Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 15, Ayat: 46-52)
Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ولما كان المنزل لا يحسن إلا بالسلامة والأنس والأمن ، قال تعالى : { ادخلوها } أي يقال لهم ذلك { بسلام } أي سالمين من كل آفة ، مرحباً بكم ومسلماً عليكم حال الدخول { آمنين * } من ذلك دائماً . ولما كان الأنس لا يكمل إلا بالجنس مع كمال المودة وصفاء القلوب عن الكدر ، قال : { ونزعنا } أي بما لنا من العظمة { ما في صدورهم من غل } أي حقد ينغل أي ينغرز في القلب حال كونهم { إخواناً } أي متصافين ، حال كونهم { على سرر } جمع سرير ، وهو مجلس رفيع موطأ للسرور { متقابلين * } لا يرى بعضهم قفا بعض ؛ في آخر الثقفيات عن الجنيد رحمه الله أنه قال : ما أحلى الاجتماع مع الأصحاب ! وما أمرّ الاجتماع مع الأضداد ! ولما كان النظر في الدوام والمآل بعد ذلك ، قال : { لا يمسّهم فيها نصب } أي إعياء وتعب وجهد ومشقة { وما هم منها } ولما كان المنكى في كل شيء إنما هو الإكراه ، بني للمفعول قوله : { بمخرجين * } . ولما كان المفهوم من هذا السياق أن الناجي إنما هو المتقي المخلص الذي ليس للشيطان عليه سلطان ، وكان مفهوم المخلص من لا شائبة فيه ، وكان الإنسان محل النقصان ، وكان وقوعه في النقص منافياً للوفاء بحق التقوى والإخلاص ، وكان ربما أيأسه ذلك من الإسعاد ، فأوجب له التمادي في البعاد ، قال سبحانه - جواباً لمن كأنه قال : فما حال من لم يقم بحق التقوى ؟ { نبىء عبادي } أي أخبرهم إخباراً جليلاً { أني أنا } أي وحدي { الغفور الرحيم * } أي الذي أحاط - محوه للذنوب وإكرامه لمن يريد - بجميع ما يريد ، لا اعتراض لأحد عليه . ولما كان ذلك ربما سبباً للاغترار الموجب للإصرار ، قال تعالى : { وأن عذابي هو } أي وحده { العذاب الأليم * } أي الكامل في الإيلام ، فعلم أن الأول لمن استغفر ، والثاني لمت أصر ، وعرف من ذلك أن المتقين إنما دخلوا الجنة بعفوه ، والغاوين إنما عذبوا بعدله ، فهو لف ونشر مشوش - على ما هو الأفصح . ولما أتم سبحانه شرح قوله : { وليعلموا أنما هو إله واحد } وما تبعه من الدلالة على البعث ، شرع في شرح { وليذكر أولوا الألباب } بقصة الخليل عليه السلام وما بعدها مع الوفاء بذكر المعاد ، تارة تلويحاً وتارة تصريحاً ، والرجز عن الاجتراء على طلب الإتيان بالملائكة عليهم السلام ، والالتفات إلى قوله : { الحمد لله الذي وهب لي على الكبر اسماعيل واسحاق } [ إبراهيم : 39 ] في أسلوب شارح لما تعقبه هذه القصة ، فإن حصول القنوط سبب لآية المغفرة ، والإخبار بعذاب الأمم تمثيل لآية العذاب ليزدجر المخاطبون ، وأفراد لهم ذكر من هو أقرب إلى بلادهم ممن يعرفونه من المعذبين لأنه أوقع في النفس ، فقال تعالى : { ونبئهم } أي خبرهم إخباراً عظيماً { عن ضيف إبراهيم * } والضيف هو المنضم إلى غيره لطلب القرى ، فهؤلاء سموا بهذا الاسم لأنهم على صورة الضيف ، فهو من دلالة التضمن { إذ دخلوا عليه } أي إبراهيم عليه السلام { فقالوا } أي عقب الدخول { سلاماً } . ولما كان طلبهم في هذه الصورة للملائكة على وجه أوكد مما في سورة هود عليه السلام ، أشار لهم إلى ما في رؤية الملائكة من الخوف ولو كانوا مبشرين وفي أحسن صورة من صور البشر - بقوله : { قال } بلسان الحال أو القال : { إنا } أي أنا ومن عندي { منكم وجلون * } وأسقط ذكر جوابه بالسلام ، ولا يقدح ذلك فيما في سورة هود وغيرها من ذكره ، فإن إذ ظرف زمان بمعنى حين ، والحين قد يكون واسعاً ، فيذكر ما فيه تارة جميعه على ترتيبه ، وأخرى على غير ذلك ، وتارة بعضه مع إسقاط البعض مع صدق جميع وجوه الإخبار لكونه كان مشتملاً على الجميع ، وتكون هذه التصرفات على هذه الوجوه لمعانٍ يستخرجها من أراد الله .