Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 89, Ayat: 17-20)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { كَلاَّ } : ردعٌ للإنسان عن تلك المقالة . قال ابنُ عباسٍ - رضي الله عنهما - المعنى : لم أبتله بالغنى ، لكرامته عليّ ، ولم أبتله بالفقرِ ، لهوانه عليّ ، بل ذلك لمحضِ القضاء والقدر ، والمشيئة والحكم المنزه عن التعليل ، وهذا مذهب أهل السنة ، وأما على مذهب المعتزلة : فلمصالح خفيَّة ، لا يطلع عليها إلا هو - سبحانه - فقد يوسع على الكافر لا لكرامته ، ويقتر على المؤمن لا لهوانه . قال الفراء في هذا الموضع : يعني : لم يكن للعبد أن يكون هكذا ، ولكن يحمد الله - تعالى - على الغنى والفقر . قوله : { بَل لاَّ تُكْرِمُونَ ٱلْيَتِيمَ } . قرأ أبو عمرو : " يكرمون " ، وما بعده بياء الغيبة ، حملاً على معنى الإنسان المتقدم ، إذا المراد به الجنس ، والجنس في معنى : الجمع . والباقون : بالتاء في الجميع ، خطاباً للإنسان المراد به الجنس ، على طريقة الالتفات . فصل فيمن نزلت فيه الآية لما حكى قولهم ، فكأنه قال : لهم فعل أشر من هذا القول ، وهو أن الله - تعالى - يكرمهم بكثرة المال ، فلا يؤدون ما يلزمهم من إكرام اليتيم ، فقرعهم بذلك ، ووبخهم . وترك إكرام اليتيم بدفعه عن حقه ، وأكل ماله . وقال مقاتلٌ : نزلت في قدامة بن مظعونٍ ، وكان يتيماً في حجر أمية بن خلف ، وكان يدفعه عن حقه . قوله : { وَلاَ تَحَاضُّونَ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلْمِسْكِينِ } . قرأ الكوفيون : " ولا تحاضون " ، والأصل : تتحاضون ، فحذف إحدى التاءين ، أي : لا يحض بعضكم بعضاً . وروي عن الكسائي : " تُحاضُّون " بضم التاء ، وهي قراءة زيد بن علي وعلقمة ، أي : تحاضون أنفسكم . والباقون : " تَحُضُّون " من حضَّه على كذا ، أي : أغراه به ، ومفعوله محذوف ، أي : لا تحضون أنفسكم ولا غيرها ، ويجوز ألاَّ يقدر ، أي : لا يوقعون الحضّ . قوله : " عَلى طعامِ " : متعلق بـ " تحضون " ، و " طَعَام " : يجوز أن يكون على أصله من كونه اسماً للمطعوم ، ويكون على حذف مضاف ، أي : على بذل ، أو إعطاء طعام ، وأن يكون اسم مصدر بمعنى : الإطعام كالعطاء بمعنى الإعطاء ، فلا حذف حينئذ . فصل في ترك إكرام اليتيم اعلم أن ترك إكرام اليتيم على وجوه : أحدها : ترك بره وإليه الإشارة بقوله تعالى : { وَلاَ تَحَاضُّونَ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلْمِسْكِينِ } . والثاني : دفعه عن حقه ، وأكل ماله ، وإليه الإشارة بقوله تعالى : { وَتَأْكُلُونَ ٱلتُّرَاثَ أَكْلاً لَّمّاً وَتُحِبُّونَ ٱلْمَالَ حُبّاً جَمّاً } . قوله : { وَتَأْكُلُونَ ٱلتُّرَاثَ أَكْلاً لَّمّاً } التاء في " التُّراثَ " : بدل من الواو ؛ لأنه من الوراثة ومثله : تولج ، وتوراة ، وتخمة وقد تقدم كما قالوا : تجاه ، وتخمة ، وتكأة ، وتؤدة ، ونحو ذلك . والتراث : ميراث اليتامى ، وقوله تعالى : { أَكْلاً لَّمّاً } ، اللَّمم : الجمع الشديد ، يقال : لممت الشيء لماً ، أي : جمعته جمعاً . قال الحطيئة : [ الطويل ] @ 5205 - إذَا كَانَ لمَّـا يُتْبعُ الـذَّمُّ ربَّـهُ فَلا قدَّسَ الرَّحمنُ تِلْكَ الطَّواحِنَا @@ ولمَمْتُ شعثه من ذلك ؛ قال النابغة : [ الطويل ] @ 5206 - ولسْتُ بِمُسْتبْقٍ أخاً لا تَلمُّـهُ عَلى شَعثٍ أيُّ الرِّجالِ المُهذب ؟ @@ والجَمُّ : الكثير ، ومنه : جمَّة الماء . قال زهير : [ الطويل ] @ 5207 - فَلمَّا وَرَدْنَا الماءَ زُرْقاً جِمامُهُ … @@ ومنه : الجُمَّةُ ، للشعر ، وقولهم : جاءوا الجمَّاء الغفير من ذلك . وكتيبة ملمومة وحجر ملموم ، وقولهم : إن دارك لمومة ، اي تلم الناس وتجمعهم ، والآكل يلم الثريد ، فيجمعه لقماً ، ثم يأكله . قال الحسنُ : يأكلون نصيبهم ، ونصيب غيرهم ، فيجمعون نصيب غيرهم إلى نصيبهم . وقيل : إنَّ المال الذي يتركه الميت بعضه حلال ، وبعضه شبهة ، وبعضه حرام ، فالوارث يلم الكل ، أي : يجمع البعض إلى البعض ، ويأخذ الكل ويأكله . قال الزمخشريُّ : يجوز أن يكون الذم متوجهاً إلى الوارث الذي ظفر بالمال ، سهلاً مهلاً من غير أن يعرق في جبينه ، فيسرف في إنفاقه ، ويأكله أكلاً لمًّا جامعاً بين ألوان المشتهيات [ من الأطعمة والأشربة والفواكه ] . [ وقال ابن زيد : كان أهل الشرك لا يورثون النساء ولا الصبيان ، بل يأكلون ميراثهم وتراثهم مع تراثهم ] . قوله : { وَتُحِبُّونَ ٱلْمَالَ حُبّاً جَمّاً } أي : كثيراً حلاله وحرامه . والجَمُّ : الكثير ، يقال : جمَّ الشيء يجم جُمُوماً ، فهو جم وجام ، ومنه : جمَّ الماء في الحوض ، إذا اجتمع وكثر ، والجمة : المكان الذي يجتمع فيه الماء ، والجُمُوم - بالضم - المصدر يقال : جم الماء يجم جموماً : إذا كثر في البئر واجتمع ، والمعنى : يحبون المال حباً شديداً .