Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 15, Ayat: 36-45)
Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ولما علم من هذا دوام لعنه ، لأنه منع التقرب في دار العمل ، وما بعد ذلك محل الجزاء لا العمل ، وكان ذلك مفهماً لإنظاره إلى ذلك الحد ، وكان ظاهره أن لعنه معني به ، كان كأنه قيل : فماذا قال حين سمع ذلك ؟ فقيل : { قال } ذاكراً صفة الإحسان والتسبب في سؤال الإنظار : { رب } فاعترف بالعبودية والإحسان إليه ، ولم يحمله ذلك على التوبة للحكم بدوام لعنه فلا يطمع طامع في إيمان من ختم بكفره بالإجابة إلى ما يقترح ، وأتى بفاء السبب لما فهم من الإملاء فقال : { فأنظرني } والإنظار : تأخير المحتاج للنظر في أمره { إلى يوم يبعثون * } فحمل يوم الدين على حقيقته ، وأراد التصريح بالإنظار إليه ليأمن الموت . فكأنه قيل : ماذا قيل له ؟ فقيل : { قال } له ربه : { فإنك } أي بسبب ما تقدم من الحكم { من المنظرين * } وقطع عليه ما دبج به من المكر فقال : { إلى } ولما كان اليوم ما يتم فيه أمر ظاهر ، وكانت الأيام الهائلة ثلاثة : زمان موت الأحياء الخارجين من دار الخلد ، ثم بعث الأموات ، ثم الفصل بينهم بإحلال كل فريق في داره ، قال : { يوم } ولما كان الوقت أدل ألفاظ الزمان على الأجل ، قال : { الوقت } ولما كان قد دبج في سؤاله هذا تدبيجاً أوهم تجاهله بتحتم الموت على كل مكلف ، بين تعالى أنه مما لا يجهل فقال : { المعلوم * } أي الذي قدرت عليك الموت فيه ، وهو النفخة الأولى وما يتبعها من موت كل مخلوق لم يكن في دار الخلد . ولما أفهم ما تقدم - كما قلنا - الحكم بإغوائه ، كان السامع كأنه قال : فماذا قال ؟ فقيل : { قال } منسوباً نفسه بالمعبود العلي - الذي لا يسأل عما يفعل ، وكل أفعاله عدل وحكمة - بعد أن رفع نفسه على العبد البشري : { رب } أي أيها الموجد والمربي لي وعزتك { بما أغويتني } أي بسبب إغوائك لي من أجلهم ، وللاهتمام بهذا السبب قدمه على جواب القسم الدال على المقسم به ، وهو قوله : { لأزينن لهم } أي تزييناً عظيماً ، المعاصي والمباحات الجارّة إليها الشاغلة عن الطاعة الصارفة عنها { في الأرض } أي التي هي محل الغفلة وهم منها ، والشيء إلى ما هو منه أميل ، فهي بهذا التقدير مساوية لآية " ص " " فبعزتك " ؛ والتزيين : جعل الشيء متقبلاً في النفس من جهة الطبع والعقل بحق أو بباطل { ولأغوينهم } أي بالإضلال عن الطريق الحميدة { أجمعين } انتقاماً لنفسي { إلا عبادك منهم } أي المشرفين بالإضافة إليك ، فهم لذلك لا يميلون عنك إلى شيء سواك ، فلذلك أبدل منهم { المخلصين * } فزاد بهذا الكلام في الضلال ، ولم يقدر أن يقول بدل ذلك : ربّ تب عليّ - ونحوه من الاستعطاف كما قال آدم عليه السلام لما حفه اللطف وداركه العفو ، فارعوا هذه النعمة ! والإخلاص : إفراد الشيء عما يشوبه من غيره ، فكأنه قيل : فبماذا أجيب ؟ فقيل : { قال } الله في جوابه ، راداً على ما أوهمه كلامه من أن له فعلاً يستقل به ، مكذباً له : { هذا } أي الذي ذكرته من حال المستثنى والمستثنى منه { صراط عليّ مستقيم * } لأني قضيت به ولو لم تقله أنت وحكمت به عليك وعليهم ، فلا محيص لكم عنه ، فكأنه قيل : عليّ إقامته ، أو هو وارد عليّ ألا عوج لسالكيه عن الرجوع إليّ والمرور عليّ - يعني أنه لا يقدر أحد أن يعمل شيئاً بغير إرادتي ، فإني بالمرصاد ؛ ثم شرح ذلك بقوله - مضيفاً جميع العباد إليه كما هو الحقيقة ، نافياً ما قد يوهمه الكلام من أن لإبليس عملاً مستقلاً - : { إن عبادي } أي عامة { ليس لك } أي بوجه من الوجوه { عليهم سلطان } أي لتردهم كلهم عما يرضيني { إلا من اتبعك } أي بتعمد منه ورغبة في اتباعك { من الغاوين } ومات عن غير توبة ؛ فإني جعلت لك عليهم سلطاناً بالتزيين والإغواء ، وقيل وهو ظاهر : إن الإضافة للتشريف ، فلا تشمل إلا الخلص ، فحينئذ يكون الاستثناء منقطعاً ، وفائدة سوقه بصورة الاستثناء - على تقدير الانقطاع - الترغيب في رتبة التشرف بالإضافة إليه والرجوع عن اتباع العدو إلى الإقبال عليه ، لأن ذوي الأنفس الأبية والهمم العلية ينافسون في ذلك المقام ، ويرونه - كما هو الحق - أعلى مرام { وإن جهنم لموعدهم } أي الغاوين من إبليس ومن شايعه { أجمعين * } ثم بين أنهم متفاوتون فيها فقال : { لها سبعة أبواب } قال الرماني : وهي أطباق بعضها فوق بعض - عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه والحسن وقتادة وابن جريح رحمهم الله { لكل باب منهم } أي الغاوين خاصة ، لا يشاركهم فيه مخلص { جزء مقسوم * } معلوم لنا من القدم لتقديرنا إياه ، لا يزيد شيئاً ولا ينقص شيئا ، فلا فعل فيه بغير التسبب الذي أظهرناه ، لنربط به الأحكام على ما يقتضيه عقولكم ومجاري عاداتكم ، وعن ابن جريح أن العليا جهنم ، ثم لظى ، ثم الحطمة ، ثم السعير ، ثم سقر ، ثم الجحيم ، ثم الهاوية ، وفي نسخة تقديم سقر على لظى ، وعن الضحاك أن العليا لأهل التوحيد ، ثم يخرجون ، والثانية للنصارى ، والثالثة لليهود ، والرابعة للصائبة ، والخامسة للمجوس ، والسادسة لمشركي العرب ، والسابعة للمنافقين ، والسبب في تصاعدها اختلاف أنواع الكفر في الغلط والخفة { ولا يظلم ربك أحداً } [ الكهف : 49 ] رحمة منه سبحانه ، ولعلها كانت سبعة باعتبار أصناف الكفار ، لأنهم إما معطلة أو مثبتة ، والمثبتة إما يهود أو صابئة أو نصارى أو مجوس أو عباد أوثان ، والكل إما مصارحون أو منافقون ، ولما كان المنافق لا يعرف ظاهراً من أيّها هو ؟ عدَّ قسماً واحداً ووكل أمره في ميزه إلى العليم الخبير ، ولما كان الكل عاملين بما لم يأذن به الله كانوا في حكم المعطلة ، لوصفهم الله بغير صفته ، فرجعت الأقسام إلى ستة ، فأضيفت إليها العصاة من كل فرقة فجعلت جزء الطبقة العليا من النار مقابلة لقسم المنافقين من كل أمة ، لعملهم أعمال الكفار مع الإيمان ، كما أن عمل المنافقين عمل المؤمنين مع الكفران ، فكانوا أخفى الكفار فكان لهم الدرك الأسفل من النار ، ثم رأيت في " رشف النصائح الإيمانية وكشف الفضائح اليونانية " للعارف بالله تعالى شهاب الدين عمر بن محمد السهروردي رحمه الله أنها جعلت سبعة على وفق الأعضاء السبعة من العين ، والأذن ، واللسان ، والبطن ، والفرج ، واليد ، والرجل ، لأنها مصادر السيئات ، فكانت مواردها الأبواب السبعة - وهو مأخوذ من كتاب المحاسبة من كتاب الإحياء للإمام الغزالي - ولما كانت هي بعينها مصادر الحسنات بشرط النية ، والنية من أعمال القلب ، زادت الأعضاء واحداً ، فجعلت أبواب الجنان ثمانية هذا معنى قوله ، قال : وأعمال القلوب من السيئات غير مؤاخذ بها . ولما ذكر الكافرين وما جرهم إلى الضلال ، وجرأهم على قبائح الأعمال ، ذكر المخلصين فقال - مؤكداً لإنكار المكذبين بالبعث : { إن المتقين } أي العريقين في هذا الوصف ؛ والمتقي : من جعل الإيمان بإخلاصه حاجزاً بينه وبين العقاب { في جنَّات وعيون } .