Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 14, Ayat: 19-21)
Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ولما ذكر الآخرة في أول السورة ، ذكر ما هو ثابت لا نزاع فيه ، ثم جرّ الكلام إليه هنا على هذا الوجه الغريب ، وأتبعه مثل أعمال الكفار في الآخرة ، أتبع ذلك الدليل عليه وعلى أنه لا يسوغ في الحكمة في أعمال الضلال إلا الإبطال فقال : { ألم تر أن الله } أي الذي أحاط بكل شيء علماً وقدرة { خلق السماوات } على عظمها وارتفاعها { والأرض } على تباعد أقطارها واتساعها { بالحق } بالأمر الثابت من وضع كل شيء منها في موضعه على ما تدعو إليه الحكمة لا بالخيال والتمويه كالسحر ، ومن المعلوم أنهما ظرف ، ولا يكون المظروف الذي هو المقصود بالذات إلا مثل ظرفه أو أعلى منه ، فكيف يظن أنه يخلق شيئاً فيهما سدى بأن يكون باطلاً فلا يبطله ، أو حقاً فلا يحقه ، أم كيف يتوهم أنه - مع القدرة على إخراجهما من العدم وهما أكبر خلقاً وأعظم شأناً - لا يقدر على إعادة من فيهما وهم أضعف أمراً وأصغر قدراً ، أو خلقهما بسبب الحق وهو إعادة الناس إعادة يثبتون بها ويبقون بقاء لا فناء بعده ، فتسبب عن ذلك أنه عظيم القدرة ، فهو بحيث { أن يشأ يذهبكم } أي بنوع من أنواع الإذهاب : الموت أو غيره { ويأت بخلق جديد } غيركم أو يأت بكم بعد أن فنيتم بحيث تعودون - كما أنتم - خلقاً جديداً ؛ والجديد : المقطوع عنه العمل في الابتداء ، وأصله القطع ، فالجد أب الأب ، انقطع عن الولادة بالأب ، والجد ضد الهزل ، يقطع به المسافة حساً أو معنى { وما ذلك } الإذهاب والإتيان على عظمه { على الله } أي الملك الأعلى { بعزيز * } وهو الممتنع بوجه من وجوه الامتناع لأنه ليس مثل خلق السماوات والأرض فضلاً عن أن يكون أعظم منه ، فلا وجه لقولكم { هل ندلكم على رجل ينبئكم } [ سبأ : 7 ] ، الآية لأن من قدر على جميع الممكنات لا اختصاص له بمقدور دون مقدور ، فثبت بهذا إبعادهم في الضلال الموجب لهلاك أعمالهم - التي هي أسبابهم - الموجب لهلاكهم . ولما ثبت بهذا البرهان قدرته على الإعادة بعد الموت ، عطف على قوله : { لا يقدرون مما كسبوا على شيء } [ إبراهيم : 18 ] قوله - بياناً لهو أن البعث عنده وسهولته عليه - : { وبرزوا } أي في ذلك اليوم ، عبر بصيغة المضي الذي وجد وتحقق ، لأن أخبار الملوك يجب تحققها لقدرتهم وغناهم عن الكذب ، فكيف بملك الملوك ! وفيه من هز النفس وروعتها ما ليس في العبارة بالمضارع لمن تأمل المعنى حق التأمل { لله } أي الملك الأعظم { جميعاً } فكانوا بحيث لا يخفى منهم خافية على ما هو متعارفهم ، لأنه لا ساتر لهم ، فإن البروز خروج لشيء عما كان ملتبساً به إلى حيث يقع عليه الحس في نفسه ، وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون من العذاب ، فتقطعت بهم الأسباب { فقال الضعفاء } أي الأتباع من أهل الضلال بسبب علمهم أنهم في القبضة لا ملجأ لهم ، تبكيتاً لرؤسائهم وتوبيخاً ، تصديقاً لقوله تعالى : { الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين } [ الزخرف : 67 ] { للذين استكبروا } أي طلبوا الكبر وادعوه فاستتبعوهم به حتى تكبروا على الرسل وأتباعهم ولم يكن لهم ذلك . { إنا كنا } أي كوناً هو كالجبلة { لكم تبعاً } أي تابعين أو ذوي تبع فكنتم سبب ضلالنا ، وقد جرت عادة الأكابر بالدفع عن أتباعهم المساعدين لهم على أباطيلهم { فهل أنتم مغنون } أي دافعون { عنا من عذاب الله } أي الذي له العظمة كلها فلا يطاق انتقامه ، وأبلغوا بعد التبعيض بـ " من " الأولى في التقليل ، فقالوا : { من شيء } كأن العذاب كان محتاجاً إلى أخذهم فأغنوه بشيء غيرهم حتى يجاوزهم لو دفعوه عنهم ، فكأنه قيل : إن ذلك لعادة الرؤساء ، فماذا قالوا ؟ فقيل : { قالوا } علماً منهم بأنه لا طاقة لهم على نوع من أنواع التصرف : لا نغني عنكم شيئاً ، بل كل مجزي بما فعل ، علينا إثم ضلالنا في أنفسنا وإضلالنا لكم ، وعليكم ضلالكم وذبكم عنا وتقويتكم لجانبنا حتى استكبرنا فاستغرقنا في الضلال ، ولو أن الله هداكم حتى تبعتم الأدلة التي سمعتموها كما سمعناها وتركتمونا ، لكسر ذلك من شدتنا وأوهى من شوكتنا ، فكان ربما يكون سبباً لهدايتنا كما أنه { لو هدانا الله } أي المستجمع لصفات الكمال { لهديناكم } فكان يكون لنا جزاء اهتدائنا وهدايتنا لكم ، ولكم جزاء اهتدائكم وتقويتكم لنا على ذلك ، ولكنه لم يهدنا فضللنا وكنتم لنا تبعاً فأضللناكم . ولما كان الموجب لقولهم هذا الجزع ، قالوا : { سواء علينا } أي نحن وأنتم { أجزعنا } والجزع : انزعاج النفس بورود ما يغم { أم صبرنا } لا فائدة لنا في واحد منهما لأن الأمر أطم من ذلك فإنه { ما لنا من محيص } يصلح للمصدر والزمان والمكان ، أي محيد وزوال عن المكروه على كلا التقديرين ، فلم يبق في الجزاء إلا زيادة العذاب بسوء القالة وانتشار السبة ، وهذا الاستفهام ليس على بابه ، بل المراد به التنبيه على أنه حالهم مما ينبغي السؤال عنه وترديد الأمر فيه لينتهي عن مثله .