Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 26, Ayat: 19-25)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما ذكّره منة تحمله على الحياء منه ، ذكّره ذنباً هو أهل لأن يخاف من عاقبته فقال مهولاً له بالكناية عنه : { وفعلت فعلتك } أي من قتل القطبي ، ثم أكد نسبته إلى ذلك مشيراً إلى أنه عامله بالحلم تخجيلاً له فقال : { التي فعلت وأنت } أي والحال أنك { من الكافرين * } أي لنعمتي وحق تربيتي بقتل من ينسب إليّ ، أو عده منهم لسكوته عنهم إذا ذاك ، لأنه لم يكن قبل الرسالة مأموراً فيهم بشيء ، فكان مجاملاً لهم ، فكأنه قال : وأنت منا . فما لك الآن تنكر علينا وتنسبنا إلى الكفر ؟ { قال } مجيباً له على طريق النشر المشوش ، واثقاً بوعد الله بالسلامة مقراً بما دندن عليه من القتل لأنه لم يكن متحققاً لذلك ، وما ترك قتله إلا التماساً للبينة : { فعلتها إذاً } أي إذ قتلته { وأنا من الضالين * } أي لا أعرف ديناً ، فأنا واقف عن كل وجهة حتى يوجهني ربي إلى ما يشاء - قال ابن جرير : والعرب تضع الضلال موضع الجهل والجهل موضع الضلال - انتهى . وقد تقدم في الفاتحة للحرالي في هذا الكلام نفيس - على أن هذه الفعلة كانت مني خطأ { ففررت } أي فتسبب عن فعلها وتعقبه أني فررت { منكم } أي منك لسطوتك ومن قومك لإغرائهم إياك عليّ { لما خفتكم } على نفسي أن تقتلوني بذلك القتيل الذي قتلته خطأ مع كونه كافراً مهدر الدم { فوهب لي ربي } الذي أحسن إليّ بتربيتي عندكم تحت كنف أمي آمنة مما أحدثتم من الظلم خوفاً مني { حكماً } أي علماً أعمل به عمل الحكام الحكماء { وجعلني من المرسلين * } أي فاجهد الآن جهدك فإني لا أخافك لقتل ولا غيره . ولما اجتمع في كلام فرعون منّ وتعيير ، بدأ بجوابه عن التعيير لأنه الأخير فكان أقرب ، ولأنه أهم ، ثم عطف عليه جوابه عما منّ به ، فقال موبخاً له مبكتاً منكراً عليه غير أنه حذف حرف الإنكار إجمالاً في القول وإحساناً في الخطاب : { وتلك } أي التربية الشنعاء العظيمة في الشناعة التي ذكرتنيها { نعمة تمنها عليّ } . ولما كان سببها ظلمه لقومه ، جعله نفسها فقال مبدلاً منها تنبيهاً على إحباطها ، وإعلاماً بأنها - بكونها نقمة - أولى منها في عدها نعمة : { أن عبدت } أي تعبيدك وتذليلك على ذلك الوجه البديع المبعد قومي { بني إسرائيل * } أي جعلتهم عبيداً ظلماً وعدواناً وهو أبناء الأنبياء ، ولسلفهم يوسف عليه السلام عليكم من المنة - بإحياء نفوسكم أولاً ، وعتق رقابكم ثانياً - ما لا تقدرون له على جزاء أصلاً ، ثم ما كفاك ذلك حتى فعلت ما لم يفعله مستعبد ، فأمرت بقتل أبنائهم ، فكان ذلك سبب وقوعي إليك لأسلم من ظلمك - كما مر بيانه ويأتي إن شاء الله تعالى مستوفى في سورة القصص . ولما كلم اللئيم الذميم الكليم العظيم بما رجا أن يكفه عن مواجهته بما يكره ، ويرجعه إلى مداراته . فلم يفعل ، وفهم ما في جوابه هذا الأخير من الذم له والتعجيز ، وإثبات القدرة التامة والعلم الشامل لله ، بما دبر في أمر موسى عليه السلام ، وأنه لا ينهض لذلك بجواب ولا يحمد له فيه قول ، عدل عنه إلى جوابه عن الرسالة بما يموه به أيضاً على قومه لئلا يرجعوا عنه ، فأخبر تعالى عن محاورته في ذلك بقوله على طريق الجواب لمن كأنه قال : ما قال له جواباً لهذا الكلام ، الذي كأنه السهام ؟ : { قال فرعون } حائداً عن جواب موسى عليه السلام لما فيه من تأنيبه وتعجيزه . منكراً لخالقه على سبيل التجاهل ، كما أنكر هؤلاء الرحمن متجاهلين وهو أعرف الناس بغالب أفعاله ، كما كان فرعون يعرف ، لقول موسى عليه السلام { لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض } [ الإسراء : 102 ] : { وما رب العالمين * } أي الذي زعمت أنكما رسوله . فسأل بـ " ما " عن حقيقته وإنما أراد في الحقيقة إنكاره . ولما كان تعريف حقيقته سبحانه بنفسها محالاً لعدم التركيب ، فكان تعريفها لا يصح إلا بالخارج اللازم الجلي ، تشوف السامع إلى ما يجيب به عنه ، فاستأنف قوله إخباراً عنه : { قال } أي موسى معرضاً عن التعريف بغير الأفعال إعلاماً بأنه لا شبيه له ، وأنه مباين وجوده لوجود كل شيء سواه ، معرفاً له سبحانه بأظهر أفعاله مما لا يقدر أحد على ادعاء المشاركة فيه ، مشيراً إلى خطابه في طلب الماهية بأنه لا مماثل له : أقول لك ولمن أردت بطلب الحقيقة التمويه عليهم : هو { رب } أي خالق ومبدع ومدبر { السماوات } كلها { والأرض } وإن تباعدت أجرامها بعضها عن بعض { وما بينهما } وذلك أظهر العالم الذي هو صنعته وأنتم غير مستغنين عنه طرفة عين ، فهذه هي المنة ، لا منتك عليّ بالتربية إلى حين استغنيت عنك ، وهذا هو الاستبعاد بالإحسان ، مع العصيان بالكفران ، لا استبعادك لقومي بإهلاكهم وهم في طاعتك ، ولسلفهم عليكم من المنة ما لا تجهلونه { إن كنتم } أي كوناً راسخاً { موقنين * } أي متصفين بما عليه أهل العلم بأصول الدين من الثقة بما تعتقدون اتصافاً ثابتاً ، والجواب : علمتم ذلك ، وعلمتم أنه لا جواب أسد منه ، لأن المذكور متغير ، فله مغير لا يتغير ، وهو هذا الذي أرسلناه ، أي إن كان لكم يقين فأنتم تعرفونه ، لشدة ظهوره ، وعموم نوره { قال } أي فرعون { لمن حوله } من أشراف قومه مموهاً أيضاً : { ألا تستمعون * } أي تصغون إليه بجميع جهدكم ، وهو كلام ظاهره أنه نبههم عن الإنكار ، لأنه سأل عن الماهية ، فأجيب بغيرها ، ويحتمل غير ذلك لو ضويق فيه ، فهو من خفيّ مكره .