Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 117-120)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما كان المنافقون هم المقصودين بالذات بهذه الآيات ، وكان أكثرهم أهل أوثان ؛ ناسب كل المناسبة قوله معللاً لأن الشرك ضلال : { إن } أي ما { يدعون } وما أنسب التعبير لعباد الأوثان عن العبادة بالدعاء إشارة إلى أن كل معبود لا يدعي في الضرورات فيسمع ، فعابده أجهل الجهلة . ولما كان كل شيء دونه سبحانه وتعالى ، لأنه تحت قهره ؛ قال محتقراً لما عبدوه : { من دونه } أي وهو الرحمن . ولما كانت معبوداتهم أوثاناً متكثرة ، وكل كثرة تلزمها الفرقة والحاجة والضعف مع أنهم كانوا يسمون بعضها بأسماء الإناث من اللات والعزى ، ويقولون في الكل : إنها بنات الله ، ويقولون عن كل صنم : أنثى بني فلان ؛ قال : { إلا إناثاً } أي فجعلوا أنفسهم للإناث عباداً وهم يأنفون من أن يكون لهم لهم أولاداً ، وفي التفسير من البخاري : إناثاً يعني الموات حجراً أو مدراً - أو ما أشبه ذلك ؛ هذا مع أن مادة " أنث " و " وثن " يلزمها في نفسها الكثرة والرخاوة والفرقة ، وكل ذلك في غاية البعد عن رتبة الإلهية ، وسيأتي إن شاء الله تعالى بسط ذلك في سورة العنكبوت وأن هذا القصر قلب قصر لاعتقادهم أنها آلهة ، ومعنى الحصر : ما هي إلا غير آلهة لما لها من النقص { وإن يدعون } أي يعبدون في الحقيقة { إلا شيطاناً } أي لأنه هو الآمر لهم بذلك ، المزين لهم { مريداً } أي عاتياً صلباً عاصياً ملازماً للعصيان ، مجرداً من كل خير ، محترقاً بأفعال الشر ، بعيداً من كل أمن ، من : شاط وشطن ؛ ومرد - بفتح عينه وضمها ، وعبر بصيغة فعيل التي هي للمبالغة في سياق ذمهم تنبيهاً على أنهم تعبدوا لما لا إلباس في شرارته ، لأنه شر كله ، بخلاف ما في سورة الصافات ، فإن سياقه يقتضي عدم المبالغة - كما سيأتي إن شاء الله تعالى ؛ ثم بين ذلك بقوله : { لعنه الله } أي أبعده الملك الأعلى منكل خير فبعد فاحترق . ولما كان التقدير : فقال إصراراً على العداوة بالحسد : وعزتك لأجتهدن في إبعاد غيري كما أبعدتني ! عطف عليه قوله : { وقال لأتخذنَّ } أي والله لأجتهدن في أن آخذ { من عبادك } الذين هم تحت قهرك ، ولا يخرجون عن مرادك { نصيباً مفروضاً * } أي جزءاً أنت قدرته لي { ولأضلنهم } أي عن طريقك السوي بما سلطتني به من الوساوس وتزيين الأباطيل { ولأمنينّهم } أي كل ما أقدر عليه من الباطل من عدم البعث وغيره من طول الأعمال وبلوغ الآمال من الدنيا والآخرة بالرحمة والعفو والإحسان ونحوه مما هو سبب للتسويف بالتوبة { ولآمرنهم } . ولما كان قد علم مما طبعوا عليه من الشهوات والحظوظ التي هيأتهم لطاعته ، وكانت طاعته في الفساد عند كل عاقل في غاية الاستبعاد ؛ أكد قوله : { فليبتكن } أي يقطعن تقطيعاً كثيراً { آذان الأنعام } ويشققونها علامة على ما حرموه على أنفسهم { ولآمرنهم فليغيرن خلق الله } أي الذي له الحكمة الكاملة فلا كفوء له ، بأنواع التغيير من تغيير الفطرة الأولى السليمة إلى ما دون ذلك من فقء عين الحامي ونحو ذلك ، وهو إشارة إلى ما حرم أهل الجاهلية على أنفسهم بالتقريب للأصنام من السائبة وما معها ، المشار إلى إبطاله في أول المائدة بقوله { أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم } [ المائدة : 1 ] المصرح به في آخرها بقوله : { ما جعل الله من بحيرة } [ المائدة : 103 ] ويكون التغيير بالوشم والوشر ، ويدخل فيه كل ما خالف الدين ، فإن الفطرة الأولى داعية إلى خلاف ذلك حتى أدخلوا فيه تشبيه الرجال بالنساء في التخنث وما يتفرع عنه في تشبيه النساء بالرجال في السحق ومانحاً فيه نحوه . ولما كان التقدير : فقد خسر من تابعه في ذلك ، لأنه صار للشيطان ولياً ؛ عطف عليه معمماً قوله : { ومن يتخذ } أي يتكلف منهم ومن غيرهم تغيير الفطرة الأولى فيأخذ { الشيطان ولياً } ولما كان ذلك ملزوماً لمحادة الله سبحانه وتعالى ، وكان ما هو أدنى من رتبته في غاية الكثرة ؛ بعّض ليفهم الاستغراق من باب الأولى فقال : { من دون الله } أي المستجمع لكل وصف جميل { فقد خسر } باتخاذه ذلك ولو على أدنى وجوه الشرك { خسراناً مبيناً * } أي في غاية الظهور والرداءة بما تعطيه صيغة الفعلان ، لأنه تولى من لا خير عنده ؛ ثم علل ذلك بقوله : { يعدهم } أي بأن يخيل إليهم بما يصل إلى قلوبهم بالوسوسة في شيء من الأباطيل أنه قريب الحصول ، وأنه لا درك في تحصيله ، وأنه إن لم يحصل كان في فواته ضرر ، فيسعون في تحصيله ، فيضيع عليهم في ذلك الزمانُ ، ويرتكبون فيه ما لا يحل من الأهوال والهوان { ويمنيهم } أي يزين لهم تعليق الآمال بما لا يتأتى حصوله ، ثم بين ذلك بقوله : { وما } أي والحالة أنه ما { يعدهم } وأظهر في موضع الإضمار تنبيهاً على مزيد النفرة فقال : { الشيطان } أي المحترق البعيد عن الخير { إلا غروراًَ * } أي تزييناً بالباطل خداعاً ومكراً وتلبيساً ، إظهاراً - لما لا حقيقة له أو له حقيقة سيئة - في أبهى الحقائق وأشرفها وألذها إلى النفس وأشهاها إلى الطبع ، فإن مادة " غر " و " رغ " تدول على الشرف والحسن ورفاهة العيش ، فالغرور إزالة ذلك .