Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 26, Ayat: 11-18)
Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ولما كان كأنه قيل : أي قوم ؟ قال مبدلاً إشارة أن العبارتين مؤداهما واحد لأنهم عريقون في الظلم ، لظلمهم أنفسهم بالكفرة وغيره ، وظلم بني إسرائيل وغيرهم من العباد : { قوم فرعون } . ولما كان المقصود بالرسالة تخويفهم من الله تعالى ، وإعلامهم بجلاله ، استأنف قوله معلماً بذلك في سياق الإنكار عليهم ، والإيذان بشديد الغضب منهم ، والتسجيل عليهم بالظلم ، والتعجيب من حالهم في عظيم عسفهم فيه ، وأنه قد طال إمهاله لهم وهو لا يزدادون إلا عتواً ولزوماً للموبقات : { ألا يتقون * } أي يحصل منهم تقوى . ولما كان من المعلوم أن من أتى الناس بما يخالف أهواءهم . لم يقبل ، أخبر من تشوف إلى معرفة جوابه أنه أجاب بما يقتضي الدعاء بالمعونة ، لما عرف من خطر هذا المقام ، بقوله ملتفتاً إلى نحو { يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً } [ الفرقان : 30 ] { قال رب } أي أيها الرفيق بي { إني أخاف أن يكذبون * } أي فلا يترتب على إتياني إليهم أثر ، ويبغون لي الغوائل ، فاجعل لي قبولاً ومهابة تحرسني بها ممن يريدني بسوء ، ويجوز أن يريد بـ ( أخاف ) أعلم أو ( أظن ) ، فيكون " أن " مخففة ، فيكون الفعلان معطوفين على " يكذبون " في قراءة الجمهور بالرفع مع جواز العطف على ( أخاف ) فيكون التقدير : { و } أخاف أنه ، أو قال : إني { يضيق صدري } عند تكذيبهم أو خوفي من تكذيبهم لي انفعالاً كما هو شأن أهل المروءات ، وأرباب علو الهمم ، لما غرز فيهم من الحدة والشدة في العزيمة إذا لم يجدوا مساغاً { ولا ينطلق } ونصب يعقوب الفعلين عطفاً على { يكذبون } على أن ( أن ) ناصبة { لساني } أي في التعبير عما ترسلني إليهم به ، لما فيه من الحبسة في الأصل بسبب تعقده لتلك الجمرة التي لدغته في حال الطفولية ، فإذا وقع التكذيب أو خوفه وضاق القلب ، انقبض الروح إلى باطنه فازدادت الحبسة ، فمست الحاجة إلى معين يقوي القلب فيعين على إطلاق اللسان عند الحبسة لئلا تختل الدعوة { فأرسل } أي فتسبب عن ذلك الذي اعتذرت به عن المبادرة إلى الذهاب عند الأمر أني أسألك في الإرسال { إلى هارون } أخي ، ليكون رسولاً من عندك فيكون لي عضداً على ما أمضى له من الرسالة فيعين على ما يحصل من ذلك ، وليس اعتذاره بتعلل في الامتثال ، وكفى بطلب العون دليلاً على التقبل ، لا على التعلل . ولما ذكر ما تؤثره الرسالة ، وقدم الإشارة إلى استكشافه لأنه أهم ، أتبعه ما يترتب على مطلق التظاهر لهم فضلاً عن مواجهتهم بما يكرهون فقال : { ولهم عليّ } أي بقتلي نفساً منهم ؛ وقال : { ذنب } وإن كان المقتول غير معصوم تسمية له بما يزعمونه ، ولذلك قيده بـ " لهم " وأيضاً فلكونه ما كان أتاه فيه من الله تعالى أمر بخصوصه { فأخاف } بسبب ذلك { أن يقتلون } أي بذلك ، مع ما أضمه إليه من التعرض لهم ، فلا أتمكن من أداء الرسالة ، فإذا كان هارون معي عاضدني في إبلاغها ، وكل ذلك استكشاف واستدفاع للبلاء ، واستعلام للعافية ، لا توقف في القبول - كما مضى التصريح به في سورة طه . ولما استشرفت النفس غلى معرفة جوابه عن هذه الأمور المهمة شفى عناءها بقوله ، إعلاماً بأنه سبحانه استجاب له في كل ما سأل : { قال } قول كامل القدرة شامل العلم كما هو وصفه سبحانه : { كلا } أي ارتدع عن هذا الكلام ، فإنه لا يكون شيء مما خفت ، لا قتل ولا غيره - وكأنه لما كان التكذيب مع ما قام على الصدق من البراهين ، المقوية لصاحبها ، الشارحة لصدره ، المعلية لأمره ، عد عدماً - وقد أجبناك إلى الإعانة بأخيك { فاذهبا } أي أنت وهو متعاضدين ، إلى ما أمرتك به ، مؤيدين { بآياتنا } الدالة على صدقكما على ما لها من العظمة بإضافتها إلينا ؛ ثم علل تأمينه له بقوله : { إنا } بما لنا من العظمة { معكم } أي كائنون عند وصولكما إليهم فيمن اتبعكما من قومكما ؛ ثم أخبر خبراً آخر بقوله : { مستمعون * } أي سامعون بما لنا من العظمة في القدرة وغيرها من صفات الكمال ، إلى ما تقولان لهم ويقولون لكما ، فلا نغيب عنكم ولا تغيبون عنا ، فنحن نفعل معكما من المعونة والنصر فعل القادر الحاضر لما يفعل بحبيبه المصغي له بجهده ، ولذلك عبر بالاستماع ؛ قال أبو حيان : وكان شيخنا الأستاذ أبو جعفر بن الزبير يرجح أن يكون أريد بصورة الجمع المثنى والخطاب لموسى وهارون فقط ، لأن لفظة " مع " تباين من يكون كافراً ، فإنه لا يقال : الله معه ، وعلى أنه أريد بالجمع التثنية حمله سيبويه كأنهما لشرفهما عند الله تعالى عاملهما في الخطاب معاملة الجمع إذ كان ذلك جائزاً أن يعامل به الواحد لشرفه وعظمته - انتهى . وهو كلام نفيس مؤيد بتقديم الظرف ، ويكون حينئذ خطابهما مشاكلاً لتعظيم المتكلم سبحانه نفسه ، لأن المقام للعظمة ، وعظمة الرسول من عظمة المرسل ، على أنه يجوز أن يكون ذلك إشارة إلى البشارة بمن يتبعهما كما قدرته ، ويجوز أن تكون المعية للكل كما في قوله تعالى : { ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم } [ المجادلة : 7 ] . ولما نفى سبحانه أن يكون شيء مما خافه موسى عليه السلام على هذا الوجه المؤكد ، وكان ظهور ذلك في مقارعة الرأس أدل وأظهر ، صرح به في قوله : { فأتيا } أي فتسبب عن ذلك الضمان بالحراسة والحفظ أني أقول لكما : ائتيا { فرعون } نفسه ، وإن عظمت مملكته ، وجلّت جنوده { فقولا } أي ساعة وصولكما له ولمن عنده : { إنا رسول } أفرده مريداً به الجنس الصالح للاثنين ، إشارة بالتوحيد إلى أنهما في تعاضدهما واتفاقهما كالنفس الواحدة ، ولا تخالف لأنه إما وقع مرتين كل واحدة بلون ، أو مرة بما يفيد التثنية والاتفاق ، فساغ التعبير بكل منهما ، ولم يثنّ هنا لأن المقام لا اقتضاء له للتنبيه على طلب نبينا صلى الله عليه وسلم المؤازرة بخلاف ما مر في سورة طه { رب العالمين * } أي المحسن إلى جميع الخلق المدبر لهم ؛ ثم ذكر له ما قصد من الرسالة إليه فقال معبراً بأداة التفسير لأن الرسول فيه معنى الرسالة التي تتضمن القول : { أن أرسل } أي خلّ وأطلق ؛ وأعاد الضمير على معنى رسول فقال : { معنا بني إسرائيل * } أي قومنا الذين استبعدتهم ظلماً ، ولا سبيل لك عليهم ، نذهب بهم إلى الأرض المقدسة التي وعدنا الله بها على ألسنة الأنبياء من آبائنا عليهم الصلاة والسلام . ولما كان من المعلوم أنهما امتثلا ما أمرهما الله ، فأتياه وقالا له ما أمرا به ، تشوفت النفس إلى جوابه لهما ، فقال تعالى التفاتاً إلى مثل قوله في التي قبلها { وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام } [ الفرقان : 7 ] { وإن يتخذونك إلا هزواً } [ الأنبياء : 36 ] ونحو ذلك تسلية لهذا النبي الكريم وتحقيقاً لمعنى قوله تعالى { كلا } و { مستمعون } من أن فرعون وإن بالغ في الإبراق والإرعاد لا يروع موسى عليه السلام شيء منه : { قال } أي فرعون حين أبلغاه الرسالة مخاطباً لموسى عليه السلام علماً منه أنه الأصل فيها ، وأخوه إنما هو وزير ، منكراً عليه مواجهته بمثل هذا ومانّاً عليه ليكف من جرأته بتصويب مثل هذا الكلام إليه : { ألم نربك } أي بعظمتنا التي شاهدتها { فينا وليداً } أي صغيراً قريب عهد بالولادة { ولبثت فينا } أي لا في غيرنا ، باعتبار انقطاعك إلينا ، وتعززك في الظاهر بنا { من عمرك سنين * } أي كثيرة ، فلنا عليك بذلك من الحق ما ينبغي أن يمنعك من مواجهتنا بمثل هذا ، وكأنه عبر بما يفهم النكد كناية عن مدة مقامه عنده بأنها كانت نكده لأنه وقع فيما كان يخافه ، وفاته ما كان يحتاط به من ذبح الأطفال .