Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 4-6)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما كان خلق السماوات والأرض غيباً لتقدمه ، وكان خلق الإنسان على هذه الصفة شهادة ، مع كونه أدل على ذلك من حيث إنه أشرف من كل ما يعبده من دون الله ، ولن يكون الرب أدنى من العبد أصلاً ، قال معللاً : { خلق الإنسان } أي هذا النوع الذي خلقه أدل ما يكون على الوحدانية والفعل بالاختيار ، لأنه أشرف ما في العالم السفلي من الأجسام لمشاركته للحيوان الذي هو أشرف من غيره بالقوى الشريفة من الحواس الظاهرة والباطنة ، والشهوة والغضب ، واختصاصه بالنطق الذي هو إدراك الكليات والتصرف فيها بالقياسات { من نطفة } أي آدم عليه السلام من مطلق الماء ، ومن تفرع منه بعد زوجه من ماء مقيد بالدفق . ولما كان - مع مشاركته لغيره من الحيوان في كونه من نطفة - متميزاً بالنطق المستند إلى ما في نفسه من عجائب الصنع ولطائف الإدراك ، كان ذلك أدل دليل على كمال قدرة الفاعل واختياره ، فقال تعالى : { فإذا هو } أي الإنسان المخلوق من الماء المهين { خصيم } أي منطيق عارف بالمجادلة { مبين * } أي بين القدرة على الخصام ، وموضح لما يريده غاية الإيضاح بعد أن كان ما لا حسّ به ولا حركة اختيارية عنده بوجه ، أفلا يقدر الذى ابتدأ ذلك على إعادته ! ولما صار التوحيد بذلك كالشمس ، وكان كل ما في الكون - مع أنه دال على الوحدانية - نعمة على الإنسان يجب عليه شكرها ، شرع يعدد ذلك تنبيهاً له على وجوب الشكر بالتبرؤ من الكفر ، فقال مقدماً الحيوانات لأنها أشرف من غيرها ، وقدم منها ما ينفع الإنسان لأنه أجلّ من غيره . مبتدئاً بما هو أولاها بالذكر لأنه أجلّها منفعة في ضرورات المعيشة وألزمها لمن أنزل الذكر بلسانهم : { والأنعام } أي الأزواج الثمانية : الضأن والمعز والإبل والبقر { خلقها } غير ناطقة ولا مبينة مع كونها أكبر منكم خلقاً وأشد قوة . ولما كان أول ما يمكن أن يلقى الإنسان عادة من نعمها اللباس ، بدأ به ، فقال على طريق الاستئناف : { لكم فيها دفء } أي ما يدفأ به فيكون منه حر معتدل من حر البدن الكائن بالدثار بمنع البرد ، وثنى بما يعم جميع نعمها التي منها اللبن فقال : { ومنافع } ثم ثلث بالأكل لكونه بعد ذلك فقال تعالى : { ومنها تأكلون * } وقدم الظرف دلالة على أن الأكل من غيرها بالنسبة إلى الأكل منها مما لا يعتد به ، ثم تلاه بالتجمل لأنه النهاية لكونه للرجال فقال تعالى : { ولكم } أي أيها الناس خاصة { فيها } أي الأنعام { جمال } أي عظيم . ولما كان القدوم أجل نعمة وأبهج من النزوح ، قدمه فقال : { حين يريحون } بالعشي من المراعي وهي عظيمة الضروع طويلة الأسنمة { وحين تسرحون * } بالغداة من المُراح إلى المراعي ، فيكون لها في هاتين الحالتين من الحركات منها ومن رعاتها ومن الحلب والتردد لأجله وتجاوب الثغاء والرغاء أمر عظيم وأنس لأهلها كبير .