Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 116-119)
Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ولما تبين بهذه الآية - كما مضى تقريره في الأنعام - جميع المحرم أكله من الحيوانات ، فعلم بذلك جهلهم فيما حرموه على أنفسهم لأجل أصنامهم ، صرح بالنهي عنه إبلاغاً في تأكيد ذلك الحصر فقال تعالى : { ولا تقولوا } أي بوجه من الوجوه في وقت ما . ولما كان تحليلهم وتحريمهم قولاً فارغاً ليس له حقيقة أصلاً ، لأنه لا دليل عليه ، عبر عنه بأنه وصف باللسان لا يستحق أن يدخل إلى القلب فقال تعالى : { لما تصف } أي لأجل الذي تصفه { ألسنتكم } أي من الأنعام والحروث والزروع . ولما حرك النفس إلى معرفة ما يقال لأجل ذلك ، بين مقول ذلك القول فقال تعالى : { الكذب } أي القول الذي هو عين الكذب . ولما اشتد التشوف إلى تعيين ذلك المقول ، أبدل منه فقال تعالى : { هذا حلال وهذا حرام } ويجوز أن يكون { الكذب } مفعول { تصف } فتكون { ما } مصدرية ، أي لوصفها إياه ، فكأن حقيقة الكذب كانت مجهولة فلم تعرف إلا بوصف ألسنتهم لها ، فهو مبالغة في وصف كلامهم بالكذب ، وما بعده مقول القول . ولما كانوا - كما تقدم يدعون أنهم أعقل الناس ، فكان اللائق بهم إرخاءً للعنان النسبة إلى معرفة اللوازم عند الإقدام على الملزومات ، قال تعالى : { لتفتروا على الله } أي الملك الأعلى { الكذب } لأن من قال على أحد ما لم يأذن فيه كان قوله كذباً ، وكان كذبه لقصد افتراء الكذب ، وإلا لكان في غاية الجهل ، فدار أمرهم في مثل هذا بين الغباوة المفرطة أو قصد ما لا يقصده عاقل ، وهذا باب من التهكم عجيب ، فكأنه قيل : فما يستحقون على ذلك ؟ فأجاب بقوله تعالى : { إن الذين يفترون } أي يقتطعون عمداً { على الله } أي الذي له الأمر كله { الكذب } منكم ومن غيركم { لا يفلحون * } . ولما كان الفلاح عندهم هو العيش الواسع في هذه الدنيا ، أجاب من كأنه قال : فإنا ننظرهم بنعمة ورفاهة ؟ فقال تعالى : { متاع قليل } أي ما هم فيه لفنائه وإن امتد ألف عام { ولهم } بعده { عذاب أليم * } ومن ألمه العظيم دوامه فأيّ متاع هذا . ولما بين لهم نعمته بتوسعته عليهم بما ضيقوا به على أنفسهم ، بين لهم نعمة أخرى بتمييزهم على بني إسرائيل فقال تعالى : { وعلى الذين هادوا } أي اليهود { حرمنا } أي بعظمتنا عقوبة لهم بعدوانهم وكذبهم على ربهم { ما قصصنا } أي بما لنا من العظمة التي كان المقصوص بها معجزاً { عليك } . ولما لم يكن قص ذلك عليه صلى الله عليه وعلى آله وسلم مستغرقاً زمان القبل ، أدخل الجار فقال : { من قبل } أي في الأنعام { وما ظلمناهم } أي الذين وقع منهم الهود بتحريمنا عليهم ما حرمنا { ولكن كانوا } أي دائماً طبعاً لهم وخلقاً مستمراً { أنفسهم } أي خاصة { يظلمون * } أي بالبغي والكفر ، فضيقنا عليهم معاملة بالعدل ، وعاملناكم أنتم حيث ظلمتم بالفضل ، فاشكروا النعمة واحذروا غوائل النقمة . ولما بين هذه النعمة الدنيوية عطف عليها نعمة هي أكبر منها جداً ، استجلاباً لكل ظالم ، وبين عظمتها بحرف التراخي فقال تعالى : { ثم إن ربك } أي المحسن إليك { للذين عملوا السوء } وهو كل ما من شأنه أن يسوء ، وهو ما لا ينبغي فعله { بجهالة } كما عملتم وإن عظم فعلهم وتفاحش جهلهم { ثم تابوا } . ولما كان سبحانه يقبل اليسير من العمل ، أدخل الجار فقال تعالى : { من بعد ذلك } أي الذنب ول كان عظيماً ، فاقتصروا على ما أذن فيه خالقهم { وأصلحوا } بالاستمرار على ذلك { إن ربك } أي المحسن إليك بتسهيل دينك وتيسيره . ولما كان إنما يغفر بعد التوبة ما عدا الشرك الواقع بعدها ، أدخل الجار فقال تعالى : { من بعدها } أي التوبة وما تقدمها من أعمال السوء { لغفور } أي بليغ الستر لما عملوا من السوء { رحيم * } أي محسن بالإكرام فضلاً ونعمة .