Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 14, Ayat: 7-9)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما ذكرهم بنعمة الأمن رغبهم فيما يزيدها ، ورهبهم مما يزيلها فقال : { وإذ } أي واذكروا إذ { تأذن ربكم } أي أعلم المحسن إليكم إعلاماً بليغاً ينتفي عنه الشكوك قائلاً : { لئن شكرتم } وأكده لما للأنفس من التكذيب بمثل ذلك لأعتقادها أن الزيادة بالسعي في الرزق والنقص بالتهاون فيه { لأزيدنكم } من نعمي ، فإن الشكر قيد الموجود وصيد المفقود " إن عطائي لعتيد فأرجوه " { ولئن كفرتم } النعمة فلم تقيدوها بالشكر لأنقصنكم ولأعذبنكم { إن عذابي } بإزالتها وغيرها { لشديد * } فخافوه ، فالآية - كما ترى - من الاحتباك . ولما كان من حث على شيء وأثاب عليه أو نهى عنه وعاقب على فعله يكون لغرض له ، بين أن الله سبحانه متعال عن أن يلحقه ضر أو نفع ، وأن ضر ذلك ونفعه خاص بالعبد فقال تعالى حاكياً عنه : { وقال موسى } مرهباً لهم معلماً أن وبال الكفران خاص بصاحبه { إن تكفروا } والكفر : تضييع حق النعمة بجحدها أو ما يقوم في العظم مقامه { أنتم ومن في الأرض } وأكد بقوله : { جميعاً } فضرره لاحق بكم خاصة غير عائد على الله شيء منه { فإن الله } أي الملك الأعظم { لغني } أي في ذاته وصفاته عن كل أحد ، والغنى هنا المختص بما ينفي لحاق الضرر أو النقص ، والمختص بأنه قادر لا يعجزه شيء ، عالم لا يخفى عليه شيء ، وذلك بنفسه لا بشيء سواه ، ومن لم يكن كذلك لم يكن غنياً { حميد * } أي بليغ الاستحقاق للحمد بما له من عظيم النعم وبما له من صفات الكمال ، وكل مخلوق يحمده بذاته وأفعاله وجميع أقواله كائنة ما كانت ، لأن إيجاده لها ناطق بحمده سبحانه . ذكر التأذن بذلك المذكر به من التوراة : قال في السفر الخامس : واختاركم الله ربكم أن تكونوا له شعباً حبيباً من جميع الشعوب التي على وجه الأرض ، وليس لأنكم أكثر من جميع الشعوب أحبكم الرب واختاركم ، ولكن ليثبت الأيمان التي أقسم لآبائكم ، لذلك أخرجكم الرب بيد منيعة ، وأنقذكم من العبودية ، وخلصكم من يدي فرعون ملك مصر ، لتعلموا أن الله ربكم هو إله الحق ، إله مهيمن يحفظ النعمة والعهد لأوليائه الذين يحفظون وصيته لألف حقب ، ويكافىء شنأته في حياتهم ويجزيهم بالهلاك والتلف ، احفظوا السنن والأحكام والوصايا التي آمركم بها اليوم فافعلوها يحفظ الله الرب العهد والنعمة التي أقسم لآبائكم ، ويحبكم ويبارك عليكم ويكثركم ، ويبارك في أولادكم وفي ثمرة أرضكم وفي بركم وخبزكم وزيتكم ، وفي أقطاع بقركم وجفرات غنمكم ، وتكونوا مباركين من جميع الشعوب ، ولا يكون فيكم عاقر ولا عقيم ولا في بهائمكم ، ويصرف الله عنكم كل وجع ، وجميع الضربات التي أنزل الله بأهل مصر - كما تعلمون - لا ينزلها بكم بل ينزلها بجميع شنأتكم ، وتأكلون جميع خيرات الشعوب التي يعطيكم الله ربكم ، ولا تشفق أعينكم عليهم ، ولا تعبدوا آلهتهم لأنهم فخاخ لكم ، وإن قلتم في قلوبكم : إن هذه الشعوب أكثر منا فكيف نقدر أن نهلكها ! فلا تفرقوا منها ولكن اذكروا جميع ما صنع الله ربكم بفرعون ملك مصر وكل أصحابه ، والبلايا العظيمة التي رأيتم بأعينكم ، والآيات والأعاجيب واليد المنيعة والذراع العظيمة ، وكيف أخرجكم الله ربكم ! كذلك يفعل الله ربكم بجميع الشعوب التي تخافونها . ويسلط الله ربكم عليهم عاهات حتى يهلكهم ، والذين يبقون ويختفون منكم لا تخافوهم لأن الله ربكم بينكم . الإله العظيم المرهوب ، فيهلك الله ربكم هذه الشعوب من بين أيديكم رويداً رويداً ، لأنكم لا تقوون أن تهلكوهم سريعاً لئلا يكثر السباع ، ولكن يدفعهم الله ربكم إليكم وتضربونهم ضربة شديدة حتى تهلكوهم ، ويدفع ملوكهم في أيديكم وتهلكون أسماءهم من تحت السماء ، لا يقدر أحد أن يقوم بين أيديكم حتى تهلكوهم وتحرقوا آلهتهم المنحوتة بالنار ، ولا تشتهوا الفضة والذهب الذي عليها وتأخذوه منها لئلا تتنجسوا بها ، لأنها مرذولة عند الله ربكم ، فلا تدخلوا نجاسة إلى بيوتكم لئلا تكونوا منفيين مثلها ، ولكن أرذلوها ونجسوها وصيروها نفاية بخسة لأنها حرام . ثم قال : انظروا ! إني أتلو عليكم دعاء ولعناً ، أما الدعاء فتصيرون إليه إن أنتم حفظتم وصايا الله ربكم ، وأما اللعن فيدرككم إن أنتم لم تسمعوا وصايا الله ربكم ، وزغتم عن الطريق الذي أمركم به اليوم - وقد مضى كثير من أمثال هذا عن التوراة ، ولا ريب في أن هذا الترغيب والترهيب والتذكير للتحذير كما أنه كان لبني إسرائيل ، فهو لكل من سمعه من المكلفين . ولما حذرهم انتقام الله إن كفروا ، ذكرهم أيامه في الأمم الماضية ، وعين منهم الثلاثة الأولى لأنهم كانوا أشدهم أبداناً ، وأكثرهم أعواناً ، وأقواهم آثاراً ، وأطولهم أعماراً ، لأن البطش إذا برز إلى الوجود كان أهول ، لأن النفس للمحسوس أقبل ، فقال دالاً على ما أرشدهم إليه من غناه سبحانه وحمده مخوفاً لهم من سطوات الله سبحانه : { ألم يأتكم } أي يا بني إسرائيل { نبأ الذين } ولما كان المراد قوماً مخصوصين لم يستغرقوا الزمان قال : { من قبلكم } ثم أبدل منهم فقال : { قوم } أي نبأ قوم { نوح } وكانوا ملء الأرض { و } نبأ { عاد } وكانوا أشد الناس أبداناً وأثبتهم جناناً { و } نبأ { ثمود } وكانوا أقوى الناس على نحت الصخور وبناء القصور { و } نبأ { الذين } ولما كان المراد البعض ، أدخل الجار فقال : { من بعدهم } أي في الزمن حال كونهم في الكثرة بحيث { لا يعلمهم } أي حق العلم على التفصيل { إلا الله } أي الذي له الإحاطة الكاملة ، كفروا فأهلكهم الله ولم يزل غنياً حميداً عند أخذهم وبعده كما كان قبله ، وكان ابن مسعود رضي الله عنه إذا قرأ هذه الآية قال : كذب النسابون . ثم فصل سبحانه خبرهم ، فقال - جواباً لمن كأنه قال : ما كان نبأهم ؟ { جاءتهم رسلهم بالبينات } وترك عطفه لشدة التباسه بالمستفهم عنه { فردوا } أي الأمم عقب مجيء الرسل من غير تأمل جامعين في تكذيبهم بين الفعل والقول { أيديهم في أفواههم } وهو أشارة إلى السكوت عن ذلك والتسكيت ، كأنه لا يليق أن يتفوه ولو على سبيل الرد ؛ قال الرازي في اللوامع : حكى أبو عبيد : كلمته في حاجتي فرد يده في فيه - إذا سكت ولم يجب . { و } بعد أن فعلوا ذلك لهذه الأغراض الفاسدة { قالوا } أي الأمم { إنا كفرنا } أي غطينا مرائي عقولنا مستهينين { بما } ولما كان رد الرسالة جامعاً للكفر ، وكانوا غير مسلّمين أن المرسل لهم هو الله ، بنوا للمفعول قولهم : { أرسلتم به } أي لأنكم لم تأتونا بما يوجب الظن فضلاً عن القطع ، فلذا لا يحتاج رده إلى تأمل . ولما كان ما أتى به الرسل يوجب القطع بما يعلمه كل أحد ، فكانوا بما قالوه في مظنة الإنكار ، أكدوا : { وإنا لفي شك } أي محيط بنا ، وهو وقوف بين الضدين من غير ترجيح أحدهما ، يتعاقب على حال الذكر ويضاد العلم والجهل . ولما كان الدعاء مسنداً إلى جماعة الرسل ، أثبت نون الرفع مع ضمير المتكلمين بخلاف ما مضى في هود ، فقالوا { مما } أي شيء { تدعوننا } أيها الرسل { إليه } أي من الدين { مريب } أي موجب للتهمة وموقع في الشك والاضطراب والفزع ، من أراب الرجل : صار ذا ريبة أي قلق وتزلزل .