Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 15, Ayat: 59-62)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما كان إرسالهم للعذاب ، قالوا مستثنين من الضمير في { مجرمين } أي قد أجرموا كلهم إجراماً عظيماً { إلا آل لوط } فاستثنوهم من أن يكونوا مجرمين ، المستلزم لكونهم ما أرسلوا لتعذيبهم ، فكان ذلك محركاً للنفس إلى السؤال عن حالهم ، فإنهم ممن وقع الإرسال بسببه ، فأجابوا بقولهم : { إنا لمنجوهم } أي تنجية عظيمة بتدريج الأسباب على العادة { أجمعين إلا امرأته } . فلما استثنوها من أن ينجّوها فكان أمرها محتملاً لأن تعذب ولأن ينجيها الله تعالى بسبب غيرهم ، تشوفت النفس للوقوف على ما قضى الله به من ذلك ، فقيل بإسناد الفعل إلى أنفسهم لما لهم من الاختصاص بالمقدر سبحانه : { قدرنا } ولما كان فعل التقدير متضمناً للعلم ، علقه عن قوله : { إنها } أي امرأته ، وأكد لأجل ما أشير إليه هنا من عظيم تشوف الخليل عليه السلام إلى معرفة أمرهم وتشديد سؤاله ، في نجاة لوط عليه السلام وجميع آله - كما مضى التصريح به في هود - فطماً له عن سؤال في نجاتها بخلاف ما في النمل ، فإن سياقها عار عن ذلك { لمن الغابرين } أي الباقين الذين لا ينجون مع لوط عليه السلام ، بل تكون في الهلاك والعبرة ؛ والآل - قال الرماني : أهل من يرجعون إلى ولايته ، ولهذا يقال : أهل البلد ، ولا يقال آل البلد ، والتقدير : جعل الشيء على مقدار غيره لتظهر المساواة والمباينة ، والغابر : الباقي فيمن يهلك . فلما تم ما أريد الإخبار عنه من تحاورهم مع إبراهيم عليه السلام ، أخبر عن أمرهم مع لوط عليه السلام ، فقال : { فلما } بالفاء الدالة على سرعة وصولهم إليه ، وكأنه ما اشتد إنكاره لهم إلا بعد الدخول إلى منزله ، إما لخوفه عليهم وهم لا يخافون ، أو غير ذلك من أحوال لا تشبه أحوال البشر فلذا قال : { جاء آل لوط } أي في منزله { المرسلون * } أي لإهلاك قومه { قال إنكم قوم } أي أقوياء { منكرون * } لا بد أن يكون عن إتيانكم إلى هذه البلدة شر كبير لأحد من أهل الأرض ، وهو معنى { سيء بهم } [ العنكبوت : 33 ] الآية ، فقدم حكاية إنكاره إياهم وإخبارهم عن العذاب لمثل ما تقدم في قصة إبراهيم عليه السلام من الزجر عن قولهم { لو ما تأتينا بالملائكة } المحتمل لإرادة جميع الملائكة { إن كنت من الصادقين } تعريفاً لهم بأن بعض الملائكة أتوا من كانا أكمل أهل ذلك الزمان على أجمل صور البشر ، مبشرين لهما ، ومع ذلك خافهم كل منهما ، فكيف لو كان منهم جمع كثير ؟ أم كيف لو كانوا على صورهم ؟ أم كيف لو كان الرائي لهم غيرهما ؟ أم كيف لو كان كافراً { يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين ويقولون حجراً محجوراً } [ الفرقان : 22 ] ويجوز أن يكون قوله لهم هذه المقالة إنما كان عند إخبارهم له بأنهم رسل الله ، ويكون المعنى حينئذ أنكم لستم على صفة الآتي بالوحي ، فقد اشتد على أمركم ، لكوني لا أعرفكم مع الاستيحاش منكم ، وذلك بعد محاورته لقومه ثم مقارعتهم عنهم ، فكان خائفاً عليهم ، فلما أخبروه أنهم ملائكة خاف منهم أن يكونوا أتوا بشيء يكرهه ، وقد تقدم آنفاً أن الإخبار عما كان في حين من الأحيان لا يضر تقديم بعضه على بعض ولا إسقاط بعض وذكر آخر ، ولم يزد هنا الحرف الذي أصله المصدر ، وهو " أن " كما في العنكبوت ، لأن استنكاره لهم وإن كان مرتباً على مجيئهم إلا أنه ليس متصلاً بأوله بخلاف المساءة .