Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 62-64)
Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ولما كان ما تقدم أمارة على كراهتهم لما نسبوه إلى الله تعالى ، أتبعه التصريح بعد التلويح بقوله تعالى : { ويجعلون لله } أي وهو الملك الأعظم { ما يكرهون } أي لأنفسهم ، من البنات والأموال والشركاء في الرئاسة ، ومن الاستخفاف برسلهم وجنودهم والتهاون برسالاتهم ، ثم وصف جراءتهم مع ذلك ، الكائنة في محل الخوف ، المقتضية لعدم التأمل اللازم لعدم العقل فقال : { وتصف } أي تقول معتقدة مع القول الصفاء ، ولما كان قولاً لا حقيقة له بوحه ، أسنده إلى اللسان فقال : { ألسنتهم } أي مع ذلك مع أنه قول لا ينبغي أن يتخيله عاقل { الكذب } ثم بينه بقوله : { أن لهم الحسنى } أي عنده ، ولا جهل أعظم ولا حكم أسوأ من أن تقطع بأن من تجعل له ما تكره يجعل لك ما تحب ، فكأنه قيل : فما لهم عنده ؟ فقيل : { لا جرم } أي لا ظن ولا تردد في { أن لهم النار } التي هي جزاء الظالمين { وأنهم مفرطون * } أي مقدمون معجلون إليها بتقديم من يسوقهم وإعجاله لهم ؛ وقال الرماني : متروكون فيها ، من قول العرب : ما أفرطت ورائي أحداً ، أي ما خلفت ولا تركت ، وقرأ نافع بالتخفيف والكسر ، أي مبالغون في الإسراف والجراءة على الله . ولما بين مآلهم ، وكانوا يقولون : إن لهم من يشفع فيهم ، بين لهم ما يكون من حالهم ، بالقياس على أشكالهم تهديداً ، وتسلية للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، فقال تعالى : { تالله } أي الملك الأعلى { لقد أرسلنا } أي بما لنا من العظمة ، رسلاً من الماضين { إلى إمم } ولما كان الإرسال بالفعل لم يستغرق زمان القبل ، قال : { من قبلك } كما أرسلناك إلى هؤلاء { فزين لهم الشيطان } أي المحترق بالغضب . المطرود باللعنة { أعمالهم } كما زين لهؤلاء فضلوا كما ضلوا فأهلكناهم { فهو } لا غيره { وليهم اليوم } بعد إهلاكهم حال كونهم في النار ولا قدرة له على نصرهم { ولهم عذاب أليم * } فلا ولي لأنه لو قدر على نصرهم لما أسلمهم للهلاك وقد أطاعوه ، بل لو عدموا ولايته كان ذلك أولى لهم ، فهو نفي لأن يكون لهم ولي على أبلغ الوجوه . ولما كان حاصل ما مضى الخلاف والضلال والنقمة ، كان كأنه قيل : فبين لهم وخوفهم ليرجعوا ، فإنا ما أرسلناك إلا لذلك { وما أنزلنا } أي بما لنا من العظمة من جهة العلو { عليك الكتاب } أي الجامع لكل هدى . ولما كان في سياق الدعاء والبيان عبر بما يقتضي الإيجاب فقال : { إلا لتبين } أي غاية البيان { لهم } أي لمن أرسلت إليهم وهم الخلق كافة { الذي اختلفوا فيه } من جميع الأمور ديناً ودنيا لكونك أغزرهم علماً وأثقبهم فهماً ، وعطف على موضع " لتبين " ما هو فعل المنزل ، فقال تعالى : { وهدى } أي بياناً شافياً { ورحمة } أي وإكراماً بمحبة . ولما كان ذلك ربما شملهم وهم على ضلالهم ، نفاه بقوله تعالى : { لقوم يؤمنون * } والتبيين : معنى يؤدي إلى العلم بالشيء منفصلاً عن غيره ، وقد يكون عن المعنى نفسه ، وقد يكون عن صحته ، والبرهان لا يكون إلا عن صحته فهو أخص ، والاختلاف : ذهاب كل إلى غير جهة صاحبه ، والهدى : بيان طريق العلم المؤدي إلى الحق .