Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 22, Ayat: 23-25)
Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ولما ذكر ما لأحد الخصمين وهم الكافرون ، أتبعه ما للآخر وهم المؤمنون ، وغير السياق بالتأكيد لمن كأنه سأل عنه ، معظماً له بإثبات الاسم العلم الجامع إيذاناً بالاهتمام فقال : { إن الله } أي الذي له الأمر كله { يدخل الذين آمنوا } عبر في الإيمان بالماضي ترغيباً في المبادرة إلى إيقاعه { وعملوا الصالحات } تصديقاً لإيمانهم ، وعبر بالماضي إشارة إلى أن من عمل الصالح انكشف له ما كان محجوباً عنه من حسنه فأحبه ولم ينفك عنه { جنات تجري } أي دائماً { من تحتها الأنهار } أي المياه الواسعة ، أينما أردت من أرضها جرى لك نهر في مقابلة ما يجري من فوق رؤوس أهل النار { يحلون فيها } في مقابلة ما يزال من بواطن الكفرة وظواهرهم { من أساور } . ولما كان مقصودها الحث على التقوى المعلية إلى الإنعام بالفضل ، شوّق إليه بأغلى ما نعرف من الحلية فقال : { من ذهب ولؤلؤاً } وقراءة نافع وعاصم بنصبه دليل على عطفه بالجر على " أساور " { ولباسهم فيها حرير * } في مقابلة ثياب الكفار كما كان لباس الكفار في الدنيا حريراً ، ولباس المؤمنين دون ذلك ، وقد رود في الصححين عن عبد الله بن الزبير عن عمر رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه السلام قال : " لا تلبسوا الحرير فإن من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة " قال ابن كثير : قال عبد الله بن الزبير " ومن لم يلبس الحرير في الآخرة لم يدخل الجنة " قال تعالى : { ولباسهم فيها حرير } انتهى " وذلك أن في الصحيحين وغيرهما عن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله قال : " إنما يلبس هذه من لا خلاق له في الآخرة " " فيوشك لتشبهه بالكفار في لباسهم - أن يلحقه الله بهم فلا يموت مسلماً - والله الهادي { وهدوا } أي بأسهل أمر بهداية الله أعم من أن يكون السبب القريب لذلك العقل وحده أو مع الرسول أو الكتاب أو غير ذلك وهو حال من { الذين آمنوا } ، وما بعدها ختم به لئلا يطول الفصل بين الفعل ومفعوله ولتكون محاسنهم محيطة بذكر دخولهم الجنة إشارة إلى دوامها { إلى الطيب من القول } فلم يزالوا في حال حسن { وهدوا } وبنى الفعل أيضاً للمفعول إشارة إلى سهولة الهداية لهم وللأتقياء منهم ، ولذلك لم يذكر العزة ، واكتفى بذكر الحمد فقيل : { إلى صراط الحميد * } الذي وفقهم لسلوك ما يحمدون عليه فيحمدون عاقبة ، فكان فعلهم حسناً كما كان قولهم حسناً ، فدخلوا الجنة التي هي أشرف دار عند خير جار وحلوا فيها أشرف الحلي كما تحلوا في الدنيا بأشرف . الطرائق ، هذا بعد أن حازوا أشرف الذكر في الدنيا عكس حال الكفار في اقتراف ما أدخلهم ما كلما أرادوا الخروج منه اعيدوا فيه ، مع ما نالهم من سوء الذكر ، بإقبالهم كالبهائم على الفاني مع خسته لحضوره ، وإعراضهم عن الباقي مع شرفه لغيابه . ولما بين ما للفريقين ، وتضمن ما للفريق الثاني بيان أعمالهم الدالة على صدق إيمانهم ، كرر ذكر الفريق الأول لبيان ما يدل على استمرار كفرهم ، ويؤكد بيان جزائهم ، فقال : { إن الذين كفروا } أي أوقعوا هذا الفعل الخبيث . ولما مان المضارع قد لا يلحظ منه زمان معين من حال أو استقبال ، بل يكون المقصود منه الدلالة على مجرد الاستمرار كقولهم : فلان يعطي ويمنع ، قال عاطفاً له على الماضي : { ويصدون } أي ويديمون الصد { عن سبيل الله } أي الملك الأعظم ، باقتسامهم طرق مكة ، وقول بعضهم لمن يمر به : خرج فينا ساحر ، وآخر يقول شاعر ، وآخر : كاهن ، فلا تسمعوا منه ، فإنه يريد أن يردكم عن دينكم ؛ قال بعض من أسلم : لم يزالوا بي حتى جعلت في أدنى الكرسف مخافة أن أسمع شيئاً من كلامهم . وكانوا يؤذون من أسلم - إلى غير ذلك من أعمالهم ، ولعله إنما عبر بالمضارع رحمة منه لهم ليكون كالشرط في الكفر فيدل على أن من ترك الصد زال عنه الكفر وإن طال ذلك منه { و } يصدون عن { المسجد الحرام } أن تقام شعائره من الطواف فيه بالبيت والصلاة والحج والاعتمار ممن هو أهل ذلك من أوليائنا . ثم وصفه بما يبين شديد ظلمهم في الصد عنه فقال : { الذي جعلناه } بما لنا من العظمة { للناس } أي كلهم ؛ ثم بين جعله لهم بقوله : { سواء العاكف فيه } أي المقيم { والباد } أي الزائر له من البادية ؛ قال الرازي في اللوامع : { سواء } رفع بالابتداء ، و { العاكف } خبره ، وصلح من تنكيره للابتداء ، لأنه كالجنس في إفادة العموم الذي هو أحسن العهد . ولما ذكر الكفار ودليل كفرهم بما استعطفهم ، وزاد في الاستعطاف بحذف الخبر عنهم ، ودل آخر الآية هلى أنه يذيقهم العذاب الأليم ، عطف عليه ما ينفر عن وصفهم فقال : { ومن يرد فيه } أي شيئاً من أفعال الكفار من الصد المذكور وغيره ، أي يقع منه إرادة لشيء من ذلك { بإلحاد } أي مصاحبة تلك الإرادة وملتبسة بجور عن الأمر المعروف وميل واعوجاج . ولما كان ذلك يقع على مطلق هذا المعنى ، بين المراد بقوله : { بظلم } أي في غير موضعه ، وأما صد الكفار عنه فإنه بحق ، لأنهم نجس لا ينبغي قربانهم المحال المقدسة ، وكذا صد الحائض والجنب والخائن { نذقه } ولما كان المشروط نوعاً من الإلحاد ، لا الإلحاد الكامل ، عبر بقوله { من عذاب أليم * } ودل هذا الخبر عمن أراد شيئاً مما فعله الكفار أن الخبر عن الكفار الفاعلين لما رتب هذا الجزاء على إرادته ما قدرته .