Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 113-115)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما اشتملت هذه الآية على الذروة من حسن المعاني ، فبشرت ويسرت ، وأنذرت وحذرت ، وبينت الخفايا ، وأظهرت الخبايا ، مع ما لها من جلالة السبك وبراعة النظم ، كان كأنه قيل تنبيهاً على جلالتها : أنزلناها على هذا المنوال العزيز المثال { وكذلك } أي ومثل هذا الإنزال { أنزلناه } أي هذا الذكر كله بعظمتنا { قرآناً } جامعاً لجميع المعاني المقصودة { عربياً } مبيناً لما أودع فيه لكل من له ذوق في أساليب العرب . ولما كان أكثر هذه الآيات محذراً ، قال : { وصرفنا } أي بما لنا من العظمة { فيه من الوعيد } أي ذكرناه مكررين له محولاً في أساليب مختلفة ، وأفانين متنوعة مؤتلفة . ولما ذكر الوعيد ، أتبعه ثمرته فقال : { لعلهم يتقون } أي ليكون الناظر لهم بعد ذلك على رجاء من أن يتقوا ويكونوا به في عداد من يجدد التقوى كل حين ، بأن تكون له وصفاً مستمراً ، وهي الحذر الحامل على اتخاذ الوقاية مما يحذر { أو } في عداد من { يحدث } أي يجدد هذا التصريف { لهم ذكراً * } أي ما يستحق أن يذكر من طرق الخير ، فيكون سبباً للخوف الحامل على التقوى ، فيردهم عن بعض ما تدعو إليه النفوس من النقائض والبؤس . ولما بلغت هذه الجمل نهاية الإعجاز ، فاشتملت على غاية الحكمة ، دالة على أن لقائلها تمام العلم والقدرة والعدل في أحوال الدراين ، تسبب عن سوقها كذلك أن بان له من العظمة ما أفهمه قوله ، معظماً لنفسه الأقدس بما هو له أهل بعد تعظيم كتابه تعليماً لعباده ما يجب له من الحق دالاً بصيغة التفاعل على مزيد العلو : { فتعالى الله } أي بلغ الذي لا يبلغ الواصفون وصفه حق وصفه من العلو أمراً لاتحتمله العقول ، فلا يلحقه شيء من إلحاد الملحدين ووصف المشركين { الملك } الذي لا يعجزه شيء ، فلا ملك في الحقيقة غيره { الحق } أي الثابت الملك ، فلا زوال لكونه ملكاً في زمن ما ؛ ولعظمة ملكه وحقية ذاته وصفاته صرف خلقه على ما هم عليه من الأمور المتباينة . ولما كانت هذه الآيات في ذم من أعرض عن هذا الذكر ، كان تقدير : فلا تعرض عنه ، بل أقبل عليه لتكون من المتقين الذاكرين ، ولما كان هذا الحث العظيم ربما اقتضى للمسابق في التقوى المبالغة في المبادرة إليه فيستعجل بتلقفه قبل الفراغ من إيحائه ، قال عاطفاً على هذا المقدر : { ولا تعجل بالقرآن } أي بتلاوته . ولما كان النهي عاماً لجميع الأوقات القبلية ، دل عليه بالجار لئلا يظن أنه خاص بما يستغرق زمان القبل جملة واحدة فقال : { من قبل أن } ولما كان النظر هنا إلى فراغ الإيحاء لا إلى موح معين ، بنى للمجهول قوله : { يقضى } أي ينهى { إليك وحيه } من الملك النازل إليك من حضرتنا به كما أنا لم نعجل بإنزاله عليك جملة ، بل رتلناه لك ترتيلاً ، ونزلناه إليك تنزيلاً مفصلاً تفصيلاً ، وموصلاً توصيلاً - كما أشرنا إليه أول السورة ، فاستمع له ملقياً جميع تأملك إليه ولا تساوقه بالقراءة ، فإذا فرغ فاقرأه فإنا نجمعه في قلبك ولا نسقيك بإنسائه وأنت مصغ إليه ، ولا بتكليفك للمساوقة بتلاوته { وقل رب } أي المحسن إليّ بإفاضة العلوم عليّ { زدني علماً * } أي بتفهيم ما أنزلت إليّ منه وإنزال غيره كما زدتني بإنزاله وتحفيظه ، لتتمكن من معرفة الأسباب المفيدة لتبع الخلق لك ، فإنه كما تقدم على قدر إحاطة العلم يكون شمول القدرة ، وفي هذا دليل على أن التأني في العلم بالتدبر وبإلقاء السمع أنفع من الاستعجال المتعب للبال المكدر للحال ، وأعون على الحفظ ، فمن وعى شيئاً حق الوعي حفظه غاية الحفظ ؛ وروى الترمذي وابن ماجة والبزار عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " اللهم انفعني بما علمتني وعلمني ما ينفعني وزدني علماً والحمد لله على كل حال ، وأعوذ بالله من حال أهل النار " أفاده ابن كثير في تفسيره . ولما قرر سبحانه بقصة موسى عليه السلام ما أشار إليه أول السورة بما هو عليه من الحلم والتأني على عباده ، والإمهال لهم فيما هم عليه من النقص بالنسيان للعهود والنقض للمواثيق ، وأتبعها ذكر مدح هذا الذكر الذي تأدت إلينا به ، وذم من أعرض عنه ، وختمه بما عهد إليه صلى الله عليه وسلم في أمره نهياً وأمراً ، أتبع ذلك سبحانه قصة آدم عليه السلام تحذيراً من الركون إلى ما يسبب النسيان ، وحثاً على رجوع من نسي إلى طاعة الرحمن ، وبياناً لأن ذلك الذي قرره من حلمه وإمهاله عادته سبحانه من القدم ، وصفته التي كانت ونحن في حيز العدم ، وأنه جبل الإنسان على النقص ، فلو أخذهم بذنوبهم ما ترك عليها من دابة ، فقال عاطفاً على قوله { وكذلك أنزلناه حكماً عربياً } [ الرعد : 37 ] أو { كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق } مؤكداً لما تقدم فيه وعهد به من أمر القرآن ، ومحذراً من الإخلال بذلك ولو على وجه النسيان ، ومنجزاً لما وعد به من قص أنباء المتقدمين مما يوافق هذا السياق : { ولقد عهدنا } بما لنا من العظمة { إلى آدم } أبي البشر الذي أطلعناه على كثير منها في النهي عن الأكل من الشجرة { من قبل } أي في زمن من الأزمان الماضية قبل هؤلاء الذين تقدم في هذه السورة ذكر نسيانهم وإعراضهم { فنسي } عهدنا وأكل منها مع علمه من تلك العظمة بما لا ينبغي أن ينسى معه ذلك العهد المؤكد بذلك الجلال ، فعددنا عليه وقوعه في ذلك المنهيّ ناسياً ذنباً لعلو رتبته عندنا ، فهو من باب " حسنات الأبرار سيئات المقربين " فكيف بما فوق ذلك ! { ولم نجد } بالنظر إلى ما لنا من العظمة { له عزماً * } أي قصداً صلباً ماضياً وإرادة نافذة لا تردد فيها كإرادات الملائكة عليهم السلام ، والمعنى أنه لم يتعلق علمنا بذلك موجوداً ، ومع ذلك عفونا عنه ولم نزحزحه عن رتبة الاصطفاء .