Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 98-103)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما أراهم بطلان ما هم عليه بالعيان ، أخبرهم بالحق على وجه الحصر فقال : { إنما إلهكم } جميعاً { الله } أي الجامع لصفات الكمال ؛ ثم كشف المراد من ذلك وحققه بقوله : { الذي لا إله إلا هو } أي لا يصلح لهذا المنصب أحد غيره لأنه { وسع كل شيء علماً * } تمييز محول عن الفاعل ، أي أحاط علمه بكل شيء ، فكان على كل شيء ممكن قديراً ، فكان كل شيء إليه فقيراً ، وهو غني عن كل شيء ، وجوده يباين وجود غيره ، وذاته تباين ذات غيره ، وصفاته تباين صفات غيره ، وأما العجل الذي عبدوه فلو كان حياً كان مثلاً في الغباوة ، فلا يصلح للإلهية بوجه ولا في عبادته شيء من حق ، وكان القياس على ما يتبادر إلى الذهن حيث نفى عنه العلم بقوله { ألا يرجع إليهم قولاً } والقدرة بقوله { ولا يملك لهم ضراً ولا نفعاً } أن يثبتا هنا للاله الحق ، ولكنه اعتنى بإثبات العلم الواسع لاستلزامه للقدرة على كل ما يمكن أن يتعلق به ، بإفادة الأسباب لشيء المراد ، ومنع الموانع عنه فيكون لا محالة ، ولو لم يكن كذلك لكان التخلف للجهل إما بما يفيد مقتضياً أو يمنع مانعاً ، وأدل دليل على ذلك قوله تعالى { ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء } [ الأعراف : 188 ] ولا يستلزم إثبات القدرة المحيطة العلم الشامل لخروج قسم المحال الذي ليس من شأن القدرة أن تتعلق به . ولما تمت هذه القصة على هذا الأسلوب الأعظم ، والسبيل الأقوم ، متكفلة بالدلالة على القدرة على ما وقعت إليه الإشارة من البشارة أول السورة بتكثير هذه الأمة ورد العرب عن غيهم بعد طول التمادي في العناد ، والتنكب عن سبيل الرشاد ، إلى ما تخللها من التسلية بأحوال السلف الصالح والتأسية ، مفصلة من أدلة التوحيد والبعث ، وغير ذلك من الحكم ، بما يبعث الهمم ، على معالي الشيم ، كان كأنه قيل : هل يعاد شيء من القصص على هذا الأسلوب البديع والمثال الرفيع ؟ فقيل : نعم { كذلك } أي مثل هذا القص العالي ، في هذا النظم العزيز الغالي ، لقصة موسى ومن ذكر معه { نقص عليك } أي بما لنا من العظمة التي لا يعجزها شيء ؛ وأشار إلى جلالة علمه بقوله : { من أنباء } أي أخبار { ما قد سبق } من الأزمان والكوائن الجليلة ، زيادة في علمك ، وإجلالاً لمقدارك ، وتسلية لقلبك ، وإذهاباً لحزنك ، بما اتفق للرسل من قبلك وتكثيراً لأتباعك وزيادة في معجزاتك ، وليعتبر السامع ويزداد المستبصر في دينه بصيرة وتأكد الحجة على من عابه : { وقد ءاتيناك } من عظمتنا تشريفاً لك وتعظيماً لقدرك { من لدنا } أي من عندنا من الأمر الشريف بمزيد خصوصيته بنا ولطيف اتصاله بحضرتنا من غيب غيباً { ذكرا * } عظيماً جليلاً جامعاً لما أظهرناه من أمرنا في التوراة ، وما ابطنّاه من سرنا في الإنجيل ، وما أودعناه من سكينتنا في الزبور ، مع ما خصصناه به من لطائف المزايا ، وعظائم الأسرار ، يعرف بمجرد تلاوته أنه من عندنا لما يُشهد له من الروح ، ويُذاق له من الإخبات والسكون ، ويرى له من الجلالة في الصدور مع القطع بأن أحداً لا يقدر أن يعارضه ، وضمناه تلك القصص مع ما زدنا فيه على ذلك من المواعظ والأحكام ودقائق اشارات الحقائق ، متكفلاً بسعادة الدارين وحسنى الحسنيين ، فمن أقبل عليه كان مذكراً له بكل ما يريد من العلوم النافعة . ولما اشتمل هذا الذكر على جميع أبواب الخير ، فكان كل مل ليس له فيه أصل شقاور محضة وضلالاً بعيداً ، قال يقص عليه من أنباء ما يأتي كما قص من أنباء ما قد سبق : { من أعرض عنه } أي عن ذلك الذكر ، وهو عام في جميع من يمكن دخوله في معنى " من " من العالمين { فإنه يحمل } ولما كان المراد استغراق الوقت قال : { يوم القيامة وزراً * } أي حملاً ثقيلاً من العذاب الذي سببه الوزر وهو الذنب ، جزاء لإعراضه عنه واشتغاله بغيره { خالدين فيه } وجمع هنا حملاً على المعنى بعد الإفراد للفظ ، تنبيهاً على العموم لئلا يغفل عنه بطول الفصل ، أو يظن أن الجماعة يمكنهم المدافعة ، ويمكن أن يراد بالوزر الحمل الثقيل من الإثم ، ويكون الضمير في " فيه " للعذاب المسبب عنه فيكون استخداماً كقوله : @ إذا نزل السماء بأرض قوم رعيناه وإن كانوا غضابا @@ ولما كانوا منكرين ليوم القيامة ، صرح بذكره ثانياً مع قرب العهد ، قارعاً لأسماعهم به ، مجرياً له إجراء ما هو به جدير من أنه متحقق لا مرية فيه فقال : { وساء } أي وبئس ؛ وبين أصحاب السوء فقال : { لهم } أي ذلك الحمل { يوم القيامة حملاً } ثم شرح لهم بعض أحوال ذلك اليوم من ابتدائه ، فقال مبدلاً من " يوم القيامة " : { يوم ينفخ } أي بعظمتنا - على قراءة أبي عمرو بالنون مبنياً لفاعل ، ودل على تناهي العظمة بطريقة كلام القادرين في قراءة الباقين بالياء مبنياً للمفعول { في الصور } فيقوم الموتى من القبور { ونحشر } أي بعظمتنا { المجرمين } منهم الذين قطعوا ما أمر الله به أن يوصل ، وعدل عن أن يقول : ونحشرهم - لبيان الوصف الذي جره لهم : الإعراض عن الذكر { يومئذ } أي يوم القيامة ، ويكون لهم ما تقدم { زرقاً } أي زرق العيون والجسوم على هيئة من ضرب فتغير جسمه ، حال كونهم { يتخافتون } . ولما كان التخافت - وهو المسارّة بالكلام - قد يكون بين اثنين من قبيلتين ، فيكون كل منهما خائفاً من قومه أقل عاراً مما لو كانا من قبيلة واحدة ، لأنه يدل على أن ذلك الخوف طبع لازم ، قال دالاً على لزومه وعمومه : { بينهم } أي يتكلمون خافضي أصواتهم من الهيبة والجزع . ولما كانت الزرقة أبغض ألوان العيون إلى العرب لعدم إلفهم لها ، والمخافتة أبغض الأصوات إليهم لأنها تدل عندهم على سفول الهمة والجبن وكانوا من الزرقة أشد نفرة لأن المخافتة قد يتعلق بها غرض . رتبهما سبحانه كذلك ، ثم بين ما يتخافتون به فقال : { إن } أي يقول بعضهم لبعض : ما { لبثتم } أي في الدنيا استقصاراً لمدة إقامتهم في غيب ما بدا لهم من المخاوف ، أو غلطاً ودهشة { إلا عشراً * } أي عقداً واحداً ، لم يزد على الآحاد إلا بواحد ، وهو لو أنه سنون سن من لم يبلغ الحلم ، فكيف إذا كان شهوراً أو أياماً فلم يعرفوا لذة العيش بأيّ تقدير كان .