Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 104-108)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما كان علم ما يأتي أخفى من علم ما سبق ، أتى فيه بمظهر العظمة فقال : { نحن أعلم } من كل أحد { بما يقولون } أي في ذلك اليوم { إذ يقول أمثلهم طريقة } في الدنيا فيما يحسبون ، أي أقربهم إلى أن تكون طريقته مثل ما يطلب منه : { إن } أي ما { لبثتم } ودل على أن المعدود المحذوف من الأول الأيام بقوله : { إلا يوماً } أي مبدأ الآحاد ، لا مبدأ العقود كما قال في الاية الأخرى { قالوا لبثنا يوماً أو بعض يوم } [ المؤمنون : 113 ] { يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة كذلك كانوا يؤفكون } [ الروم : 55 ] فلا يزالون في إفك وصرف عن الحق في الدارين ، لأن الإنسان يموت على ما عاش عليه ، ويبعث على ما مات عليه ، ويجوز أن يكون المراد أن من قال : إن لبثهم يوم واحد ، أمثلهم في نفس الأمر ، لأن الزمان وإن طال إنما هو يوم متكرر ، ليس مراداً لنفسه ، وإنما هو مراد لما يكون فيه فإن كان خيراً كان صاحبه محموداً ولم يضره قصره ، وإن كان شراً كان مذموماً ولم ينفعه طوله ، ويجوز أن يكون أنث أولاً إرادة لليالي ، لأنها محل الراحة المقصودة بالذات ، فكان كأنهم قالوا : لم يكن لنا راحة إلا بزمن يسير جداً أكثر أول العقود ، ونص الأمثل على اليوم الذي يكون الكد فيه للراحة في الليل إشارة إلى أنهم ما كان لهم في اللبث في الدنيا راحة أصلاً ، ولم يكن سعيهم إلا نكداً كله كما يكون السعي في يوم لا ليلة يستراح فيها . وإن كانت فيه راحة فهي ضمنية لا أصلية . ولما أخبر عن بعض ما سبق ثم عن بعض ما يأتي من أحوال المعرضين عن هذا الذكر فيما ينتجه لهم إعراضهم عنه ، وختم ذلك باستقصارهم مدة لبثم في هذه الدار ، أخبر عن بعض أحوالهم في الإعراض فقال : { ويسألونك عن الجبال } ما يكون حالها يوم يتفخ في الصور ؟ شكا منهم في البعث وقوفاً مع الوهم في أنها تكون موجودة على قياس جمودهم لا محالة ، لأنها أشد الأشياء قوة ، وأطولها لبثاً ، وأبعدها مكثاً ، فتمنع بعض الناس من سماع النفخ في الصور ، وتخيل للبعض بحكم رجع الهواء الحامل للصوت أنه آتٍ من غير جهته فلا يستقيم القصد إلى الداعي { فقل } أي فتسبب عن علمنا بأنهم يسألونك هذا السؤال أنا نقول لك : قل ، أو يكون على تقدير شرط ، أي فإذا سألوك فقل لهم ، وهذا بخلاف ما نزل بعد وقوع السؤال عنه مثل الروح وقصة ذي القرنين فإن الأمر بجوابه على طريق الاستئناف لما هناك من استشراف النفس للجواب { ينسفها } أي يقلعها من أماكنها ويذريها بالهواء { ربي } المحسن إليّ بنصري في يوم القيامة نصراً لا يبلغ كنهه { نسفاً } عند النفخة الأولى { فيذرها } أي أماكنها { قاعاً } أي أرضاً ملساء { صفصفاً * } أي مستوياً كأنه صف واحد لا اثر للجبال فيه { لا ترى } أي بالبصر ولا بالبصيرة { فيها } أي مواضع الجبال { عوجاً } بوجه من الوجوه ، وعبر هنا بالكسر هو للمعاني ، ولم يعبر بالفتح الذي يوصف به الأعيان ، ومواضع الجبال أعيان لا معاني ، نفياً للاعوجاج على أبلغ وجه ، بمعنى أنك لو جمعت أهل الخبرة بتسوية الأراضي لا تفقوا على الحكم باستوائها ، ثم لو جمعت أهل الهندسة فحكموا مقاييسهم العلمية فيها لحكموا بمثل ذلك { ولا أمتاً * } أي شيئاً مرتفعاً كالكدية أو نتوّاً يسيراً أو شقاً أو اختلافاً ؛ وقال البيضاوي والزمخشري : الأمت النتوّ اليسير ، قال الغزالي في الدرة الفاخرة : ينفخ في الصور فتطاير الجبال ، وتفجر الأنهار بعضها في بعض ، فيمتلىء عالم الهواء ماء ، وتنتثر الكواكب وتتغير السماء والأرض ، ويموت العالمون فتخلو الأرض والسماء ؛ قال : ثم يكشف سبحانه عن بيت في سقر فيخرج لهيب النار فيشتعل في البحور فتنشف ، ويدع الأرض جمرة سوداء ، والسماوات كأنها عكر الزيت والنحاس المذاب ، ثم يفتح تعالى خزانة من خزائن العرش فيها بحر الحياة ، فيمطر به الأرض ، وهو كمنيّ الرجال فتنبت الأجسام على هيئتها ، الصبى صبي ، والشيخ شيخ ، وما بينهما ، ثم تهب من تحت العرش نار لطيفة فتبرز الأرض ليس فيها جبل ولا عوج ولا أمت ، ثم يحيى الله إسرافيل فينفخ في الصور من صخرة القدس ، فتخرج الأرواح من ثقب في الصور بعددها كل روح إلى جسدها حتى الوحش والطير فإذا هم بالساهرة . ولما أخبر سبحانه بنزول ما يكون منه العوج في الصوت قال : { يومئذ } أي إذ ينفخ في الصور فتنسف الجبال { يتبعون } أي أهل المحشر بغاية جهدهم { الداعي } أي بالنفخ منتصبين إليه على الاستقامة { لا عوج له } أي الداعي في شيء من قصدهم إليه ، لأنه ليس في الأرض ما يحوجهم إلى التعريج ولا يمنع الصوت من النفوذ على السواء ؛ وقال أبو حيان : أي لا عوج لدعائه ، بل يسمع جميعهم فلا يميل إلى ناس دون ناس . ولما أخبر بخشوعهم في الحديث والانقياد للدعوة ، أخبر بخشوع غير ذلك من الأصوات التي جرت العادة بكونها عن الاجتماع فقال : { وخشعت الأصوات } أي ارتخت وخفيت وخفضت وتطامنت لخشوع أهلها { للرحمن } أي الذي عمت نعمه ، فيرجى كرمه ، ويخشى نقمه { فلا } أي فيتسبب عن رخاوتها أنك { تسمع إلا همساً * } أخفى ما يكون من الأصوات ، وقيل : أخفى شيء من أصوات الأقدام .