Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 51-52)
Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ولما كان الشريك لا يستأثر بفعل أمر عظيم في المشترك فيه من غير علم لشريكه به ، قال معللاً للذم على هذا الظلم بما يدل عل حقارتهم عن هذه الرتبة ، عادلاً في أسلوب التكلم إلى التجريد عن مظهر العظمة لئلا يتعنت من أهل الإشراك متعنت كما عدل في { دوني } لذلك : { ما أشهدتهم } أي إبليس وذريته { خلق السماوات والأرض } نوعاً من أنواع الإشهاد { ولا خلق أنفسهم } إشارة إلى أنهم مخلوقون وأنه لا يصح في عقل عاقل أن يكون مخلوق شريكاً لخالقه أصلاً { وما كنت } أي أزلاً وأبداً متخذهم ، هكذا الأصل ولكنه أبرز إرشاداً إلى أن المضل لا يستعان به ، لأنه مع عدم نفعه يضر ، فقال تعالى : { متخذ المضلين عضداً * } إشارة إلى أنه لا يؤسف على فوات إسلام أحد ، فإن من علم الله فيه خيراً أسمعه ، ومن لم يسمعه فهو مضل ليس أهلاً لنصرة الدين . ولما أقام البرهان القاطع على بعد رتبتهم عن المنزلة التي أحلوهم بها من الشرك ، أتبعه التعريف بأنهم مع عدم نفعهم لهم في الدنيا يتخلون عنهم في الآخرة أحوج ما يكونون إليهم تخييباً لظنهم أنهم يقربونهم إلى الله زلفى ، فقال تعالى عاطفاً على { إذ قلنا } عادلاً إلى مقام الغيبة ، إشارة إلى بعدهم عن حضرته الشماء وتعاليه عما قد يتوهم من قوله تعالى { وعرضوا على ربك صفاً لقد جئتمونا } [ الكهف : 48 ] في حجب الجلال والكبرياء ، وجرى حمزة في قراءته بالنون على أسلوب التكلم الذي كان فيه مع زيادة العظمة : { ويوم } أي واذكر يوم { يقول } الله لهم تهكماً بهم : { نادوا شركاءي } وبين أن الإضافة ليست على حقيقتها ، بل هي توبيخ لهم فقال تعالى : { الذين زعمتم } أنهم شركاء { فدعوهم } تمادياً في الجهل والضلال { فلم يستجيبوا لهم } أي لم يطلبوا ويريدوا أن يجيبوهم إعراضاً عنهم استهانة بهم واشتغالاً بأنفسهم فضلاً عن أن يعينوهم . ولما كانوا في غاية الاستبعاد لأن يحال بينهم وبين معبوداتهم ، قال في مظهر العظمة : { وجعلنا بينهم } أي المشركين والشركاء { موبقاً * } أي هلاكاً أو موضع هلاك ، فاصلاً حائلاً بينهم ، مهلكاً قوياً ثابتاً حفيظاً ، لا يشذ عنه منهم أحد ، وإنما فسرته بذلك لأنه مثل قوله تعالى { فزيلنا بينهم } [ يونس : 28 ] أي بالقلوب أي جعلنا ما كان بينهم من الوصلة عداوة ، ومثل قوله تعالى { ربنا هؤلاء أضلونا فأتهم عذاباً ضعفاً من النار } [ الأعراف : 38 ] { هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعو من دونك } [ النحل : 86 ] ونحوه ، لأن معنى ذلك كله أنه يبدل ما كان بينهم من الود في الدنيا والوصلة ببغض وقطيعة كما قال تعالى { ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضاً } [ العنكبوت : 25 ] وأن كل فريق يطلب للآخر الهلاك ، فاقتضى ذلك اجتماع الكل فيه ، هذا ما يرشد إلى المعنى من آيات الكتاب ، ونقل ابن كثير عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنه قال : هو واد عميق فرق به يوم القيامة بين أهل الهدى وأهل الضلالة ، وقال الحسن البصري : عداوة . وأما أخذه من اللفظ فلأن مادة وبق - يائية وواوية مهموزة وغير مهموزة ، ولها أحد عشر تركيباً : واحد يائي : بقي ، وستة واوية : قبو ، قوب ، بقو ، بوق ، وقب ، وبق ، وأربعة مهموزة : قبأ ، قأب ، بأق ، أبق - كلها تدور على الجمع ، وخصوصاً ترتيب وبق يدور على الحائل بين شيئين ، ويلزمه القوة والثبات والحفظ والهلاك قوة أو فعلاً ، لأن من حيل بينه وبين شيء فقد هلك بفقد ذلك الشيء بالفعل إن كان الحائل موتاً ، وبالقوة إن كان غيره ، يقال : قبل الشيء : جمعه بأصابعه ، والبناء : رفعه ، والزعفران : جناه ، والقبا - بالقصر : نبت - لأنه سبب الاجتماع لرعيه والانتفاع به وهو يجمع أيضاً ، والقبا : تقويس الشيء - لأنه أقرب إلى اجتماع بعض أجزائه ببعض ، والقبوة : انضمام ما بين الشفتين ، ومنه القباء من الثياب ، وقباه تقبية : عباه ، أي جمعه حتى صار كأنه في مكان مقبو ، وقبى عليه تقبية : عدا عليه في أمره - لأنه كان كأنه أوقعه في حفرة ، والثوب : جعل منه قباء ، وتقبى القباء : لبسه ، وزيداً : أتاه من قفاه - لأن من يريد رمي أحد في حفرة كذلك يأتيه مخاتلة ، وتقبى الشيء : صار كالقبة ، وامرأة قابية : تلقط العصفر وتجمعه ، والقابياء : اللئيم - لأنه بناء مبالغة ، فيدل على كثرة الجمع والحرص اللازمين للؤم ، وبنو قابياء : المجتمعون لشرب الخمر - لأنها حالة تظهر لؤم اللئام ، وقباء - بالضم ويذكر ويقصر - موضع قرب المدينة الشريفة ، وموضع بين مكة والبصرة ، وانقبى : استخفى ، وقبى قوسين وقباء قوسين - ككساء : قاب قوسين ، والمقبي : الكثير الشحم - كأنه جمع لنفسه منه بالراحة ما صار كالبناء ، والقباية : المفازة - لأنها تجمع ما فيها كما تجمع القبة والقباء والوقبة ما فيها . ومن مهموزة : قبأ الطعام - كجمع : أكله ، ومن الشراب : امتلأ ، والقباءة : حشيشة ترعى - لأن المال يجتمع على رعيها . ومن الواوي : قاب الأرض يقوبها وقوّبها : حفر فيها شبه التقوير - لأن الدائرة أجمع ما يكون لغيرها وفي نفسها ، لأنه لا زوايا فيها فاصلة ، وقوبت الأرض : آثرت فيها ، والقوبة : ما يظهر في الجسد ويخرج عليه - لأنه يكون غالباً على هيئة الدائرة ، وتقوب جلده : تقلع عنه الجرب ، وانحلق عنه الشعر - إما من الإزالة ، وإما لأن آثاره تكون كالدوائر ، وقوب الشيء : قلعه من أصله - لأن أثره إذا انقلع يكون حفراً مستديراً ، وتقوب هو : تقلع ، والقائبة والقابة : البيضة - لأنها لتدويرها تشبه ذلك الحفر ، والقوب - بالفتح : فلق الطير بيضه ، وبالضم : الفرخ - لأنه منها ، وفي المثل : تخلصت قائبة من قوب - يضرب لمن انفصل من صاحبه ، والقوبيّ : المولع بأكل الأقواب أي الفراخ ، والقوب - كصرد : قشور البيض ، وتقوبت البيضه : انقابت أي انحفرت ، وأم قوب : الداهية - لجمعها ما تأتي عليه كأنه ابتلعه حفر ، وقاب : قرب - لأن القرب مبدأ الجمع ، وقاب : هرب ، أي سلب القرب - ضد ، وقاب : فلق ، أي شق الجمع فهو من الإزالة أيضاً ، وقاب قوس وقيبه ، أي قدره - لأن القوس شبه نصف دائرة من ذلك الحفر ، والقاب : ما بين المقبض والسية - لأنه بعض ذلك ، ولكل قوس قابان ، والأسود المتقوب : الذي انسلخ جلده من الحيات - لتدوّر ذلك الجلد وشبهه بالحفرة ، واقتاب الشيء : اختاره ، أي جمعه إليه ، ورجل مليء قوبة - كهمزة : ثابت الدار مقيم - من الثبات الذي هو لازم الجمع ، وقوب من الغبار : اغبر - إما لأن من يحفر ذلك بغير ، وإما لأن الغبار كثر عليه حتى غطاه فصار له مثل تلك الحفرة . ومن مهموزه : قأب الطعام - كمنع : أكله ، والماء : شربه كقئبه - كفرح ، أو شرب كل ما في الإناء ، وقئب من الشراب : تملأ ، وهو مقأب - كمنبر : كثير الشرب للماء ، وإناء قَوأب : كثير الأخذ للماء - فهو كما ترى جمع مخصوص بالأكل والشرب ، أو أنه جمعه في وقبة بطنه . ومن الواوي : بقاه بعينه : نظر إليه - فهو من الحفظ اللازم للجمع ، وابقُه بَقْوَتَك مالَك ، وبقاوتك مالك أي احفظه حفظك مالك ، وبقوته : انتظرته - وهو يرجع إلى الثبات والمراقبة التي ترجع إلى الحفظ ، ويلزم الحفظ الثبات . ومن اليائي : بقي الشيء بقاء : ثبت ودام ضد فني ، والاسم البقوى - كدعوى ، ويضم ، والبقيا - بالضم والبقية ، وقد توضع الباقية موضع المصدر . ومن واويّه : البوقة : الجمع والدفعة من المطر الشديد أو المنكرة تنباق - أنها نزلت من وقبة لشدتها ، والبوائق : العوائد - لأنها جامعة لمن اعتادها ، والبوائق : الشر - لأنه مهلك ، فكأنه موقع في المهالك ، والبوق - بالضم : شبه منقاب ينفخ فيه الطحان ، أو الذي ينفخ فيه مطلقاً ويرمز - لأنه لتجويفه يشبه الوقبة ، والبوق أيضاً : الباطل والزور - لأن صوته أشبع شيء بذلك ، والمبوق - كمعظم : الكلام الباطل ، والبوق - بالفتح : من لا يكتم السر - لأن البوق متى نفخ فيه صوّت ، والبوقة : شجرة دقيقة - لأنها لدقتها يسرع إليها الهلاك كمن وقع فيه وقبة ، والبائقة : الداهية - كأنها تدفع من أتته في الوقبة ، وانباقت عليه بائقة : انفتقت ، وباق : جاء بالشر والخصومات - من ذلك ، وكذا باق ، أي تعدى على إنسان ، وانباق به : ظلمه ، والبائقةُ القومَ : أصابتهم ، كانباقت عليهم ، أي خرجت لشدتها من وقبة ، والباقة : الحزمة من بقل - لاجتماعها ، وباق بك : طلع عليك من غيبة - كأنه كان في حفرة فخرج ، ومنه باق فلان : هجم على قوم بغير إذنهم ، وباق القوم : سرقهم ، وباق به : حاق به ، أي - أحاط كما تحيط الوقبة ، وباق القوم عليه : اجتمعوا فقتلوه ظلماً ، وباق المال : فسد وبار - كحال من وقع في حفرة ، ومنه متاع بائق : لا ثمن له ، وتبوّق في الماشية : وقع فيها الموت وفشا ، والحاق باق : صوت الفرج عند الجماع - لأنه من الجمع ، ولأن الفرج وقبة ، ومن مهموزه : بأقتهم الداهية بؤوقاً : أصابتهم ، وانبأق عليهم الدهر : هجم عليهم بالداهية . ومن الواوي ، الوقبة : كوة عظيمة فيها ظل ، والوقب والوقبة : نقرة في الصخرة يجتمع فيها الماء ، وقيل : هي نحو البئر في الصفا تكون قامة أو قامتين يستنقع فيها ماء السماء ، وكل نقر في الجسد وقب كنقر العين والكتف ، والوقبان من الفرس : هزمتان فوق عينيه ، ووقب المحالة : الثقب الذي يدخل فيه المحور ، ووقبة الدهن : أنقوعته ، وكذا وقبة الثريد ، ووقب الشيء : دخل في الوقب ، وأوقب الشيء : أدخله فيه ، وركية وقباء : غامرة الماء ، وامرأة ميقاب : واسعة الفرج وبنو الميقاب نسبوا إلى أمهم ، يريدون سبهم بذلك ، والميقاب : الرجل الكثير الشرب للماء ، والحمقاء أوالمحمقة ، وسير الميقاب : أن تواصل سير يوم وليلة - كأن ذلك سير الأحمق الذي لا يبقى على ظهره ، ووقب القمر وقوباً : دخل في الظل الذي يكسفه - كأنه حفرة ابتلعته ، ووقبت الشمس وقوباً : غابت كذلك ، وقيل : كل ما غاب فقد وقب ، ووقب الظلام ، أقبل . أي فصار كالوقبة ، فابتلع الضياء أو ابتلع ما في الكون فحجبه عن الضياء ، ورجل وقب : أحمق - كأنه وعاء لكل ما يسمع ، لا أهلية له في تمييز جيده من رديئه ، والأنثى : وقبة ، وقال ثعلب : الوقب : الدنيء ، أي لأنه يتبع نفسه هواها فيصير كأنه الوقبة لا ترد شيئاً مما يلقي فيها ، ووقب الفرس وقباً وهو صوت قنبه ، أي وعاء قضيبه ، وقيل : صوت تقلقل جردان الفرس في قنبه - لأن وعاء جردانه كالوقبة ، فهو من اطلاق اسم المحل على ما فيه ، والقبة - كعدة : الإنفحة إذا عظمت من الشاة ، قال ابن الأعرابي : ولا يكون ذلك في غير الشاء - لأن شبه الإنفحة بالوقبة ظاهر ، والوقباء : موضع يمد ويقصر ، والوقبى : ماء لبني مازن - لأنه يجمعهم كما تجمع الوقبة ما فيها ، والأوقاب : قماش البيت كالبرمة والرحيين والعمد - لأن البيت لها كالوقبة لجمعها أو لأنها جامعة لشمل من فيه ، والميقب : الودعة ، وأوقب القوم : جاعوا ، أي تهيؤوا لإدخال الطعام في وقبة الجوف ، وذكر أوقب : ولاّج في الهنات - لأنها كالأوقاب أي الحفر ، والوقب : الإقبال والمجيء ، وهو سبب الجمع . ووبق - كوعد ووجل وورث وبوقاً وموبقاً : هلك ، أي وقع فيه وقبة ، أي حفرة كاستوبق ، وكمجلس : المهلك والمحبس ، وواد في جهنم ، وكل شيء حال بين شيئين - لأن الوقبة تحول بين ما فيها وبين غيره . ومنه قيل للموعد : موبق ، وأوبقه : حبسه أو أهلكه . ومن مهموزه : أبق العبد - كسمع وضرب ومنع - أبقاً ويحرك - وإباقاً - ككتاب : ذهب بلا خوف ولا كد عمل ، أو استخفى ثم ذهب - وكل ذلك يوجع إلى جعله كأنه نزل في وقبة ، ومن شأنه حينئذ أن يخفى ، ومنه تأبق : استتر أو احتبس ، وتأبق الشيء : أنكره - لأن سبب الإنكار الخفاء ، وتأبق : تأثم ، أي جانب الإثم ، فهو لسلب الجمع أو لسلب الهلاك في الوقبة ، والأبق - محركة : القنب - لشبهه لتجويفه بالوقبة ، والأبق : قشره - لقوته اللازمة للجمع أو لأنه خيوط مجتمعة .