Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 25, Ayat: 45-46)
Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ولما بين جمود المعترضين على دلائل الصانع ، وتناهي جهلهم ، وفساد طريقتهم ، وكان المراد من العبد في تعرف ذلك أن ينظر في أفعال سيده بعين الحقيقة نظراً تفنى لديه الأغيار ، فلا يرى إلا الفاعل المختار ، خاطب رأس المخلصين الناظرين هذا النظر ، حثاً لأهل وده على مثل ذلك ، فقال ذاكراً لأنواع من الدلائل الدالة على وجود الصانع ، وإحاطة علمه ، وشمول قدرته ، مشيراً إلى أن الناظر في هذا الدليل - لوضوحه في الدلالة على الخالق - كالناظر إلى الخالق ، معبراً بوصف الإحسان تشويقاً إلى إدامة النظر إليه والإقبال عليه : { ألم تر } وأشار إلى عظم المقام وعلو الرتبة بحرف الغاية مع أقرب الخلق منزلة وأعلاهم مقاماً فقال : { إلى ربك } أي المحسن إليك ، والأصل : إلى فعله ؛ وأشار إلى زيادة التعجب من أمره بجعله في معرض الاستفهام فقال : { كيف مد الظل } وهو ظلمة ما منع ملاقاة نور الشمس ، قال أبو عبيد : وهو ما تنسخه الشمس وهو بالغداة ، والفيء ما نسخ الشمس وهو بعد الزوال . والظل هنا الليل لأنه ظل الأرض الممدود على قريب من نصف وجهها مدة تحجب نور الشمس بما قابل قرصها من الأرض حتى امتد بساطه ، وضرب فسطاطه ، كما حجب ظل ضلالهم أنوار عقولهم ، وغفلة طباعهم نفوذَ أسماعهم { ولو شاء لجعله } أي الظل { ساكناً } بإدامة الليل لا تذهبه الشمس كما في الجنة لقوله { وظل ممدود } [ الواقعة : 30 ] وإن كان بينهما فرق ، ولكنه لم يشأ ذلك بل جعله متحركاً بسوق الشمس له . ولما كان إيجاد النهار بعد إعدامه ، وتبيين الظل به غبّ إبهامه ، أمراً عظيماً ، وإن كان قد هان بكثرة الإلف ، أشار بأداة التراخي ومقام العظمة فقال : { ثم جعلنا } أي بعظمتنا { الشمس عليه دليلاً * } أي يدور معها حيثما دارت ، فلولا هي ما ظهر أن لشيء ظلاًّ ، ولولا النور ما عرف الظلام ، والأشياء تعرف بأضدادها . ولما كانت إزالته شيئاً فشيئاً بعد مدة كذلك من العظمة بمكان . قال منبهاً على فضل مدخول " ثم " وترتبه متصاعداً في درج الفضل ، فما هنا أفضل مما قبله ، وما قبله أجلّ مما تقدمه ، تشبيهاً لتباعد ما بين المراتب الثلاث في الفضل بتباعد ما بين الحوادث في الوقت : { ثم قبضناه } أي الظل ، والقبض : جمع المنبسط { إلينا } أي إلى الجهة التي نريدها ، لا يقدر أحد غيرنا أن يحوله إلى جهة غيرها ؛ قال الرازي رحمه الله في اللوامع : وهذه الإضافة لأن غاية قصر الظل عند غاية تعالي الشمس ، والعلو موضع الملائكة وجهة السماء التي فيها أرزاق العباد ، ومنها نزول الغيث والغياث ، وإليها ترتفع أيدي الراغبين ، وتشخص أبصار الخائفين - انتهى . { قبضاً يسيراً * } أي هو - مع كونه في القلة بحيث يعسر إدراكه حق الإدراك - سهل علينا ، ولم نزل ننقصه شيئاً فشيئاً حتى اضمحل كله ، أو إلا يسيراً ، ثم مددناه أيضاً بسير الشمس وحجبها ببساط الأرض قليلاً قليلاً ، أولاً فأولاً بالجبال والأبنية والأشجار ، ثم بالروابي والآكام والظراب وما دون ذلك ، حتى تكامل كما كان ، وفي تقديره هكذا من المنافع ما لا يحصى ، ولو قبض لتعطلت أكثر منافع الناس بالظل والشمس جميعاً ، فالحاصل أنه يجعل بواطنهم مظلمة بحجبها عن أنوار المعارف فيصيرون كالماشي في الظلام ، ويكون نفوذهم في الأمور الدنيوية كالماشي بالليل في طرق قد عرفها ودربها بالتكرار ، وحديث علي رضي الله عنه في الروح الذي مضى عند " والطبيات للطيبين " في النور شاهد حسي لهذا المر المعنوي - والله الموفق .