Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 26, Ayat: 108-116)
Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ولما عرض عليهم التقوى بالرفق ، وعلل ذلك بما ثبت به أمرها ، تسبب عنه الجزم بالأمر فقال : { فاتقوا الله } أي أوجدوا الخو والحذر والتحرز من الذي اختص بالجلال والجمال ، مبادرين إلى ذلك بتوحيده لتحرزوا أصل السعادة فتكونوا من أهل الجنة { وأطيعون * } أي في كل ما آمركم لتحرزوا رتبة الكمال في ذلك ، فلا يمسكم عذاب . ولما أثبت أمانته ، نفى تهمته فقال : { وما أسألكم عليه } أي على هذا الحال الذي أتيتكم به ؛ وأشار إلى الإعراق في النفي بقوله : { من أجر } أي ليظن ظان أني جعلت الدعاء سبباً له ؛ ثم أكد هذا النفي بقوله : { إن } أي ما { أجري } أي في دعائي لكم { إلا على رب العالمين * } أي الذي دبر جميع الخلائق ورباهم . ولما انتفت التهمة ، تسبب عن انتفائها أيضاً ما قدمه ، فأعاده إعلاماً بالاهتمام بذلك زيادة في الشفقة عليهم وتأكيداً له في قلوبهم تنبيهاً على أن الأمر في غاية العظمة لما يعلم من قلوبهم من شدة الجلافة فقال : { فاتقوا الله } أي الذي حاز جميع صفات العظمة { وأطيعون } . ولما قام الدليل على نصحه وأمانته ، أجابوا بما ينظر إلى محض الدنيا كما أجاب من قال من أشراف العرب { ما لهذا الرسول } الآيات ، وقال : لو طردت هؤلاء الضعفاء لرجونا أن نتبعك حتى نزل في ذلك { ولا تطرد الذين يدعون ربهم } [ الأنعام : 52 ] ونحوها من الآيات ، بأن { قالوا } أي قومه ، منكرين لاتباعه استناداً إلى داء الكبر الذي ينشأ منه بطر الحق وغمط الناس - أي احتقارهم : { أنؤمن لك } أي لأجل قولك هذا وما أثبته أوصافك { و } الحال أنه قد { اتبعك الأرذلون * } أي المؤخرون في الحال والمآل ، والأحوال والأفعال ، فيكون إيماننا بك سبباً لاستوائنا معهم ، فلو طردتهم لم يكن لنا عذر في التخلف عنك ، ولا مانع من اتباعك ، فكان ما متعوا به من العرض الفاني مانعاً لهم عن السعادة الباقية ، وأما الضعفاء فانكسار قلوبهم وخلوّها عن شاغل موجبٌ لإقبالها على الخير وقبولها له ، لأن الله تعالى عند المنكسرة قلوبهم ، وهكذا قالت قريش في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وما زالت أتباع الرسل كذلك حتى صارت من سماتهم وأماراتهم كما قال هرقل في سؤاله عن أتباع النبي صلى الله عليه وسلم ، فكان مثال المستكبرين مثال شخص كان آخر دونه بدرجة ، فأصبح فوقه بدرجة ، فأنف من أن يرتقي إلى درجته لئلا يساويه ، ورضي لنفسه أن يكون دونه ، فما اسخف عقله ! وما أكثر جهله ! فلا شيء أبين من هذا في أن التقدم في الأمور الدنيوية داء لا دواء له إلا إماتة النفس بالتبرؤ منه والبعد عنه . ولما كانت الجواهر متساوية في أنها مخلوقات الله ، وإنما تتشرف بآثارها ، فالآدمي إنما يشرف أو يرذل بحاله من قاله وفعاله ، أشار إلى أنه يعتبر ما هم عليه الآن من الأحوال الرفيعة ، والأوصاف البديعة ، فلذلك { قال } نافياً لعلمه بما قالوه في صورة استفهام إنكاري : { وما } أي وأيّ شيء { علمي بما كانوا يعملون * } أي قبل أن يتبعوني ، أي وما لي وللبحث عن ذلك ، إنما لي ظاهرهم الآن وهو خير ظاهر ، فهم الأشرفون وإن كانوا أفقر الناس وأخسّهم نسباً ، فإن الغني غني الدين ، والنسب نسب التقوى ؛ ثم أكد أنه لا يبحث عن بواطنهم بقوله : { إن } أي ما { حسابهم } أي في الماضي والآتي { إلا على ربي } المحسن إليّ باتباعهم لي ليكون لي مثل أجرهم ، المخفف عني أن يكلفني بحاسبهم وتعرف بواطنهم ، لأنه المختص بضبط جميع الأعمال والحساب عليها { لو تشعرون * } أي لو كان لكم نوع شعور لعلمتم ذلك فلم تقولوا ما قلتم مما هو دائر على أمور الدنيا فقط ، ولا نظر له إلى يوم الحساب . ولما أفهم قوله رد ما أفهمه قولهم من طردهم ، صرح به في قوله : { وما } أي ولست { أنا بطارد المؤمنين * } أي الذين صار الإيمان لهم وصفاً راسخاً فلم يرتدوا عنه للطمع في إيمانكم ولا لغيره من اتباع شهواتكم ؛ ثم علل ذلك بقوله : { إن } أي ما { أنا إلا نذير } أي محذر ، لا وكيل مناقش على البواطن ، ولا متعنت على الاتباع { مبين * } أوضح ما أرسلت به فلا أدع فيه لبساً . ولما أياسهم مما أرادوا من طرد أتباعه لما أوهموا من اتباعه لو طردهم خداعاً ، أقبلوا على التهديد ، فاستأنف سبحانه الإخبار عن ذلك بقوله : { قالوا لئن لم تنته } ثم سموه باسمه جفاء وقلة أدب فقالوا : { يا نوح لتكونن من المرجومين * } أي المقتولين ، ولا ينفعك أتباعك هؤلاء الضعفاء .