Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 89, Ayat: 15-16)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { فَأَمَّا ٱلإِنسَانُ } : مبتدأ ، وفي خبرها وجهان : أصحهما : أنه الجملة من قوله : " فيقول " ، كقوله تعالى : { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ } [ البقرة : 26 ] كما تقدم ، والظرف حينئذٍ منصوب بالخبر ؛ لأنه في نية التأخير ، ولا يمنع الفاء من ذلك . قاله الزمخشري . الثاني : " إذَا " : شرطية ، وجوابها : " فيقول " ، وقوله : " فأكْرمهُ " : معطوف على " ابتلاه " ، والجملة الشرطية خبر : " الإنسان " . قاله أبو البقاء . وفيه نظر ؛ لأن " أما " تلزم الفاء في الجملة الواقعة خبراً عما بعدها ، ولا تحذف إلا مع قول مضمر ، كقوله : { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسْوَدَّتْ } [ آل عمران : 106 ] كما تقدم ، إلا في ضرورة . قال الزمخشريُّ : " فإن قلت : بم اتَّصل قوله تعالى : { فَأَمَّا ٱلإِنسَانُ } ؟ . قلت : بقوله : { إِنَّ رَبَّكَ لَبِٱلْمِرْصَادِ } ، فكأنه قيل : إن الله لا يريد من الإنسان إلا الطَّاعة ، فأما الإنسان ، فلا يريد ذلك ، ولا يهمه إلا العاجلة " انتهى . يعني : بالتعليق من حيث المعنى ، وكيف عطفت هذه الجملة التفصيلية على ما قبلها مترتبة عليه ، " لا يريد إلا الطَّاعة " على مذهبه ، ومذهبُ أهل السنة : أن الله يريد الطاعة وغيرها ، ولولا ذلك لم يقع ثم من لا يدخل في ملكه ما لا يريد ، وإصلاح العبارة أن نقول : إن الله يريد من العبد والإنسان من غير حصر . ثم قال : فإن قلت : كيف توازن قوله تعالى : { فَأَمَّا ٱلإِنسَانُ إِذَا مَا ٱبْتَلاَهُ رَبُّهُ } ، وقوله : { وَأَمَّآ إِذَا مَا ٱبْتَلاَهُ } ، وحق التوازن أن يتقابل الواقعان بعد " أما " و " أما " تقول : أما الإنسان فكفور ، وأما الملك فشكور ، أمَّا الإنسان أحسنت إلى زيد ، فهو محسن إليك ، وأمَّا إذا أسأت إليه ، فهو مسيء إليك . قلت : هما متوازنان من حيث إنَّ التقدير : وأما هو إذا ما ابتلاه ، وذلك أن قوله " فيقُولُ : ربِّي أكرمنِ " : خبر المبتدأ ، الذي هو " الإنسان " ، ودخول الفاء لما في " أما " من معنى الشرط ، والظرف المتوسط بين المبتدأ والخبر في نية التأخير ، كأنه قيل : فأما الإنسان فقائل : ربي أكرمني وقت الابتلاء ، فوجب أن يكون " فيقول " الثاني : خبراً لمبتدأ واجب تقديره . فصل في المراد بالإنسان قال ابن عبَّاسٍ : المراد بالإنسان : عتبةُ بنُ ربيعة ، وأبو حذيفة بنُ المغيرةَ . وقيل : أمية بن خلف . وقيل : أبي بن خلف . { إِذَا مَا ٱبْتَلاَهُ رَبُّهُ } أي : امتحنه ، واختبره بالنعمة ، و " ما " زائدة صلة ، " فأكْرمهُ " بالمال ، و " نَعَّمَهُ " بما أوسع عليه ، " فَيقُولُ : ربِّي أكرمنِ " ، فيفرح بذلك ، ولا يحمده . { وَأَمَّآ إِذَا مَا ٱبْتَلاَهُ } أي : امتحنه بالفقر واختبره ، " فقَدَر " أي : ضيق ، " عَليهِ رِزقهُ " على مقدار البُلغة ، " فيقول " ربي أهاننِ " أي : أولاني هواناً ، وهذه صفة الكافر ، الذي لا يؤمن بالبعث ، وإنما الكرامة عنده ، والهوان بكثرة المال والحظ في الدنيا ، وقلته ، فأمَّا المؤمن ، فالكرامة عنده أن يكرمه الله بطاعته ، وتوفيقه ، المؤدي إلى حظ الآخرة ، وإن وسع عليه في الدنيا حمده وشكره . قال القرطبيُّ : الآيتان صفة كُلِّ كافرٍ ، وكثيرٌ من المسلمين يظن أن ما أعطاه الله لكرامته ، وفضيلته عند الله ، وربما يقول بجهله : لو لم أستحق هذا ، لم يعطينيه الله ، وكذا إن قتر عليه ، يظن أن ذلك لهوانه على الله . قوله : " فقَدرَ عليهِ " . قرأ ابنُ عامرٍ : بتشديد الدَّال . والباقون : بتخفيفها ، وهما لغتان بمعنى واحد ، ومعناهما : التَّضييق . قال القرطبيُّ : والاختيار : التخفيف ، لقوله تعالى : { وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ } [ الطلاق : 7 ] وقوله تعالى : { ٱللَّهُ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَنْ يَشَآءُ وَيَقَدِرُ } [ الرعد : 26 ] . وقال أبو عمرو : و " قَدَرَ " أي : قتر . و " قَدَّرَ " مشدداً : هو أن يعطيه ما يكفيه ، ولو فعل به ذلك ما قال : " ربِّي أهانن " . فصل في الكلام على أكرمن وأهانن قوله : " أكْرمَنِي ، أهانني " . قرأ نافع : بإثبات يائهما وصلاً ، وحذفهما وفقاً من غير خلاف عنه . والمروي عن ابن كثير ، وابن محيصن ، ويعقوب : إثباتهما في الحالين ؛ لأنهما اسم فلا تحذف . واختلف عن أبي عمرو في الوصل : فروي عنه الإثبات والحذف ، والباقون يحذفونها في الحالتين . وعلى الحذف قوله : [ المتقارب ] @ 5204 - ومِنْ كَاشحٍ ظاهرٍ عُمرهُ إذَا مَا انْتسَبْتُ لهُ أنْكَرن @@ يريد : أنكرني ؛ ولأنها وقعت في الموضعين بغير ياء ، والسنة لا تخالف خط المصحف ؛ لأنه إجماع الصحابة رضي الله عنهم . وقال الزمخشريُّ : فإن قلت : هلا قال : فأهانه وقدر عليه رزقه ، كما قال : " فأكرمه ونعمه " ؟ قلت : لأن البسط : إكرام من الله لعبده بإنعامه عليه متفضلاً من غير سابقة ، وأما التقدير ، فليس بإهانة له ؛ لأن الإخلال بالتفضل لا يكون إهانة ، ولكن تركاً للكرامة ، وقد يكون المولى مكرماً لعبده ومهيناً له ، وغير مكرم ولا مهين ، وإذا أهدى لك زيدٌ هدية ، قلت : أكرمني بالهدية ، ولا تقول : أهانني ، ولا أكرمني إذا لم يهد لك . وأجاب ابنُ الخطيب عن هذا السؤال : بأنه في قوله : " أكرمني " صادق ، وفي قوله : " أهانني " غير صادق فهو ظهن أنَّ قلة الدنيا ، وتعسرها إهانة ، وهذا جهل ، واعتقاد فاسد ، فكيف يحكي الله - تعالى - ذلك عنه ؟ . قيل : لما قال : " فَأكْرَمهُ " ، فقد صحَّ أنه أكرمه ، ثم إنه حكى عنه أنه قال : " أكرمن " ذمه عليه , فكيف الجمع بينهما ؟ . فالجواب : أن كلمة الإنكار : " كلاَّ " ، فلم لا يجوز أن يقال : إنَّها مختصة بقوله تعالى : " ربي أهانن " ؟ . سمنا أن الإنكار عائد إليهما معاً ، لكن يمكن أن يكون الذَّم ؛ لأنه اعتقد أن ذلك الإكرام بالاستحقاق ، أو أنه لما لم يعترف إلا عند سعة الدنيا ، مع سبق النعم عليه من الصحة ، والعقل دلَّ على أن غرضه من ذلك ليس الشكر ، بل محبة الدنيا , والتكثير بالأموال والأولاد ، أو لأن كلامه يقتضي الإعراض عن الآخرة وإنكار البعث ، كما حكى الله تعالى بقوله : { وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَآ أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَـٰذِهِ أَبَداً } [ الكهف : 35 ] إلى قوله : { أَكَفَرْتَ بِٱلَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ } [ الكهف : 37 ] .