Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 64-67)
Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وفي هذا الأمر من هذه القصة قاصمة للسائلين والآمرين لهم بالسؤال ، لأن المراد - والله أعلم - أن هذا الأمر وقع لنبي هؤلاء المضلين ، فمر قريشاً أن يسألوهم عن هذه القصة ، فإن أخبروهم عنها بمثل ما أخبرتهم فصدقوهم ، لزمهم أن يؤمنوا بالبعث لأمر هذا الحوت الذي أحياه الله بعد أن كان مشوياً وصار كثير منه في البطون ، وإن لم يصدقوهم في هذا وصدقوهم في غيره مما يتعنتون به عليك فهو تحكم ، وإن كانوا يتهمونهم في كل أمر كان سؤالهم لهم عبثاً ، ليس من أفعال من يعقل ، فكأنه قيل : فما قال موسى حينئذ ؟ فقيل : { قال } منبهاً على أن ذلك ليس من الشيطان ، وإنما هو إغفال من الله تعالى بغير واسطة ليجدا العلامة التي أخبره الله بها كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : " إنى لأنسى - أي ينسيني الله تعالى - لأسن " { ذلك } أي الأمر العظيم من فقد الحوت { ما كنا نبغ } أي نريد من هذا الأمر المغيب عنا ، فإن الله تعالى جعله موعداً لي في لقاء الخضر { فارتدا على ءاثارهما } يقصانها { قصصاً * } وهذا يدل على أن الأرض كانت رملاً ، لا علم فيها ، فالظاهر - والله أعلم - أنه مجمع النيل والملح الذي عند دمياط ، أو رشيد من بلاد مصر ، ويؤيده نقر العصفور في البحر الذي ركبا في سفينته للتغذية - كما في الحديث ، فإن الطير لا يشرب من الملح ، ومن المشهور في بلاد رشيد أن الأمر كان عندهم ، وأن عندهم سمكاً ذاهب الشق يقولون : أنه من نسل تلك السمكة - والله أعلم . فاستمرا يقصان حتى انتهيا إلى موضع فقد الحوت { فوجدا عبداً من عبادنا } مضافاً إلى حضرة عظمتنا وهو الخضر عليه السلام { ءاتيناه } بعظمتنا { رحمة } أي وحياً ونبوة ، وكونه نبياً قول الجمهور { من عندنا } أي مما لم يجر على قوانين العادات غير أنه ليس بمستغرب عند أهل الاصطفاء { وعلمناه من لدنا } أي من الأمور المستبطنة المستغربة التي عندنا مما لم يحدث عن الأسباب المعتادات ، فهو مستغرب عند أهل الاصطفاء { علماً } قذفناه في قلبه بغير واسطة ؛ وقال الأستاذ أبو الحسن الحرالي : " عند " في لسان العرب لما ظهر ، و " لدن " لما بطن ، فيكون المراد بالرحمة ما ظهر من كراماته ، وبالعلم الباطن الخفي المعلوم قطعاً أنه خاص بحضرته سبحانه ، فأهل التصوف سموا العلم بطريق المكاشفة العلم اللدني ، فإذا سعى العبد في الرياضيات يتزين الظاهر بالعبادة ، وتتخلى النفس عن الأخلاق الرذيلة ، وتتحلى بالأخلاق الجميلة ، وتصير القوى الحسية والخيالية والوهمية في غاية القوة ، وحينئذ تصير القوة العقلية قوية صافية ، وربما كانت النفس بحسب أصل الفطرة نورانية إلهية علوية قليلة التعلق بالحوادث البدنية ، شديدة الاستعداد لقبول الأمور الإلهية ، فتشرق فيها الأنوار الإلهية وتفيض عليها من عالم القدس على وجه الكمال فتحصل المعارف والعلوم من غير تفكر وتأمل ، فهذا هو العلم اللداني . ثم أورد سبحانه وتعالى القصة على طريق الاستئناف على تقدير سؤال سائل عن كل كلام يرشد إليه ما قبله ، وذلك أنه من المعلوم أن الطالب للشخص إذا لقيه كله ، لكن لا يعرف عين ذلك الكلام فقال لمن كأنه سأل عن ذلك : { قال له موسى } طالباً منه على سبيل التأدب والتلطف بإظهار ذلك في قالب الاستئذان : { هل أتبعك } أي اتباعاً بليغاً حيث توجهت ؛ والاتباع : الإتيان لمثل فعل الغير لمجرد كونه آتياً به ؛ وبين أنه لا يطلب منه غير العلم بقوله : { على أن تعلمن } وزاد في التلطف بالإشارة إلى أنه لا يطلب جميع ما عنده ليطول عليه الزمان بل جوامع منه يسترشد بها إلى باقيه فقال : { مما علمت } وبناه للمفعول لعلم المخاطبين - لكونهم من الخلص - بأن الفاعل هو الله سبحانه وتعالى ، وللإشارة إلى سهولة كل أمر على الله عز وجل { رشداً * } أي علماً يرشدني إلى الصواب فيما أقصده ، ولا نقص في تعلم نبي من نبي حتى يدعي أن موسى هذا ليس موسى بن عمران عليه السلام فإنه قد ثبت كونه ابن عمران في الصحيح ، وأتى صلى الله عليه وعلى آله وسلم في سؤاله له بهذه الأنواع من الآداب والإبلاغ في التواضع لما هو عليه من الرسوخ في العلم ، لأن كل من كانت إحاطته بالعلوم أكثر ، كان علمه بما فيها من البهجة والسعادة أكثر ، فكان طلبه لها أشد ، فكان تعظيمه لأرباب العلوم أكمل . ولما أتم العبارة عن السؤال ، استأنف جوابه له بقوله تعالى : { قال } أي الخضر عليه السلام : { إنك لن تستطيع } يا موسى { معي صبراً * } أي هو من العظمة على ما أريد لما يحثك على عدم الصبر من ظاهر الشرع الذي أمرت به ، فالتنوين للتعظيم بما تؤذن به تاء الاستفعال ، وأكد لما في سؤال موسى عليه السلام من التلطف المؤذن بأنه يصبر عليه ولا يخالفه في شيء أصلاً ، ويؤخذ منه أن العالم إن رأى في التغليظ على المتعلم ما يفيده نفعاً وإرشاداً إلى الخير كان عليه ذكره ، فإن السكوت عنه يوقع المتعلم في الغرور والنخوة ، وذلك يمنعه من التعلم .