرَ ٱسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّىٰ } . قال ابن عباس والضحاكُ : وذكر اسم ربه في طريق المصلى ، فصلى صلاة العيد . قال القرطبيُّ : " والسورة مكية في قول الجمهور ، ولم يكن بـ " مكة " عيد " . قل القشيريُّ : ولا يبعد أن يكون أنثى على من يمتثل أمره في صدقة الفطر ، وصلاة العيد فيما يأمر به في المستقبل . قوله : { وَذَكَرَ ٱسْمَ رَبِّهِ } ، أي : وذكر ربه . وعن ابن عباسٍ - رضي الله عنهما : معناه ذكر معاده وموقفه بين يدي الله تعالى ، فعبده وصلى له . وقيل : ذكر اسم ربه : التكبير في أوَّل الصلاة ؛ لأنها لا تنعقد إلا بذكره ، وهو قوله : " اللهُ أكبر " ، وبه يحتجُّ على وجوب تكبيرة الإحرام وعلى أنَّها ليست من الصلاة ؛ لأنَّ الصلاة معطوفة عليها ، وفيه حُجَّةٌ لمن قال : الافتتاح جائز بكل اسم من أسماء الله تعالى . قال ابن عباس - رضي الله عنهما - : " هذا في الصلوات المفروضة " . روى عبد الله رضي الله عنه : " من أقام الصلاة ولم يؤت الزكاة فلا صلاة له " .