Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 114-115)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما تقرر بما مضى من أدلة التوحيد ، فثبت ثباتاً لا يتطرق إليه شك أن الله هو الإله وحده كما أنه هو الرازق وحده ، ونبههم على دقائق في تقديره للأرزاق تدل على عظمته وشمول علمه وقدرته واختياره ، فثبت أنهم ظالمون فيما جعلوا للأصنام من رزقه ، وأنه ليس لأحد أن يتحرك إلا بأمره سبحانه ، وختم ذلك بهذا المثل المحذر من كفران النعم ، عقبه بقوله تعالى صاداً لهم عن أفعال الجاهلية : { فكلوا } أي فتسبب عن جميع ما مضى أن يقال لهم : كلوا { مما رزقكم الله } أي الذي له الجلال والجمال مما عده لكم في هذه السورة وغيرها ، حال كونه { حلالاً طيباً } أي لا شبهة فيه ولا مانع بوجه { واشكروا نعمت الله } أي الذي له صفات الكمال حذراً من أن يحل بكم ما أحل بالقرية الممثل بها { إن كنتم إياه } أي وحده { تعبدون * } كما اقتضته هذه الأدلة ، لأن وحده هو الذي يرزقكم وإلا عاجلكم بالعقوبة لأنه ليس بعد العناد عن البيان إلا الانتقام ، فصار الكلام في الرزق والتقريع على عدم الشكر مكتنفاً الأمثال قبل وبعد . ولما كان الإذن إنما هو في بعض الرزق في الحال المذكور فاحتيج إلى معرفته ، وكانت المباحات أكثر من المحظورات ، حصر القليل ليعلم منه الكثير ، لأن كل ضدين معروفين إجمالاً عُين أحدهما ، عرف من تعيينه الآخر ، فقال تعالى : { إنما حرم } أي الله الذي لا أمر لأحد معه { عليكم الميتة } التي بينت على لسان الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنها ميتة وإن ذكيت { والدم ولحم الخنزير } خصه بالذكر بعد دخوله في الميتة لاتخاذ النصارى أكله كالدين { وما أهل } أي بأيّ إهلال كان من أي مهل كان . ولما كان مقصود السورة لبيان الكمال ، كان تقديم غيره لتقبيح حال المعتنى به أولى فقال تعالى : { لغير الله } أي الملك الأعظم الذي لا ملك سواه { به } . ولما كان الإنسان قد يضطر إلى أكل كلّ ما يمكن أكله ، بين لهم أنه رفق بهم فأباح لهم سد الرمق من الحرام فقال تعالى : { فمن اضطر } أي كيفما وقع له الاضطرار { غير باغ } على مضطر آخر { ولا عاد } سدَّ الرمق . ولما كان الإذن في الأكل من هذه الأشياء حال الضرورة إنما هو رخصة ، وكانت الشهوة داعية إلى ما فوق المأذون فيه قال تعالى : { فإن الله } أي المختص بصفات الكمال ، بسبب تناوله منها على ما حده { غفور رحيم * } فمن زاد على ما أذن له فيه فهو جدير بالانتقام .