Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 59-61)
Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ولما كان سواد الوجه والكظم قد لا يصحبه الخزي ، وصل به قوله تعالى : { يتوارى } أي يستخفي بما يجعله في موضع كأنه الوراء لا اطلاع لأحد عليه { من القوم } أي الرجال الذين هو فيهم { من سوء ما بشر به } لعده له خزياً ، ثم بين ما يلحقه من الحيرة في الفكر عند ذلك بقوله تعالى : { أيمسكه على هون } أي ذلك وسفول أمر ، ولما كانوا يغيبون الموءودة في الأرض على غير هيئة الدفن ، عبر عنه بالدس فقال تعالى : { أم يدسه في التراب } قال ابن ميلق : قال المفسرون : كانت المرأة إذا أدركها المخاض احتفرت حفيرة وجلست على شفيرها ، فإن وضعت ذكراً أظهرته ، وظهر السرور أهله ، وإن وضعت أنثى استأذنت مستولدها ، فإن شاء أمسكها على هون وإن شاء أمر بإلقائها في الحفيرة ورد التراب عليها وهي حية لتموت - انتهى . قالوا : وكان الوأد في مضر وخزاعة وتميم . ولما كان حكمهم هذا بالغاً في القباحة ، وصفه بما يستحقه فقال مؤكداً لقبحه : { ألا ساء ما يحكمون * } أي بجعل ما يكرهونه لمولاهم الذي لا نعمة عندهم إلا منه ، وجعل ما يختارونه لهم خاصاً بهم . ولما كان شرح هذا أنهم تكلموا بالباطل في جانبه تعالى وجانبهم ، بين ما هو الحق في هذا المقام ، فقال تعالى على تقدير الجواب لمن كأنه قال : فما يقال في ذلك ؟ مظهراً في موضع الإضمار ، تنبيهاً على الوصف الذي أوجب الإقدام على الأباطيل من غير خوف : { للذين لا يؤمنون } أي لا يوجدون الإيمان أصلاً { بالآخرة مثل } أي حديث { السوء } من الضعف والحاجة والذل والرعونة { ولله } أي الذي له الكمال كله { المثل } أي الحديث أو المقدار أو الوصف أو القياس { الأعلى } من الغنى والقوة وجميع صفات الكمال بحيث لا يلحقه حاجة ولا ضعف ولا شائبة نقص أصلاً ، وأعدل العبارات عن ذلك لا إله إلا الله ، ويتأتى تنزيل المثل على الحقيقة كما سيأتي إيضاحه إن شاء الله تعالى في سورة الروم . ولما كان أمره سبحانه وتعالى أجل مما تدركه العقول ، وتصل إليه الأفهام ، أشار إلى ذلك بقوله تعالى : { وهو } لا غيره { العزيز } الذي لا يمتنع عليه شيء فلا نظير له { الحكيم * } الذي لا يوقع شيئاً إلا في محله ، فلو عاملهم بما يستحقونه من هذه العظائم التي تقدمت عنهم لأخلى الأرض منهم { ولو يؤاخذ الله } أي الملك الأعظم الذي له صفات الكمال { الناس } كلهم . ولما كان السياق للحكمة ، وكان الظلم - الذي هو إيقاع الشيء في غير موقعه - شديد المنافاة لها ، وكان الشرك - الذي هذا سياقه - أظلم الظلم ، قال معبراً بالوصف الشامل لما وقع منهم منه بالفعل ولما هم منطوون وهو وصف لهم ولم يباشروه إلى الآن بالفعل قال : { بظلمهم } أي يعاملهم معاملة الناظر لخصمه المعامل له بمحض العدل من غير نظر إلى الفضل ، وعبر بصيغة المفاعلة لأن دلالتها على المناقشة أبلغ { ما ترك } ولما اقتضى الحال ذكر الظلم ، وكان سياق هذه الآية أغلظ من سياق فاطر ، عبر بما يشمل كل محمول الأرض سواء كان على الظهر أو في البطن مغموراً بالماء أو لا فقال تعالى : { عليها } أي الأرض المعلوم أنها مستقرهم المدلول عليها التراب ، وأعرق في النفي فقال تعالى : { من دآبة } أي نفس تدب على وجه الأرض ، لأن الكل إما ظالم يعاقب بظلمه ، وإما من مصالح الظالم فيهلكه عقوبة للظالم ، أو لأنه ما خلقهم إلا للبشر ، فإذا أهلكهم أهلكهم كما وقع قريب منه في زمن نوح عليه السلام { ولكن } لا يفعل بهم ذلك فهو { يؤخرهم } إمهالاً بحكمته وحلمه { إلى أجل مسمى } ضربه لهم في الأزل . ولما قطع العلم بالغاية عما يكون ، سبب عن ذلك الإعلام بما يكون فيه فقال : { فإذا جاء أجلهم } الذي حكم بأخذهم عنده { لا يستأخرون } أي عنه { ساعة } أي وقتاً هو عام التعارف بينكم ، ثم عطف على جملة الشرط من أولها قوله تعالى : { ولا يستقدمون * } أي عن الأجل شيئاً .