Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 12, Ayat: 48-51)
Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ولما أتم المشورة ، رجع إلى بقية عبارة الرؤيا ، فقال : { ثم يأتي } ولما كانت مدة الإتيان غير مستغرقة لزمان البعد ، أتى بالجار فقال : { من بعد ذلك } أي الأمرالعظيم ، وهي السبع التي تعملون فيها هذا العمل { سبع } أي سنون { شداد } بالقحط العظيم ، وهن ما أشارت إليه رؤيا صاحبك الذي طار برزقه الطيور ، وسار بروحه غالب المقدور ، ودلت عليه رؤيا الملك من البقرات العجاف والسنابل اليابسات { يأكلن } أسند الأكل إليهن مجازاً عن أكل أهلهن تحقيقاً للأكل { ما قدمتم } أي بالادخار من الحبوب { لهن } والتقديم : التقريب إلى جهة القدام ، وبشرهم بأن الشدة تنقضي ولم يفرغ ما أعدوه ، فقال : { إلا قليلاً مما تحصنون * } والإحصان : الإحراز ، وهو إلقاء الشيء فيما هو كالحصن المنيع - هذا تعبير الرؤيا ، ثم زادهم على ذلك قوله : { ثم يأتي } وعبر بالجار لمثل ما مضى فقال : { من بعد ذلك } أي الجدب العظيم { عام } وهو اثنا عشر شهراً ، ونظيره الحول والسنة ، وهو مأخوذ من العلوم - لما لأهله فيه من السبح الطويل - قاله الرماني . والتعبير به دون مرادفاته إشارة إلى أنه يكون فيه - من السعة بعموم الريّ وظهور الخصب وغزير البركة - أمر عظيم ، ولذا اتبعه بقوله : { فيه } . ولما كان المتشوف إليه الإغاثة ، على أنه من المعلوم أنه لا يقدر عليها إلا الله ، قال بانياً للمفعول : { يغاث الناس } من الغيث وهو المطر ، أو من الغوث وهو الفرج ، ففي الأول يجوز بناءه من ثلاثي ومن رباعي ، يقال غاث الله الأرض وأغاثها : أمطرها ، وفي الثاني هو رباعي خاصة ، يقال : استغاث به فأغاثه ، من الغوث وهو واوي ، ومعناه النفع الذي يأتي على شدة حاجته بنفي المضرة ، والغيث يائي وهو المطر الذي يأتي في وقت الحاجة { وفيه } أي ذلك العام الحسن . ولما كان العصر للأدهان وغيرها لا يكون إلا عن فضله ، قال : { يعصرون * } أي يخرجون عصارات الأشياء وخلاصاتها ، وكأنه أخذ من انتهاء القحط ابتداء الخصب الذي دل عليه العصر في رؤيا السائل ، والخضرة والسمن في رؤيا الملك فإنه ضد القحط ، وكل ضدين انتهاء أحدهما ابتداء الآخر لا محالة ، فجاء الرسول فأخبر الملك بذلك ، فأعجبه ووقع في نفسه صدقه { وقال الملك } أي الذي العزيز في خدمته { ائتوني به } لأسمع ذلك منه وأكرمه ، فأتاه الرسول ليأتي به إلى الملك { فلما جاءه } أي يوسف عليه الصلاة والسلام عن قرب من الزمان { الرسول } بذلك وهو الساقي { قال } له يوسف : { ارجع إلى ربك } أي سيدك الملك { فاسأله } بأن تقول له مستفهماً { ما بال النسوة } ولوح بمكرهن به ولم يصرح ، ولا ذكر امرأة العزيز كرماً وحياء فقال : { التي قطعن أيديهن } أي ما خبرهن في مكرهن الذي خالطني ، فاشتد به بلائي فإنهن يعلمن أن امرأة العزيز ما دعتهن إلا بعد شهادتهن بأنها راودتني ، ثم اعترفت لهن بأنها راودتني ، وأني عصيتها أشد عصيان ، فإذا سألهن بان الحق ، فإن ربك جاهل بأمرهن . ولما كان هذا موطناً يسأل فيه عن علم ربه سبحانه لذلك ، قال مستأنفاً مؤكداً لأنهم عملوا في ذلك الأمر بالجهل عمل المكذب بالحساب الذي هو نتيجة العلم : { إن ربي } أي المدبر لي والمحسن إلي بكل ما أتقلب فيه من شدة ورخاء { بكيدهن } لي حين دعونني إلى طاعة امرأة العزيز { عليم * } وأنا لا أخرج من السجن حتى يعلم ربك ما خفي عنه أمرهن الذي علمه ربي ، لتظهر براءتي على رؤوس الأشهاد مما وصموني به من السجن الذي من شأنه أن لا يكون إلا عن جرم ، وإن لم تظهر براءتي لم ينقطع عني كلام الحاسدين ، ويوشك أن يسعوا في حط منزلتي عند الملك ، ولئلا يقولوا : ما لبث هذا السجن إلا لذنب عظيم فيكون في ذلك نوع من العار لا يخفى ، وفي هذا دليل على أن السعي في براءة العرض حسن ، بل واجب ، وأخرج الكلام على سؤال الملك عن أمرهن - لا على سؤاله في أن يفحص عن أمرهن - لأن سؤال الإنسان عن علم ما لم يعلم يهيجه ويلهبه إلى البحث عنه ، بخلاف سؤاله في أن يفتش لغيره ، ليعلم ذلك الغير ، فأراد بذلك حثه لأن يجدّ في السؤال حتى يعلم الحق ، ليقبل بعد ذلك جميع ما حدثه به ؛ والكيد : الاحتيال في إيصال الضرر . وإنما فسرت " بال " بذلك لأن مادته - يائية بتراكيبها الخمسة : بلى ، وبيل ، ولبى ، وليب ، ويلب ، وواوية بتراكيبها الستة : بول ، وبلو ، وولب ، ووبل ، ولوب ، ولبو ، ومهموزة - بتراكيبها الأربعة : لبأ ، وبأل ، وأبل وألب - تدور على الخلطة المحيلة المميلة ، وكأن حقيقتها البلاء بمعنى الاختبار والامتحان والتجربة ، ويكون في الخير والشر ، أي خالطه بشيء يعرف منه خفي أمره ؛ قال القزاز : والفتنة تكون في الشر خاصة ، والبلاء : النعمة ، من قولك : أبليته خيراً - إذا اصطنعته عنده ، وقد تقدم في سورة الأنفال شيء من معاني المادة ، وناقة بلو سفر وبلى سفر - إذا أنضاها السفر ، وإذا كانت قوية عليه ، والبلوى : البلية ، وأبليت فلاناً عذراً ، أي جئت فيما بيني وبينه ما لا لوم فيه ، أي خالطته بشيء أزال اللوم ، والبلية : دابة كانت تشد في الجاهلية عند قبر صاحبها ولا تعلف ولا تسقي حتى تموت ، ويقال : الناس بذي بلى وبذي بليان ، أي متفرقين ، كأن حقيقته أنه حل بهم صاحب خلطة شديدة فرقت بينهم ، وبلى الشيء - بالكسر بلى مقصوراً وبلاء ممدوداً - إذا فنى وعطب ، وبلي فلان بكذا - مبنياً للمفعول ، وابتلى به - إذا أصابه ذلك ؛ والبول : ولد الرجل ، والعدد الكثير ، والانفجار ، وضد الغائط ، ولا ريب أن كلاً من ذلك إذا خالطه الحيوان أحال حاله ؛ والبال : الاكتراث والفكر والهم ، ومن ذلك عندي : ما باليت به : لم أكترث به ، وكذا ما أباليه بالة ، وهي مصدر منه ، ولم أبال به ، ولم أبل ، ولكنهم قلبوه من : باولت به ، لئلا يلتبس بالبول - والله أعلم ، وحقيقتهما : ما استعملتُ بالي الذي هو فكري فيه وإن أعمل هو فكره في أمري ، أي إنه أقل من أن يفكر في أمره ، ومن المعلوم أن الفكر محل الخلطة المميلة ، والبال : المر الذي يعتمل به في أرض الزرع - لمشقة العمل به ، والبال : سمكة غليظة تسمى جمل البحر - لأن من خالطته أحالت أمره ، والبال : رخاء العيش ، والحال ، والبالة : القارورة - كأنها من البول ، والجراب ، ووعاء الطيب ، والولب : الوصل ، ولبت الشيء : وصلته ، وولب هو : وصل ودخل وأسرع ، والوالب : الذاهب في وجهه - كأنه خالطه من الهم ما حمله على ذلك ، وولب الزرع - إذا صارت له والبة ، وهي أفراخ تولدت من أصوله ، والوالبة : نسل القوم ، ونسل المال ، والوالبة : سريع النبات ؛ ولاب يلوب - إذا عطش ، واللابة : الحرة ، وهي مكان ذو حجارة سود كبيرة متصلة صلبة حسنة ، فمن خالطها أتعبته وأعطشته ، وبها سميت الإبل السود المجتمعة ، والصمان ، واللابة : شقشقة البعير ، وهي شيء كالرئة يخرجه البعير من فيه إذا هاج - كأنها هي التي أهاجته ، والملاب : ضرب من الطيب ، والزعفران ، والملوب - كمعظم - من الحديد : الملوى ، واللوب - بالضم : البضعة التي تدور في القد - لأنها تغير ما في القدر بدورانها ، واللواب أيضاً : اللعاب ، والأب : عطشت إبله ، واللبوة : أنثى الأسد ؛ والوابل : المطر الكثير الشديد الوقع الضخم القطر ، والوابلة : نسل الإبل والغنم ، ورأس العضد الذي في الحق ، وما التف من لحم الفخذ ، والموابلة : المواظبة ، والميبل : ضفيرة من قد مركبة في عود تضرب به الإبل ، ووبل الصيد : طرد حثيث شديد ، بالنعجة وبلة شديدة - إذا أرادت الفحل ، والوبال : الشدة وسوء العاقبة ، وهو من الشدة والثقل ، وأصابه وبل الجوع ، أي جوع شديد ، والوبيل : المرعى الوخيم ، واستوبلت الأرض - إذا لم توافقك في مطعمك وإن كنت محباً لها ، وهي من الوبيل - للطعام الذي لا يشتهي ، والوبيل من العقوبة : الشديدة ، وهو أيضاً العصا ، وخشبة القصار التي يدق بها الثياب بعد الغسل ، وخشبة صغيرة يضرب بها الناقوس ، والحزمة من الحطب ؛ وبلى : حرف يجاب بها الاستفهام الداخل على كلام منفي فتحيله إلى الإثبات بخلاف " نعم " فإنه يجاب بها الكلام الموجب ، وتأتي " بلى " في النفي من غير استفهام ، يقال : ما أعطيتني درهماً ، فتقول : بلى ؛ ولبى من الطعام - كرضى : أكثر منه ، واللباية - بالضم : شجر الأمطىّ ؛ واللياب - بتقديم التحتانية وزن سحاب : أقل من ملء الفم ؛ واليلب - محركة : الترسة ، ويقال : الدرق ، والدروع من الجلود ، أو جلود يخرز بعضها إلى البعض ، تلبس على الرؤوس خاصة ، والعظيم من كل شيء ، والجلد ؛ والأبيل - كأمير : العصا ، والحزين - بالسريانية ، ورئيس النصارى ، أو الراهب ، أو صاحب الناقوس ، صنيع مختصر العين يقتضي أن همزته زائدة ، وصنيع القاموس أنها أصلية ، وعلى كلا التقديرين هو من مدار المادة ، فإن من خالطته العصا غيرته ، وكذا الرئيس ؛ ومن مهموزة اللبأ - كضلع : أول اللبن ، وهو أحق الأشياء بالإحالة ، وألبأ الفصيل : شدة إلى رأس الخلف - أي حلمة ضرع الناقة - ليرضع اللبأ ، ولبأت وهي ملبىء : وقع اللبأ في ضرعها ، ولا يكون ذلك إلا بما يخالطها ، فيحيل ذلك منها ، واللبء - بالفتح : أول السقي ، وهو أشد مما في الأثناء في الخلطة والإحالة ، وبهاء : الأسدة ، وخلطتها محيلة للذكور من نوعها ، ولغيرها بالنفرة منها ، وكذا اللبوة - بالواو ، وعشار ملابي - كملاقح : دنا نتاجها ، وهو واضح في الإحالة : ولبأت الشاة ولدها وألبأته : أرضعته اللبأ ، ولبأت الشاة والتبأتها : حلبت لبأها ؛ والبئيل - كأمير : الصغير الضعيف ، بؤل - ككرم ، ويقال ضئيل بئيل ؛ والإبل - بكسرتين وتسكن الباء - معروف ، واحد يقع على الجمع ، ليس بجمع ولا اسم جمع ، جمعه آبال ، الإحالة في خلطتها بالركوب والحمل وغيرهم واضحة ، والإبل : السحاب الذي يحمل ماء المطر ، وهو ظاهر في ذلك ، وتأبّل عن امرأته : امتنع عن غشيانها - من الإزالة ، ونسك : أي امتنع عن خلطة الدنيا المحيلة ، وبالعصا : ضرب ، ومن خالطته العصا أحالته ، وأبل العشب أبولاً : طال ، فاستمكن منه الإبل ، وهو ظاهر في الإحالة ، والإبالة - كالإجانة : القطعة من الطير والخيل والإبل أو المتتابعة منها ، من نظر شيئاً من ذلك أحاله عن حاله ، وكأمير : العصا ، ورئيس النصارى ، أو الراهب ، أو صاحب الناقوس ، وكل ذلك واضح في الإحالة ، والأبل - بالضم الباء : الحزمة من الحشيش ، وخلطتها محيلة لما يأكلها ، والإبالة - ككتابة : السياسة ، وهي في غاية الإحالة لمن خولط بها ، والأبلة - كفرحة : الحاجة والطلبة ، وهي معروفة في ذلك ، والمباركة في الإبل ، وإنه لا يأتبل : لا يثبت على رعية الإبل ولا يحسن مهنتها ، أو لا يثبت عليها راكباً ، أي إنه سريع التأثر والإحالة من خلطتها ، وتأبيل الإبل : تسمينها ، أي مخالطتها بما أحالها ، والإبلة - بالكسر : العداوة ، وإحالتها معروفة ، بالضم - العاهة ، وهي كذلك ، وبالفتح أو بالتحريك : الثقل والوخامة والإثم كذلك ، وتأبيل الميت : تأبينه ، أي الثناء عليه بعد موته ، وهو يهيج الحزن عليه ، وجاء في إبالته - بالكسر ، وأبلته - بضمتين مشددة : أصحابه ، ولا شك أن من جاء كذلك أحال من أتاه ، وضغث على إبالة كإجانة ويخفف : بلية على أخرى ، أو خصب على خصب - كأنه ضد ، وهو واضح الإحالة ، وأبلت الإبل تأبُل وتأبل أبولا وأبلا : جزأت - أي اكتفت - بالرطب عن الماء ، والرُطُب بضمتين : الإخضر من البقل والشجر أو جماعة العشب الأخضر ، والأبول : الإقامة في المرعى ، ولا شك في أن من خالطه ذلك أحاله ؛ وألب إليه القوم : أتوه من كل جانب ، وذلك محيل ، وألب الإبل : ساقها ، والإبل : انساقت وانضم بعضها إلى بعض ، والحمار طريدته : طردها شديداً ، وجمع ، واجتمع ، وأسرع ، وعاد ، والإحالة في كل ذلك ظاهرة ، والسماء : دام مطرها ، أي فأحال الأرض وأهلها ، والتألب كثعلب : المجتمع منا ومن حمر الوحش والوعل ، وهي بهاء ، وما كان كذلك أحال ما خالطه ، والإلب - بالكسر : الفتر ، وشجرة كالأترج سم ، وذلك ظاهر في الإحالة ، وبالفتح : نشاط الساقي ، وميل النفس إلى الهوى ، والعطش ، والتدبير على العدو من حيث لا يعلم ، ومسك السخلة ، والسم ، والطرد الشديد ، وشدة الحمى والحر ، وابتداء برء الدمل ، وكل ذلك ظاهر الإحالة ، وريح ألوب : باردة تسفي التراب ، ورجل ألوب : سريع إخراج الدلو ، أو نشيط ، فمن خالطه أحاله ، وهم عليه ألب وإلب واحد : مجتمعون عليه بالظلم والعداوة ، وذلك محيل لا شك فيه ، والإلبة بالضم : المجاعة ، وبالتحريك : اليلبة ، والتأليب : التحريض والإفساد ، وكل ذلك ظاهر في الإحالة ، وكذا المئلب - للسريع ، والألب : الصفو ، وهو محيل ، والألب - بالتحريك : اليلب ، وقد مضى أنها الترسة - والله أعلم . ولما قال يوسف عليه الصلاة والسلام ذلك وأبى أن يخرج من السجن قبل تبين الأمر ، رجع الرسول إلى الملك فأخبره بما قال عليه الصلاة والسلام فكأنه قيل : فما فعل الملك ؟ فقيل : { قال } للنسوة بعد أن جمعهن : { ما خطبكن } أي شأنكن العظيم ؛ وقوله : { إذ راودتن } أي خادعتن بمكر ودوران ومراوغة { يوسف عن نفسه } دليل على أن براءته كانت متحققة عند كل من علم القصة ، فكأن الملك وبعض الناس - وإن علموا مراودتهن وعفته - ما كانوا يعرفون المراودة هل هي لهن كلهن أو لبعضهن ، فكأنه قيل : ما قلن ؟ فقيل : مكرن في جوابهن إذ سألهن عما عملن من السوء معه فأعرضن عنه وأجبن بنفي السوء عنه عليه الصلاة والسلام ، وذلك أنهن { قلن حاش لله } أي عياذاً بالملك الأعظم وتنزيهاً له من هذا الأمر ، فأوهمن بذلك براءتهن منه ؛ ثم فسرن هذا العياذ بأن قلن تعجباً من عفته التي لم يرين مثلها ، ولا وقع في أوهامهن أن تكون لآدمي وإن بلغ ما بلغ : { ما علمنا عليه } أي يوسف عليه الصلاة والسلام ، وأعرقن في النفي فقلن : { من سوء } فخصصنه بالبراءة ، وهذا كما تقدم عند قول الملأ { أضغاث أحلام } هذا وهو جواب للملك الذي تبهر رؤيته وتخشى سطوته ، فكان من طبع البلد عدم الإفصاح في المقال - حتى لا ينفك عن طروق احتمال فيكون للتفصي فيه مجال - وعبادة الملوك إلا من شاء الله منهم . ولما تم ذلك ، كان كأنه قيل : فما قالت التي هي أصل هذا الأمر ؟ فقيل : { قالت امرأت العزيز } مصرحة بحقيقة الحال : { الآن حصحص الحق } أي حصل على أمكن وجوهه ، وانقطع عن الباطل بظهوره ، من : حص شعره . إذا استأصل قطعه بحيث ظهر ما تحته ، ومنه الحصة : القطعة من الشيء ، ونظيره : كب وكبكب ، وكف وكفكف ، فهذه زيادة تضعيف ، دل عليه الاشتقاق وهو قول الزجاج - قاله الرماني . ووافقه الرازي في اللوامع وقال : وقال الأزهري : هو من حصحص البعير : أثرت ثفناته في الأرض إذا برك حتى تستبين آثارها فيه { أنا راودته } أي خادعته وراودته { عن نفسه } وأكدت ما أفصحت به مدحاً ونفياً لكل سوء بقولها مؤكداً لأجل ما تقدم من إنكارها : { وإنه لمن الصادقين * } أي العريقين في هذا الوصف في نسبة المراودة إليّ وتبرئة نفسه ، فقد شهد النسوة كلهن ببراءته ، وإنه لم يقع منه ما ينسب به شيء من السوء إليه ، فمن نسب إليه بعد ذلك هماً أو غيره فهو تابع لمجرد الهوى في نبي من المخلصين .