Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 15, Ayat: 31-35)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما أبلغ في تأكيد ما أفهمه الجمع ، استثنى فقال : { إلا إبليس } قيل : هو من قوم من الملائكة ، وقيل : بل - لكونه كان واحداً بينهم منضافاً إليهم عاملاً بأعمالهم - كان معموراً فيهم ، فكان كأنه منهم ، فصح استثناءه لذلك ، فكأنه قيل : ما فعل . فقيل استعظاماً لمخالفته : { أبى أن يكون } أي لشكاسة في جبلته { من الساجدين * } أو إنه لم يقل : فأبى - بالعطف ، لأن الاستثناء منقطع ، فإن إبليس من نار والملائكة من نور ، وهم لا يأكلون ولا يشربون ولا ينكحون بخلافه ، فكأنه قيل : فما فعل به الملك ؟ فقيل : لم يعاجله بالعقوبة ، بل أخره إلى أجله المحكوم به في الأزل كما أنه لم يعاجلكم لذلك ، فكأنه قيل : فما قال له ؟ فقيل : { قال } له ليقيم الحجة عليه عند الخلائق ظاهراً كما قدمت عليه الحجة في العلم باطناً : { يا إبليس } اختار هذا الاسم هنا لأن الإبلاس معناه اليأس من كل خير ، والسكون والانكسار ، والحزن والتحير ، وانقطاع الحجة والندم { مالك } أي شيء لك من الأعذار في { ألا تكون } أي بقلبك وقالبك { مع الساجدين * } لمن أمرتك بالسجود له وأنت تعلم مما أنا عليه من العظمة والجلال ما لا يعلمه كثير من الخلق { قال لم أكن } وأكد إظهاراً للإصرار والإضرار بالكبر فقال : { لأسجد لبشر } أي ظاهر البدن ، لا قدرة له على التشكل والتطور { خلقته من صلصال } أي طين يابس لا منعة فيه ، بل إذا نقر أجاب بالتصويت { من حمإ } أي طين متغير أسود كدر { مسنون * } أي مصور بصورة الفخار متهيىء للدلك ، لا يرد يد لامس ، وأنا خير منه لأنك خلقتني من نار نافعة بالإشراق ، ممتنعة ممن يريدها بالإحراق ، فخضوعي له منافٍ لحالي وممتنع مني ، وإلزامي به جور ، فكأنه قيل : فماذا أجيب ؟ فقيل : { قال فاخرج } أي تسبب عن كبرك أني أقول لك : اخرج { منها } أي من دار القدس ، قيل : السماء ، وقيل : الجنة { فإنك رجيم * } أي مطرود إذ الرجم لا يكون إلا لمن هو بعيد يراد الزيادة في إبعاده بل إهلاكه ، وعلة الإخراج أنها دار لا يقيم بها متكبر عاصٍ بمخالفة أمري ، فإن لي الحاكم النافذ والعظمة التامة المقتضية لوجوب الطاعة ، لا ينبغي لمن أمرته بما مر أن يتخلف عن أمري فضلاً عن أن يضرب لي الأمثال ، ويواجهني بالجدال ، طاعناً فيما لي من الجلال والجمال ؛ ثم أكد بُعده بالإخبار باستمراره فقال : { وإن عليك } أي خاصة { اللعنة } أي الكاملة للقضاء بالمباشرة لأسباب البعد { إلى يوم الدين * } أي إلى يوم انقطاع التكليف وطلوع صبح الجزاء بفناء الخلق أجمعين وفوات الأمد التي تصح فيه التوبة التي سبب القرب ، فذلك إيذان بدوام الطرد ، وتوالي البعد والمقت ، فلا يتمكن في هذا الأمد من عمل يكون سبباً للقرب من حضرة الأنس ، وجناب القدس ، ومن منع من التوبة عن الكفر في وقتها يعلم قطعاً أنه لا يغفر له ، فهو معذب أبداً .