Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 88, Ayat: 17-20)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى ٱلإِبْلِ كَيْفَ خُلِقَتْ } ، لما ذكر الله - تعالى - أمر الدارين تعجب الكفَِّار من ذلك ، فكذبوا وأنكروا ، فذكرهم الله صنعته ، وقدرته ، وأنه - تعالى - قادر على كل شيء ، كما خلق الحيوانات والسماء والأرض ، وذكر الإبل أولاً ؛ لأنها كثيرة في بلاد العرب ، ولم يروا الفيلة ، فنبّههم تعالى على عظيم من خلقه ، قد ذللـه للصغير من خلقه يقوده وينيخه وينهضه ، ويحمل عليه الثقيل من الأحمال ، وهو بارك ، فينهض بثقيل حمله ، وليس ذلك في شيء وينيخه وينهضه ، ويجمل عليه الثقيل من الأحمال ، وهو بارك ، فينهض بثقيل حمله ، وليس ذلك في شيء من الحيوان غيره ، فأراهم عظيماً من خلقه ، يدلهم بذلك على توحيده ، وعظيم قدرته تعالى . وعن بعض الحكماء : أنه حدث عن البعير ، وبديع خلقه ، وقد نشأ في بلاد لا إبل فيها ، ففكر ، ثم قال : يوشك أن تكون طوال الأعناق . قال ابنُ الخطيب : الإبل لها خواص ، منها أنه - تعالى - جعل الحيوان الذي يقتني أنواعاً ، فتارة يقتنى ليؤكل لحمه ، وتارة ليشرب لبنه ، وتارة ليحمل الناس في الأسفار ، وتارة لنقل المتاع من بلد إلى بلد ، وتارة للزِّينة والجمال ، وهذه المنافع بأسرها حاصلة في الإبل ، ثم إنها فاقت في كل خصلة من هذه الخصال غيرها من الحيوان المختص ببعضها ، مع صبرها على العطش ، وقطع المفاوز بالأحمال الثقيلة ، وقناعتها في العلف بنبات البر ، ولقد ضللنا الطريق في مفازة ، فقدموا جملاً واتبعوه ، فهداهم للطريق بعد زمان طويل ، مع كثرة المعاطف والتلول ، فانظر كيف ثبت واهتدى على ما عجزت عنه ذوو العقول . ومنها : أنه في غاية القوة والصبر على العمل . ومنها : أنها مع كونها كذلك منقادة للصَّب الصغير . ومنها : أنها تحمل وهي باركة ، ثم تقوم بحملها ، وهذه الصفات توجب على العاقل أن ينظر في خلقها وتركيبها ، ويستدل بذلك على وجود الصانع الحكيم جلت قدرته . فصل قال قتادةُ ومقاتلٌ وغيرهما : لما ذكر الله - تعالى - السرر المرفوعة ، قالوا : كيف نصعدها ؟ فأنزل الله هذه الآية ، وبيَّن أنَّ الإبل " تبرك " حتى يحمل عليها ، ثم تقوم ، فكذلك تلك السرر تتطامَنُ ، ثم يرتفع . وقال المبرد : الإبل هنا : القطعُ العظيمة من السَّحاب . وقال الثعلبي : ولم أجد لذلك أصلاً في كتب الأئمة . قال القرطبي : قد ذكره الأصمعي أبو سعيد بن عبد الملك بن قريب ، قال أبو عمرو : من قرأها : { أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى ٱلإِبْلِ كَيْفَ خُلِقَتْ } بالتخفيف ، عنى بها : البعير ؛ لأنها من ذوات الأربع ، يبرك ، فتحمل عليه الحمولة ، وغيره من ذوات الأربع ، لا يحمل عليه إلا وهو قائم ، ومن قرأها بالتثقيل فقال : " الإبل " عنى بها السحاب التي تحمل الماء والمطر . وقال الماورديُّ : وفي الإبل وجهان : أظهرهما : أنها " الإبل " . والثاني : أنها " السحاب " فإن كان المراد بها السحاب ، فلما فيها من الآيات الدالة على قدرته ، والمنافع العامة لجميع خلقه . وإن كان المراد بها الإبل من النعم ؛ فلأن الإبل أجمع للمنافع من سائر الحيوان ؛ لأن ضروبه أربعة : حلوبة ، وركوبة ، وأكولة ، وحمولة ، والإبل تجمع هذه الخلال الأربع ، فكانت النعمة بها أعم ، وظهور القدرة بها أتم . وقيل للحسن : الفيل أعظم في الأعجوبة , فقال : العرب بعيدة العهدِ بالفيل , ثم هو لا يؤكل لحمه , ولا يركب ظهره ، ولا يحلب درّه . فصل في الكلام على الإبل الإبل : اسم جمع ، واحده : بعير ، وناقة ، وجمل ، ولا واحد لها من لفظها ، وهو مؤنث ، ولذلك تدخل عليه تاء التأنيث تصغيره ، فيقال : أبيلة . قال القرطبيُّ : لا واحد لها من لفظها إذا كانت لغير الآدميين ، فالتأنيث لها لازم ، وربما قالوا للإبل : إبْل - بسكون الباء - للتخفيف ، والجمع : آبال واشتقوا من لفظه ، فقالوا : تأبل زيد ، أي كثرت إبله . وتعجبوا من هذا ، فقالوا : ما آبله ! أي : ما أكثر إبله ! وتقدم في سورة " الأنعام " . قوله : " كَيْفَ " : منصوب بـ " خُلِقتْ " على حد نصبها في قوله تعالى : { كَيْفَ تَكْفُرُونَ } ، والجملة بدل من " الإبل " بدل اشتمال ، فتكون في محل جر ، وهي في الحقيقة معلقة بالنظر ، وقد دخلت " إلى " على " كيف " في قولهم : " انظر إلى كيف يصنع " ، وقد تبدل الجملة المشتملة على استفهام من اسم ليس فيه استفهام ، كقولهم : " عرفت زيداً أبو من هو " على خلاف بين النحويين . وقرأ العامة : " خُلِقَتْ ، ورُفِعَتْ ، ونُصِبَتْ ، وسُطِحَتْ " مبنياً للمفعول ، والتاء ساكنة للتأنيث . وقرأ أمير المؤمنين ، وابن أبي عبلة ، وأبو حيوة ، قال القرطبي : وابن السميفع وأبو العالية : " خلقتُ " وما بعده بتاء المتكلم ، مبنياً للفاعل . والعامة على : " سُطِحَتْ " مخففاً . وقرأ الحسنُ وأبو حيوة وأبو رجاء : " سُطِّحَتْ " بتشديد الطاء وإسكان التاء . قال القرطبيُّ : وقدم الإبل في الذكر ، ولو قدم غيرها لجاز . قال القشيريُّ : وليس هذا مما يطلب فيه نوع حكمة . قوله : { وَإِلَى ٱلسَّمَآءِ كَيْفَ رُفِعَتْ } ، أي : رفعت عن الأرض بغير عمدٍ بعيدة المدى . وقيل : رفعت فلا ينالها شيء . قوله : { وَإِلَىٰ ٱلْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ } نصباً ثابتاً راسخاً لا يميل ولا يزول ، وذلك أن الأرض لما دحيت مادت ، فأرساها بالجبال ، كما قال تعالى : { وَجَعَلْنَا فِي ٱلأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ } [ الأنبياء : 31 ] . قوله : { وَإِلَى ٱلأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ } ممهدة ، أي : بسطتْ ومدتْ ، واستدل بعضهم بهذا على أن الأرض ليست بكرةٍ . قال ابنُ الخطيب : وهو ضعيف ؛ لأن الكرة إذا كانت في غاية العطمة تكون كل قطعة منها كالسطح . فإن قيل : ما المناسبة بين هذه الأشياء ؟ . فالجواب : قال الزمخشريُّ : من فسَّر الإبل بالسحاب ، فالمناسبة ظاهرة ، وذلك تشبيه ومجاز ، ومن حملها على الإبل ، فالمناسبة بينها وبين السماء والأرض والجبال من وجهين : الأول : أن القرآن نزل على العرب ، وكانوا يسافرون كثيراً ، وكانوا يسيرون عليها في المهامه والقفار ، مستوحشين ، منفردين عن الناس ، والإنسان إذا انفرد أقبل على التفكُّر في الأشياء ؛ لأنه ليس معه من يحادثه ، وليس هناك من يشغل به سمعه وبصره ، فلا بد من أن يجعل دأبه الفكر ، فإذا فكر في تلك الحال ، فأوَّل ما يقع بصره على الجمل الذي هو راكبه ، فيرى منظراً عجيباً ، وإن نظر إلى فوق لم ير غير السماء ، وإذا نظر يميناً وشمالاً لم ير غير الجبال ، وإذا نظر إلى تحت لم ير غير الأرض ، فكأنه تعالى أمره بالنظر وقت الخلودِ والانفراد ، حتى لا تحمله داعية الكبر والحسد على ترك النَّظر . الثاني : أن جميع المخلوقات دالة على الصانع - جلت قدرته - إلا انها قسمان : منها ما للشهوة فيه حظّ كالوجه الحسن ، والبساتين للنُّزهة ، والذهب والفضة ، ونحوها ، فهذه مع دلالتها على الصَّانع ، قد يمنع استحسانها عن إكمال النظر فيها . ومنها ما لا حظّ فيه للشهوة كهذه الأشياء ، فأمر بالنظر فيها ، إذ لا مانع من إكمال النظر .