Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 25, Ayat: 47-50)
Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ولما تضمنت هذه الآية الليل النهار ، قال مصرحاً بهما دليلاً على الحق ، وإظهاراً للنعمة على الخلق : { وهو } أي ربك وحده { الذي جعل } ولما كان ما مضى في الظل أمراً دقيقاً فخص به أهله ، وكان أمر الليل والنهار ظاهراً لكل أحد ، عم فقال : { لكم الليل } أي الذي تكامل به مد الظل { لباساً } أي ساتراً للأشياء عن الأبصار كما يستر اللباس { والنوم سباتاً } أي نوماً وسكوناً وراحة ، عبارة عن كونه موتاً أصغر طاوياً لما كان من الإحساس ، قطعاً عما كان من الشعور والتقلب ، دليلاً لأهل البصائر على الموت ؛ قال البغوي وغيره : وأصل السبت القطع . وفي جعله سبحانه كذلك من الفوائد الدينية والدنيوية ما لا يعد ، وكذا قوله : { وجعل النهار نشوراً * } أي حياة وحركة وتقلباً بما أوجد فيه من اليقظة المذكرة بالبعث ، المهيئة للتقلب ، برد ما أعدمه النوم من جميع الحواس ؛ يحكى أن لقمان قال لابنه : كما تنام فتوقظ فكذلك تموت فتنشر . فالآية من الاحتباك : ذكر السبات أولاً دليلاً على الحركة ثانياً ، والنشور ثانياً دليلاً على الطيّ والسكون أولاً . ولما دل على عظمته بتصرفه في المعاني بالإيجاد والإعدام ، وختمه بالإماتة والإحياء بأسباب قريبة ، أتبعه التصرف في الأعيان بمثل ذلك ، دالاًّ على الإماتة والإحياء بأسباب بعيدة ، وبدأه بما هو قريب للطافته من المعاني ، وفيه النشر الذي ختم به ما قبله ، فقال : { وهو } أي وحده { الذي أرسل الرياح } فقراءة ابن كثير بالإفراد لإرادة الجنس ، وقراءة غيره بالجمع أدل على الاختيار بكونها تارة صباً وأخرى دبوراً ، ومرة شمالاً وكرة جنوباً وغير ذلك { بشراً } أي تبعث بأرواحها السحاب ، كما نشر بالنهار أرواح الأشباح { بين يدي رحمته } لعباده بالمطر . ولما كان السحاب قريباً من الريح في اللطافة ، والماء قريباً منهما ومسبباً عما تحمله الريح من السحاب ، أتبعهما به ، ولما كان في إنزاله من الدلالة على العظمة بإيجاده هنالك وإمساكه ثم إنزاله في الوقت المراد والمكان المختار على حسب الحاجة ما لا يخفى ، غير الأسلوب مظهراً للعظمة فقال : { وأنزلنا من السماء } أي حيث لا ممسك للماء فيه غيره سبحانه { ماء } ثم أبدل منه بياناً للنعمة به فقال : { طهوراً * } أي طاهراً في نفسه مطهراً لغيره ، اسم آلة كالسحور والسنون لما يتسحر به ويستن به ، ونقل أبو حيان عن سيبويه أنه مصدر لتطهّر المضاعف جرى على غير فعله . وأما جعله مبالغة لطاهر فلا يفيد غير أنه بليغ الطهارة في نفسه لأن فعله قاصر . ولما كانت هذه الأفعال دالة على البعث لكن بنوع خفاء ، أتبعها ثمرة هذا الفعل دليلاً واضحاً على ذلك ، فقال معبراً بالإحياء لذلك ، معللاً للطهور المراد به البعد عن جميع ما يدنسه من ملوحة أو مرارة أو كبرتة ونحو ذلك مما يمنع كمال الانتفاع به : { لنحيي به } أي بالماء . ولما كان المقصود بإحياء الأرض بالنبات إحياء البلاد لإحياء أهلها قال : { بلدة } ولو كان ملحاً أو مراً أو مكبرتاً لم تكن فيه قوة الإحياء . ولما كره أن يفهم تخصيص البلاد ، أجري الوصف باعتبار الموضع ليعم كل مكان فقال : { ميتاً } أي بما نحدث فيه من النبات بعد أن كان قد صار هشيماً ثم تراباً ، ليكون ذلك آية بينة على قدرتنا على بعث الموتى بعد كونهم تراباً . ولما كان في مقام العظمة ، بإظهار القدرة ، زاد على كونه آية على البعث بإظهار النبات الذي هو منفعة للرعي منفعة أخرى عظيمة الجدوى في الحفظ من الموت بالشرب كما كانت آية الإحياء حافظة بالأكل فقال : { ونسقيه } أي الماء وهو من أسقاه - مزيد سقاه ، وهما لغتان . قال ابن القطاع : سقيتك شراباً وأسقيتك ، والله تعالى عباده وارضه كذلك . { مما خلقنا } أي بعظمتنا . ولما كانت النعمة في إنزال الماء على الأنعام وأهل البوادي ونحوهم أكثر ، لأن الطير والوحش تبعد في الطلب فلا تعدم ما تشرب ، خصها فقال : { أنعاماً } وقدم النبات لأن به حياة الأنعام ، والأنعام لأن بها كمال حياة الإنسان ، فإذا وجد ما يكفيها من السقي تجزّأ هو بأيسر شيء ، وأتبع ذلك قوله : { وأناسيّ كثيراً * } أي بحفظنا له في الغدران لأهل البوادي الذين يبعدون عن الأنهار والعيون وغيرهم ممن أردنا ، لأنه تعالى لا يسقي جميع الناس على حد سواء ، ولكن يصيب بالمطر من يشاء ، ويصرفه عمن يشاء ، ويسقي بعض الناس من غير ذلك ، ولذا نكر المذكورات - كما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال : ما من عام بأمطر من عام ، ولكن الله قسم ذلك بين عباده على ما يشاء - وتلا هذه الآية . وقال البغوي : وذكر ابن إسحاق وابن جريج ومقاتل وبلغوا به ابن مسعود رضي الله عنه يرفعه قال : ليس من سنة بأمطر من أخرى ، ولكن الله قسم الأرزاق ، فجعلها في السماء الدنيا في هذا القطر ، ينزل منه كل سنة بكيل معلوم ووزن معلوم ، فإذا عمل قوم بالمعاصي حول الله ذلك إلى غيرهم ، وإذا عصوا جميعاً صرف الله تعالى ذلك إلى الفيافي والبحار - انتهى . وكان السر في ذلك أنه كان من حقهم أن يطهروا ظواهرهم وبواطنهم ، ويطهروا غيرهم ليناسبوا حاله في الطهورية ، فلما تدنسوا بالقاذورات تسببوا في صرفه عنهم . ولما ذكر سبحانه أن من ثمرة إنزال القرآن نجوماً إحياء القلوب التي هي أرواح الأرواح ، وأتبعه ما لاءمه ، إلى أن ختم بما جعله سبباً لحياة الأشباح ، فكان موضعاً لتوقع العود إلى ما هو حياة الأرواح ، قال عاطفاً على متعلق { كذلك لنثبت } [ الفرقان : 32 ] منبهاً على فائدة أخرى لتنجيمه أيضاً : { ولقد صرفناه } أي وجهنا القرآن . كما قال ابن عباس رضي الله عنهما إنه المراد ههنا ، ويؤيده ما بعده - وجوهاً من البيان ، وطرقناه طرقاً تعيي أرباب اللسان ، في معان كثيرة جداً { بينهم } في كل قطر عند كل قوم { ليذكروا } بالآيات المسموعة ما ركزنا في فطرهم من الأدلة العقلية والمؤيدة بالآيات المرئية ولو على أدنى وجوه التذكر المنجية لهم - بما أشار إليه الإدغام . ولما كان القرآن قائداً ولا بد لمن أنصف إلى الإيمان ، دل على أن المتخلف عنه إنما هو معاند بقوله : { فأبى } أي لم يرد { أكثر الناس } أي بعنادهم { إلا كفوراً * } مصدر كفر مبالغاً فيه .