Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 18, Ayat: 57-58)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما حكي عنهم هذا الجدال ، والاستهزاء والضلال ، وصفهم بما يموجب الخزي فقال - عاطفاً على ما تقديره : فكانوا بذلك أظلم الظالمين : { ومن أظلم } منهم - استفهاماً على سبيل التقرير ، ولكنه أظهر للتنبيه على الوصف الموجب للإنكار على من شك في أنهم أظلم . فقال تعالى : { ممن ذكر } أي من أيّ مذكر كان { بأيات } أي علامات { ربه } المحسن إليه بها ؛ قال الأصبهاني : وهذا من أفصح التقرير أن يوقف الرجل على ما لا جواب فيه إلا الذي يريد خصمه . ولما كان التذكير سبباً للإقبال فعكسوا فيه قال تعالى : { فأعرض عنها } تاركاً لما يعرف من تلك العلامات العجيبة وما يوجبه ذلك الإحسان من الشكر { ونسي ما قدمت يداه } من الفساد الذي هو عارف - لو صرف عقله إلى الفكر فيما ينفعه - أن الحكمة تقتضي جزاءه عليه ، وأفرد الضمير في جميع هذا على لفظ { من } إشارة إلى أن من فعل مثل هذا - ولو أنه واحد - كان هكذا ، والأحسن أن يقال : إنهم لما كانوا قد سألوا اليهود عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم كما أشير إليه عند { ويسألونك عن الروح } [ الإسراء : 85 ] فأمروهم بسؤاله عما جعلوه أمارة على صدقه ، فلم يؤثر ذلك فيهم ، واستمروا بعد إخباره بالحق على التكذيب ، شرح حالهم بالتعقيب بالفاء ، فكان المعنى : من أظلم منهم ، لأنهم ذكروا فأعرضوا ونسوا ما اعتقدوا أنه دليل الصدق ، وأنه لا جدال بعده ، وسيأتي لموقع الفاء في آخر السجدة مزيد بيان ، وإسناد الفعل في الإعراض وما بعده إليهم حقيقة مما لهم من الكسب كما أن إسناد الجعل وما بعده إلى الله حقيقة بما له من الخلق . ولما كان كأنه قيل : ما لهم فعلوا ذلك ؟ أيجهل قبح هذا أحد ؟ قيل : { إنا جعلنا } بما لنا من القدرة على إعماء البصائر والأبصار { على قلوبهم } فجمع رجوعاً إلى أسلوب { واتخذوا ءاياتي } لأنه أنص على ذم كل واحد { أكنة } أي أغطية مستعلية عليها استعلاء يدل سياق العظمة على أنه لا يدع شيئاً من الحيز يصل إليها ، فهي لا تعي شيئاً من آياتنا ، ودل بتذكير الضمير على أن المراد بالآيات القرآن فقال تعالى : { أن } أي كراهة أن { يفقهوه } أي يفهموه { وفي ءاذانهم وقراً } أي ثقلاً فهم لا يسمعون حق السمع ، ولا يعون حق الوعي { وإن تدعهم } أي تكرر دعاءهم كل وقت { إلى الهدى } لتنجيهم بما عندك من الحرص على ذلك والجد { فلن يهتدوا } أي كلهم بسبب دعائك { إذاً } أي إذا دعوتهم { أبداً * } لأن من له العظمة التامة - وهو الذي إذا عبر عن نفسه بنونها كانت على حقيقتها - حكم عليها بالضلال ، أي أنه لا يكون الدعاء وحده هادياً لأكثرهم ، بل لا بد معه من السيف كما سنأمرك به فتقطع الرؤوس فيذل غيرهم ، وقد يكون المراد أن من كان هكذا معانداً على هذا الوجه مؤبد الشقاء ، وقد نفى آخر هذه الآية الفعل عن العباد وأثبته لهم أولها ، وقلما نجد في القرآن آية تسند الفعل إليهم إلا قارنتها أخرى تثبته لله وتنفيه عنهم ، ابتلاء من الله لعباده ليتميز الراسخ - الذي ينسب للمكلفين الكسب المفيد لأثر التكليف ، ولله الخلق المفيد لأنه سبحانه لا شريك له في خلق ولا غيره - من الطائش الذي يقول بالجبر أو التفويض . ولما كان هذا مقتضياً لأخذهم ، عطف على ما اقتضاه السياق مما ذكرته من العلة قولَه تعالى : { وربك } مشيراً بهذا الاسم إلى ما اقتضاه الوصف من الإحسان بأخذ من يأخذ منهم وإمهال غيره لحكم دبرها ؛ ثم أخبر عنه بما ناسب ذلك من أوصافه فقال : { الغفور } أي هو وحده الذي يستر الذنوب إما بمحوها وإما بالحلم عنها إلى وقت { ذو الرحمة } أي الذي يعامل - وهو قادر - مع موجبات الغضب معاملة الراحم بالإكرام ؛ ثم استشهد على ذلك بقوله تعالى : { لو يؤاخذهم } أي هؤلاء الذين عادوك وآذوك ، وهو عالم بأنهم لا يؤمنون لو يعاملهم معاملة المؤاخذ { بما كسبوا } حين كسبهم { لعجل لهم العذاب } واحداً بعد واحد ، ولكنه لا يعجل لهم ذلك { بل لهم موعد } يحله بهم فيه ، ودل على أن موعده ليس كموعد غيره من العاجزين بقوله دالاً على كمال قدرته : { لن يجدوا من دونه } أي الموعد { موئلاً * } أي ملجأ ينجيهم منه ، فإذا جاء موعدهم أهلكناهم فيه بأول ظلمهم وآخره .