Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 14, Ayat: 10-12)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما كان سامع هذا الكلام يشتد تشوفه إلى جوابه ، وكان أصل الدعوة في كل ملة التوحيد ، وكان الشاك فيه شاكاً في الله ، وكان أمر الله من الظهور بحيث لا يشك فيه عاقل حكّم عقله مجرداً عن الهوى ، ساغ الإنكار وإيراد الكلام على تقدير سؤال معرى من التقييد مبهم في قوله : { * قالت رسلهم } ولما كان ما شكوا فيه من الظهور بحيث لا يتطرق إليه ريب ، أنكروا أن يكون فيه شك ، لأن ذلك يتضمن إنكار شكهم وشك غيرهم فقالوا : { أفي الله } أي الذي له جميع صفات الكمال { شك } . ولما كان الجواب عاماً لا يخص ناساً دون ناس ، لم يأت بصلة فقال بخلاف قوله : { إن نحن إلا بشر } ثم نبهوهم بالمصنوع على مقصود الدعوة من وجود الصانع وتفرده وظهوره في قولهم : { فاطر السماوات } ولما كان المقام لادعاء أنه في غاية الظهور ، لم يحتج إلى تأكيد بإعادة العامل ، فقال : { والأرض } أي على هذا المثال البديع والنمط الغريب المنتظم الأحوال ، الجميل العوائد ، والمتسق الفصول ؛ فلما أوضحوا لهم الأدلة على وحدانيته بينوا لهم بأن ثمرة الدعوة خاصة بهم ، إنه لا يأباها من له أدنى بصيرة ، فقالوا : { يدعوكم } أي على ألسنتنا { ليغفر لكم } . ولما كان الكافر إنما يدعى أولاً إلى الإيمان ، وكان الإيمان إنما يجب ما كان قبله من الذنوب التي معهم بينهم وبينه دون المظالم ، قال : { من ذنوبكم } ولو عم بالغفران لأفهم ذلك أنهم لا يدعون بعد الإيمان إلى عمل أصلاً { و } لا يفعل بكم فعل من تعهدون من الملوك في المعاجلة بالإهلاك لمن خالفهم ، بل { يؤخركم } وإن أخطأتم أو تعمدتم وتبتم { إلى أجل مسمى } عنده سبق علمه به ، وهو آجالكم على حسب التفريق ، ولا يستأصلكم بالعذاب في آن واحد كما فعل بمن ذكر من الأمم . فلما بين لهم الأصيل بدليله فروع عليه ما لا ريب فيه في قصر نفعه عليهم ، علموا أنه لا يتهيأ لهم عن ذلك جواب فأعرضوا عنه إلى أن { قالوا } عناداً { إن } أي ما { أنتم } أي أيها الرسل { إلا بشر } وأكدوا ما أرادوا من نفي الاختصاص فقالوا : { مثلنا } يريدون : فما وجه تخصيصكم بالرسالة دوننا ؟ ثم كان كأنه قيل : فكان ماذا ؟ فقالوا : { تريدون أن تصدونا } أي تلفتونا وتصرفونا { عما كان } أي كوناً هو كالجبلة ، وأكدوا هذا المعنى للتذكير بالحال الماضية بالمضارع فقالوا : { يعبد آباؤنا } أي أنكم - لكونكم من البشر الذين يقع بينهم التحاسد - حسدتمونا على اتباع الآباء وقصدتم تركنا له لنكون لكم تبعاً { فأتونا } أي فتسبب - عن كوننا لم نر لكم فضلاً وإبدائنا من إرادتكم ما يصلح أن يكون مانعاً - أن نقول لكم : ائتونا لنتيعكم { بسلطان مبين * } أي حجة واضحة تلجئنا إلى تصديقكم مما نقترحه عليكم ، وهذا تعنت محض فإنهم جديرون بأن يعرضوا عن كل سلطان يأتونهم به كائناً ما كان كما ألغوا ما أتوا هم به من البينات فلم يعتدوا به ، فكأنه قيل : فما كان جواب الرسل ؟ فقيل : { قالت } . ولما أرادوا تخصيصهم برد ما قالوا ، قيد بقوله : { لهم رسلهم } مسلمين أول كلامهم غير فاعلين فعلهم في الحيدة عن الجواب { إن } أي ما { نحن إلا بشر مثلكم } ما لنا عليكم فضل بما يقتضيه ذواتنا غير أن التماثل في البشرية لا يمنع اختصاص بعض البشر عن بعض بفضائل ؛ والمثل : ما يسد مسد غيره حتى لو شاهده مشاهد ثم شاهد الآخر لم يقع فصل { ولكن الله } أي الذي له الأمر كله فضلنا عليكم لأنه { يمن على من يشاء } أي أن يمن عليه { من عباده } رحمة منه له ، بأن يفضله على أمثاله بما يقسمه له من المزايا كما أنتم به عارفون ، فلم يصرحوا بما تميزوا به من وصف النبوة ، ولم يخصوا أنفسهم بمنّ الله بل أدرجوها في عموم من شاء الله ، كل ذلك تواضعاً منهم واعترافاً بالعبودية ؛ والمن : نفع يقطع به عن بؤس ، وأصله القطع ، ومنه { غير منون } ، والمنة قاطعة عن الدنيا . ولما بينوا وجه المفارقة ، عطفوا عليه بيان العذر فيما طلبوه منهم فقالوا : { وما } أي فما كان لنا أن نتفضل عليكم بشيء من الأشياء لم يؤذن لنا فيه ، وما { كان } أي صح واستقام { لنا أن نأتيكم بسلطان } مما تقترحونه تعنتاً ، وهو البرهان الذي يتسلط به على إبطال مذهب المخالف للحق غير المعجزة التي يثبت بها النبوة { إلا بإذن الله } أي بإطلاق الملك الأعظم وتسويفه ، فنحن نتوكل على الله في أمركم إن أذن لنا في الإتيان بسلطان أو لم يأذن وافقتم أو خالفتم { وعلى الله } أي الذي له الأمر كله ولا أمر لأحد معه وحده { فليتوكل } أي بأمر حتم { المؤمنون * } فكيف بالأنبياء ؛ ثم بينوا سبب وجوب التوكل بقولهم : { وما } أي وأي شيء { لنا } في { ألاّ نتوكل على الله } أي ذي الجلال والإكرام { و } الحال أنه { قد هدانا سبلنا } فبين لنا كل ما نأتي وما نذر ، فلا محيص لنا عن شيء من ذلك ، فلنفعلن جميع أوامره ، ولننتهين عن جميع مناهيه { ولنصبرن } أكدوا لإنكار أن يصبر الرسول - مع وحدته - على أذاهم مع كثرتهم وقوتهم { على ما } وعبر بالماضي إشارة إلى أنهم عفوا عن أذاهم في الماضي فلا يجازونهم به ، فهو استجلاب إلى توبة أولئك المؤذين ، وعدلوا عن المضارع لأنهم ينتظرون أمر الله في الاستقبال فقد يأمرهم بالصبر ، فقال : { آذيتمونا } أي في ذلك الذي أمرنا به كائناً فيه ما كان لأنا توكلنا على الله ونحن لا نتهمه في قضائه { وعلى الله } أي الذي له جميع صفات الكمال وحده { فليتوكل المتوكلون * } الذين علموا من أنفسهم العجز سواء كانوا مؤمنين أو لا ، فوكلوا أمراً من أمورهم إلى غيرهم ليكفيهم إياه ، فإنه محيط العلم كامل القدرة ، وكل من عداه عاجز ، والصبر مفتاح الفرج ، ومطلع الخيرات المطلق من الكرب ، والحق لا بد وأن يصير غالباً قاهراً ، والباطل لا بد وأن يصير مغلوباً مقهوراً وإن طال الابتلاء .