Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 45-46)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما كان ختام هذه الآيات في ترهيب المعرض عن الحكم بما أنزل الله مطابقاً لقوله في أول سياق المحاربة { ثم إن كثيراً منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون } رجع إلى القتل مبيناً أنهم بدلوا في القتل كما بدلوا في الزنا ، ففضلوا بني النضير على بني قريظة ، فقال : { وكتبنا } أي بما لنا من العظمة { عليهم فيها } أي في التوراة ، عطفاً على قوله { كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس } ، وإذا أنعمت النظر وجدت ما بينهما لشدة اتصاله وقوة الداعية إليه كأنه اعتراض { أن النفس } أي مقتولة قصاصاً مثلاً بمثل { بالنفس } أي بقتل النفس بغير وجه مما تقدم { والعين } أي تقلع { بالعين } أي قلعت بغير شبهة { والأنف } يجدع { بالأنف } كذلك { والأذن } تصلم { بالأذن } على ما تقدم { والسن } تقلع { بالسن } إذا قلعت عمداً بغير حق { والجروح } أي التي تنضبط كلها { قصاص } مثلاً بمثل سواء بسواء . ولما أوجب سبحانه هذا ، رخص لهم في النزول عنه ، فسبب عن ذلك قوله : { فمن تصدق به } أي عفا عن القصاص ممن يستحقه سواء كان هو المجروح إن كان باقياً أو وارثه إن كان هالكاً { فهو } أي التصدق بالقصاص { كفارة له } أي ستارة لذنوب هذا العافي ولم يجعل لهم دية ، إنما هو القصاص أو العفو ، فمن حكم بما أنزل الله على وجه الاستمرار { بما أنزل الله } أي الذي لا كفوء له فلا أمر لأحد معه لخوف أو رجاء ، أو تديناً بالإعراض عنه سواء حكم بغيره أو لا { فأولئك } أي البعداء عن طريق الاستقامة ، البغضاء إلى أهل الكرامة { هم الظالمون * } أي الذي تركوا العدل فضّلوا ، فصاروا كمن يمشي في الظلام ، فإن كانا تديناً بالترك كان نهاية الظلم وهو الكفر ، وإلا في الزنا نحو ما تقدم ثم قال : وحدثني داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما " أن الآيات من المائدة التي قال الله فيها { فاحكم بينهم أو أعرض عنهم } [ المائدة : 42 ] إلى : { المقسطين } إنما نزلت في الدية بين بني النضير وبني قريظة , وذلك أن قتلى بني النضير وكان لهم شرف - يؤدون الدية الكاملة , وأن بني قريظة كانوا يؤدون نصف الدية ، فتحاكموا في ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله ذلك فيهم ، فحملهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحق في ذلك فجعل الدية سواء " قال ابن إسحاق : فالله أعلم أيّ ذلك كان ! وأخرجه النسائي في سننه من طريق ابن إسحاق ، وروي من طريق آخر عن ابن عباس رضي الله عنهما أيضاً ، قال : كان قريظة والنضير ، وكان النضير أشرف من قريظة ، وكان إذا قتل رجل من قريظة رجلاً من النضير قُتِل به ، وإذا قتل رجل من النضير رجلاً من قريظة أدى مائة وسق من تمر ، فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم قتل رجل من النضير رجلاً من قريظة فقالوا : ادفعوه إلينا نقتله فقالوا : بيننا وبينكم النبي صلى الله عليه وسلم فأتوه فنزلت { وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط } [ المائدة : 42 ] والقسط : النفس بالنفس ، ثم نزلت { أفحكم الجاهلية يبغون } [ المائدة : 50 ] انتهى . وهذا نص ما عندهم من التوراة في القصاص , قال في السفر الثاني : وكل من ضرب رجلاً فمات فليقتل قتلاً ، وإذا تشاجر رجلان فأصابا امرأة حبلى فأخرجا جنينها ولم تكن الروح حلت في السقط بعد ، فليغرم على قدر ما يلزمه زوج المرأة ، وليؤد ما حكم عليه الحاكم ، فإن كانت الروح حلت في السقط فالنفس بالنفس والعين بالعين والسن بالسن واليد باليد والرجل بالرجل والجراحة بالجراحة واللطمة باللطمة ، وقال في السفر الثالث بعد ذكر الأعياد في الاصحاح السابع عشر : ومن قتل إنساناً يقتل ، ومن قتل بهيمة يدفع إلى صاحبها مثلها ، والرجل يضرب صاحبه ويؤثر فيه أثراً يعاب به يصنع به كما صنع ، والجروح قصاص : الكسر بالكسر والعين بالعين والسن بالسن ، كما يصنع الإنسان بصاحبه كذلك يصنع به ، القضاء واحد لكم وللذين يقبلون إليّ ، وقال في الثاني : إذا ضرب الرجل عين عبده أو أمته ففقأها فليعتقه بدل عينه ، وإذا قلع سن عبده أو أمته فليعتقه بدل سنة - وذكر أحكاماً كثيرة ، ثم قال : ومن ذبح للأوثان فيهلك ، بل لله وحده ، وقال في الرابع : ومن يقتل نفساً لا يقتل إلا ببينة عادلة ، ولا تقبل شهادة شاهد واحد على قتل النفس ، ولا تقبلوا رشوة في إنسان يجب عليه القتل بل يقتل ، لوا تأخذوا منه رشوة ليهرب إلى قرية إلى الملجأ ليسكنها إلى وفاة الحبر العظيم ، ولا تنجسوا الأرض التي تسكنونها ، لأن الدم ينجس الأرض ، والأرض التي يسفك فيها الدم لا يغفر لتلك الأرض حتى يقتل القاتل الذي قتل ، وقال في الخامس : ولا يقتل من قد وجب عليه القتل إلا بشهادة رجلين ، لا يقتل بشهادة رجل واحد ، وإذا رجمتم فالذي يُشَهد عليه فليبدأ برجمه الشهود أولاً ثم يبدأ به جميع الشعوب ، وأهلكوا الذين يعملون الشر واستأصلوهم من بينكم ، وإن شهد رجل على صاحبه شهادة زور يقوم الرجلان قدام الحبر والقاضي فيفحصون عن أمرهما فحصاً شديداً ، فإن وجدوا رجلاً شهد شهادة ، زور يصنعوا به مثل ما أراد أن يصنع بأخيه ، ونحوّا الشر من بينكم ، وعاقبوا بالحق ليسمع الذين يتقون فيفزعوا ولا يعودوا أن يفعلوا مثل هذا الفعل القبيح بينكم ، ولا تشفق أعينكم على الظالم ، بل يكون قضاؤكم نفساً بنفس وعيناً بعين وسناً بسن ويداً بيد ورجلاً برجل . ولما كانت هذه الآيات كلها - مع ما فيها من الأسرار - ناقضة أيضاً لما ادعوا من البنوة بما ارتكبوه من الذنوب من تحريف كلام الله وسماع الكذب وأكل السحت والإعراض عن أحكام التوراة والحكم بغير حكم الله ، أتبعها ما أتى به عيسى عليه السلام الذي ادعى فيه النصارى النبوة الحقيقية والشركة في الإلهية ، وقد أتى بتصديق التوراة في الشهادة على من خالفها من اليهود بالتبرؤ من الله ، مؤكداً لما فيها من التوحيد الذي هو عماد الدين وأعظم آياتها التي أخذت عليهم بها العهود ووضعت في تابوت الشهادة الذي كانوا يقدمونه أمامهم في الحروب ، فإن كانوا باقين على ما فيه من الميثاق نصروا وإلا خذلوا ، وناسخاً لشريعتهم مجازاة لهم من جنس ما كانوا يعملون من التحريف ، وشاهداً على من أطراه بالضلال فقال : { وقفينا } إلى آخرها ، وكذا كل ما بعدها من آياتهم إلى آخر السورة ، لا تخلوا آية منها من التعرض إلى نقض دعواهم لها بذكر ذنب ، أو ذكر عقوبة عليه ، أو ذكر تكذيب لهم من كتابهم أو نبيهم ، والمعنى : أوجدنا التقفية ، وهي اتباع شيء بشيء تقدِّمه ، فيكون أتيا في قفاه لكونه وراءه ، وإلقاؤه في مظهر العظمة لتعظيم شأن عيسى عليه السلام { على آثارهم } أي النبيين الذين يحكمون بالتوراة ، وذكر الأثر يدل على أنهم كانوا قد تركوا دينهم ، لم يبق منه إلا رسم خفي { بعيسى } ونسبه إلى أمه إشارة إلى أنه لا والد له تكذيباً لليهود ، وإلى أنه عبد مربوب تكذيباً للنصارى ، فقال : { ابن مريم مصدقاً } أي عيسى عليه السلام في الأصول وكثير من الفروع و { لما بين يديه } أي مما أتى به موسى عليه السلام قبله { من التوراة } وأشار إلى أنه ناسخ لكثير من أحكامها بقوله : { وآتيناه الإنجيل } أي أنزلناه بعظمتنا عليه كما أنزلنا التوراة على موسى عليه السلام . ولما كان في الإنجيل المحكم الذي يفهمه كل أحد ، والمتشابه الذي لا يفهمه إلا الأفراد من خلص العباد ، ولا يقف بَعدَ فهمه عند حدوده إلا المتقون ، قال مبيناً لحاله : { فيه } أي آتيناه إياه بحكمتنا وعظمتنا كائناً فيه { هدى } أي وهو المحكم ، يهتدي به كل أحد سمعه إلى صراط مستقيم { ونور } أي حسن بيان كاشف للمشكلات ، لا يدع بذلك الصراط لبساً . ولما كان الناسخ للشيء بتغيير حكمه قد يكون مكذباً له ، أعلم أنه ليس كذلك ، بل هو مع النسخ للتوراة مصدق لها فقال - أي مبيناً لحال الإنجيل عطفاً على محل { فيه هدى } : { ومصدقاً } أي الإنجيل بكماله { لما بين يديه } ولما كان الذي نزل قبله كثيراً ، عين المراد بقوله : { من التوراة } فالأول صفة لعيسى عليه السلام ، والثاني صفة لكتابه ، بمعنى أنه هو والتوراة والإنجيل متصادقون ، فكل من الكتابين يصدق الآخر وهو يصدقهما ، لم يتخالفوا في شيء ، بل هو متخلق بجميع ما أتى به . ولما كان المتقون خلاصة الخلق ، فهم الذين يُنزلون كل ما في كتب الله من محكم ومتشابه على ما يتحقق به أنه هدى ويتطابق به المتشابه والمحكم ، وكان قد بين أنه فيه من الهدى ما يسهل به رد المتشابه إليه فصار بعد البيان كله هدى ، قال معمماً بعد ذلك التخصيص : { وهدى وموعظة للمتقين * } أي كل ما فيه يهتدون به ويتعظون فترق قلوبهم ويعتبرون به وينتقلون مترقين من حال عالية إلى حال أعلى منها . ذكرُ بعض ما يدل على ذلك من الإنجيل الذي بين ظهراني النصارى الآن وقد مزجتُ فيه كلام بعض الأناجيل ببعض وأغلب السياق لمتى ، وعينتُ بعض ما خالفه ، قال لوقا : وجاء إليه قوم وأخبروه خبر الجليليين الذين خلط بيلاطس دماءهم مع دماء ذبائحهم ، فأجاب يسوع وقال لهم : لا تظنوا أن أولئك الجليليين أشد خطأ من كل الجليليين إذا أصابتهم هذه الأوجاع ، لا أقول لكم , إن لم تتوبوا كلكم أنتم تهلكون مثلهم ، وهؤلاء الثمانية عشر الذين سقط عليهم البرج في سيلوخا وقتلهم أتظنون أنهم أكبر جرماً من جميع سكان يروشليم ، كلا أقول لكم ، إن لم تتوبوا فجميعكم يهلك ؛ وقال لهم : شجرة تين كانت لواحد مغروسة في كرمه ، جاء يطلب فيها ثمرة فلم يجد ، فقال للكرام : هذه ثلاث سنين آتي وأطلب فيها ثمرة فلا أجد ، اقطعها لئلا تبطل الأرض ، فقال : يا رب ! دعها في هذه السنة لأنكحها وأصلحها ، لعلها تثمر في السنة الآتية ، فإن هي أثمرت وإلا أقطعها . قال متى : ولما نزل من الجبل تبعه جمع كبير وإذا أبرص قد جاء فسجد له وقال : إن شئت فأنت قادر أن تطهرني ، فمد يده ولمسه وقال له : قد شئت فاطهر ، وللوقت طهر برصه ، وقال له يسوع : لا تقل لأحد ولكن امض فأرٍ نفسَك للكاهن وقدم قرباناً كما أمر موسى للشهادة عليهم - وقال مرقس : بشهادتهم - قال لوقا : فذاع عنه الكلام وزاد ، واجتمع جمع كثير ليسمعوا منه ويستشفوا من أمراضهم ، وأما هو فكان يمضي إلى البرية ويصلي هناك . وقال متى : ولما دخل كفرناحوم جاء إليه قائد مائة فطلب إليه قائلاً : يا رب ! فتاي ملقى في البيت مخلع وسقيم جداً ، فقال له : إني آتي وأبرئه ، فأجاب قائد المائة وقال : يا رب ! لست مستحقاً أن تدخل تحت سقف بيتي ، ولكن قل كلمة فقط فيبرأ فتاي لأني تحت سلطان ، ولي جند ، إن قلت لهذا : اذهب ، ذهب ، ولآخر : ائت ، أتى ، ولعبدي : اعمل هذا ، عمل ، فلما سمع يسوع تعجب وقال للذين يتبعونه : الحق أقول لكم ! إنني لم أجد مثل هذه الأمانة في إسرائيل ، أقول لكم : إن كثيراً يأتون من المشرق والمغرب - وقال لوقا : والشمال واليمين - يتكئون مع إبراهيم وإسحاق ويعقوب ؛ قال لوقا : وكل الأنبياء في ملكوت الله وأنتم خارجاً , ويكون الأولون آخرين والآخرون أولين ؛ وقال متى : في ملكوت السماوات ، وبنو الملكوت يلقون في الظلمة البرانية ، الموضع الذي يكون فيه البكاء وصرير الأسنان ، وقال يسوع لقائد المائة : اذهب كأمانتك يكن لك ، فبرأ الفتى في تلك الساعة ، وقال لوقا : ولما أكمل جميع كلامه ودخل كفرناحوم ، وكان عبد لقائد المائة قد قارب الموت وكان كريماً عنده ، فلما سمع بيسوع أرسل إليه شيوخ اليهود يسألونه المجيء ليخلص عبده ، فلما جاؤوا إلى يسوع طلبوا منه باجتهاد وقالوا : إنه مستحق أن يفعل معه هذا ، لأنه محب لأمتنا وهو بنى لنا كنيسة ، فمضى يسوع معهم ، وفيما هو قريب من البيت أرسل إليه قائد المائة أصدقاءه قائلاً : يا رب ! لا تتعب فإني لا أستحق أن تدخل تحت سقف بيتي ، من أجل ذلك لم أستحق أن أجيء أنا إليك , لكن قل كلمة فيبرأ , لأني رجل ذو سلطان وتحت يدي جند فأقول لهذا : امض , فيمضي , ولآخر : ائت , فيأتي , فلما سمع يسوع هذا تعجب منه والتفت إلى الجمع الذي يتبعه وقال : الحق أقول لكم ! إني لم أجد في بني إسرائيل مثل هذه الأمانة ، فرجع المرسلون إلى اليبت فوجدوا المريض قد برأ ، وفي غد كان يسوع ماضياً إلى مدينة اسمها نايين وتبعه تلاميذه أجمع وجمع كبير ، فلما قرب من باب المدينة إذا محمول قد مات وحيداً لأمه وكانت أرملة ، وجمع كبير من أهل المدينة معها ، فلما رآها الرب تحنن عليها وقال لها : لا تبكي ، وتقدم ولمس النعش فوقف الحاملون له ، وقال له : أيها الشاب ! لك أقول : قم واجلس ! فجلس الميت وبدأ يتكلم ، ودفعه لأمه ، ولحقهم خوف ومجدوا الله قائلين : لقد قام فينا نبي عظيم ، وتعاهد الله شعبه بصلاح ، فذاع هذا الكلام في كل اليهودية وكل الكور التي حولها . قال متى : وجاء يسوع إلى بيت بطرس فنظر إلى حماته ملقاة تحمى ؛ وقال مرقس : وجاء إلى بيت سمعان وأندراوس مع يعقوب ويوحنا فرأى حماة سمعون في حمى شديدة فقالوا له من أجلها ، فقدم وأمسك بيدها وأقامها ؛ وقال متى : فمس يديها فتركها الحمى وقامت تخدمهم ؛ وقال لوقا : ونهضت للوقت تخدمهم ، فلما كان المساء - قال مرقس : عند غروب الشمس - قدموا إليه مجانين كثيراً ، قال مرقس : ووقف جميع أهل المدينة على الباب ، وأبرأ كثيراً ممن به علة رديئة ، وأخرج شياطين كثيرة ؛ وقال متى : وكان يخرج الأرواح بكلمة ، وأبرأ كل سقيم لكي يتم ما قيل في أشعياء النبي القائل : إنه أخذ أمراضنا وحمل أوجاعنا . وسحرا جدا قام وخرج إلى البرية ليصلي هناك وسمعون ومن معه يطلبونه ، فلما وجدوه قالوا له : إن الجمع يطلبك ، فقال لهم : سيروا بنا إلى القرى والمدن القريبة لنكرز ، فإني لهذا وافيتُ ، فأقبل يبشر في مجمعهم في كل الجليل ويخرج الشياطين ؛ وقال لوقا : وفي غد اليوم خرج وذهب إلى موضع قفر والجمع يطلبونه ، وجاؤوا إليه وأمسكوه لئلا يمضي من عندهم ، فقال لهم : إنه ينبغي أن أبشر في المدن الأخر بملكوت الله ، لأني لهذا أرسلت ، وكان يكرز في مجامع الجليل ، وكان لما اجتمع إليه جمع ليسمعوا كلام الله كان هو واقفاً على بحيرة جاناسر ، فرأى سفينتين موقفتين على شاطىء البحيرة والصيادون قد صعدوا عليها ليغسلوا شباكهم ، فصعد إلى إحداهما التي لسمعان ، وأمر أن يبعدها عن الشط قليلاً ، وجلس يعلم في الجمع من السفينة ؛ ولما أكمل كلامه قال لسمعان : تقدم إلى اللج وألقوا شباككم ! فقال : يا معلم ! قد تعبنا الليل أجمع ولم نأخذ شيئاً ، وبكلمتك نحن نلقي شباكنا ، ولما فعلوا ذلك أخذوا سمكاً كثيراً ، وكادت شباكهم تتخرق ، فأشاروا إلى شركائهم في السفينة الأخرى ليأتوا يعينوهم ، فلما جاؤوا ملؤوا السفينتين حتى كادتا أن تغرقا ، فلما رأى سمعان ذلك خر عند قدمي يسوع وقال له : ابعد عني يا سيدي ! لأني رجل خاطىء ، لأن الخوف اعتراه وكل من معه لأجل صيد الحيتان التي اصطادوا ، وكذلك يعقوب ويوحنا ابنا زبدي اللذان كانا صديقي سمعان ، فقال يسوع لسمعان : لا تخف ، من الآن تكون صياداً تصيد للناس ، وقربوا السفن إلى الشط وتركوا كل شيء وتبعوه ؛ وقال متى : فلما نظر يسوع إلى الجمع الذي حوله أمر أن يذهبوا إلى العبر ، فجاء إليه كاتب وقال له : يا معلم ! أتبعك إلى حيث تمضي ، فقال له يسوع : إن للثعالب أجحاراً ، ولطير السماء أوكاراً ، فأما ابن الإنسان فليس له موضع يسند رأسه ؛ وقال لوقا : وقال لآخر : اتبعني ، فقال : يا رب ! ائذن لي أن امضي أولاً وأدفن أبي ، فقال له يسوع : اتبعني ودع الموتى يدفنوا موتاهم ، وقال الآخر أيضاً : بل تأذن لي أولاً أن أرتب أهل بيتي ، فقال : ما من أحد يضع يده على سكة الفدان وينظر إلى ورائه يستحق ملكوت الله ؛ وقال متى : فلما صعد السفينة تبعه تلاميذه - وقال لوقا : صعد السفينة هو وتلاميذه وقال لهم : امضوا بنا إلى عبر البحيرة ، فساروا وفيما هم سائرون نام - وإذا اضطراب عظيم كان في البحر حتى كادت الأمواج تغطي السفينة - لأن الريح كانت مضادة لهم - وهو نائم ، فتقدم إليه تلاميذه وقالوا : يا رب ! - وقال مرقس : وكانت رياح عواصف عظيمة ، وكانت الأمواج تضرب السفينة وتدخلها المياه حتى كادت تمتلىء ، وهو نائم في مؤخرها على وسادة - فأيقظوه وقالوا له : يا معلم ! نجِّنا فقد هلكنا ! فقال لهم : ما أخافكم يا قليلي الأمانة ؟ حينئذ قام وانتهر الرياح والبحر ، فصار هدوءاً عظيماً ، ثم قال متى : فلما صعد السفينة وجاء إلى العبر ودخل مدينته قدم إليه مخلع ملقى على سرير - وفي إنجيل مرقس ولوقا : إنهم أرادوا الدخول به إليه فلم يقدروا لكثرة الجمع ، فصعدوا إلى السطح ودلوه بسريره إليه - حينئذ قال للمخلع : قم ! امل سريرك واذهب إلى بيتك ! فقام ومضى إلى بيته ، فنظر الجمع وتعجبوا ومجدوا الله الذي أعطى هذا السلطان كذا للناس ؛ وقال يوحنا في إنجيله : وبعد هذا كان عيد اليهود فصعد يسوع إلى يروشليم ، وكان هناك بيروشليم مكان يسمى بالعبرانية بيت الرحمة ، وكان فيه خمسة أروقة ، وكان خلق كثير من المرضى مطروحين فيها وعمي ومقعدون وجافون ، فكانوا يتوقعون تحريك الماء ، لأن ملاكاً كان ينزل إلى الصبغة في حين بعد حين ، وكان يحرك الماء ، والذي كان ينزل فيه أولاً من بعد حركة الماء يبرأ من كل الوجع الذي به ، وكان هنا رجل سقيم منذ ثمان وثلاثين سنة ، فنظر إليه يسوع ملقى فقال له : أتحب أن تبرأ ؟ فقال : نعم يا سيدي ! ولكن ليس لي إنسان إذا تحرك الماء يلقيني في البركة أولاً ، فإلى أن أجيء أنا ينزل قدامي آخر ، فقال له : قم ، احمل سريرك وامض , فمن ساعته برأ ونهض حاملاً سريره ، وكان ذلك اليوم يوم سبت ، فقال له اليهود : إنه يوم سبت ، ولا يحل لك أن تحمل سريرك ، فأجابهم : الذي أبرأني هو قال لي : احمل سريرك وامش ، فسألوه : من هو ؟ فلم يكن يعلم من هو ، لأن يسوع كان قد استتر في الجمع الكبير الذي كان في ذلك الموضع ، ثم قال : وقال لهم يسوع : لقد عملت عملاً واحداً فعجبتم بأجمعكم ، أعطاكم موسى الختان وليس هو من موسى ولكنه من الآباء ، وقد تختنون الإنسان يوم السبت لئلا تنقضوا سنة موسى ، فلِمَ تتذمرون عليّ لإبرائي الإنسان يوم السبت ، لا تحكموا بالمحاباة ولكن احكموا حكماً عدلاً ، ثم قال : فبينما هو مار رأى رجلاً ولد أعمى فقال تلاميذه : يا معلم ! من أخطأ ؟ هذا أم أبواه حتىأنه ولد أعمى ، فقال : لا هو ولا أبواه ، ولكن لتظهر أعمال الله فيه ، ينبغي أن أعمل أعمال من أرسلني ما دام النهار ، سيأتي الليل الذي لا يستطيع أحد أن يعمل فيه عملاً ، ما دمت في العالم أن نور العالم - قال هذا وتفل على التراب وصنع من تفله طيناً وطلى به عيني ذلك الأعمى وقال له : امض واغتسل في عين سيلوخا التي تأويلها المبعوثة ، فمضى وغسلهما فعاد ينظر ، فأما جيرانه والذين كانوا يرونه يتسول فقالوا : ليس هو هذا الذي كان يجلس ويتسول ، وآخرون قالوا : إنه هو ، وآخرون قالوا : إنه يشبهه ، فأما هو فكان يقول : إني أنا هو ، فقالوا له : كيف انفتحت عيناك ؟ فقص عليهم القصة ، فقالوا : أين هو ذاك ؟ فقال : ما أدري ، فأتوا به إلى الفريسيين ، لأن يسوع صنع الطين يوم السبت ، فسأله الفريسيون فأخبرهم ، فقال قوم منهم : ليس هذا الرجل من الله إذ لا يحفظ السبت ، وآخرون قالوا : كيف يقدر رجل خاطىء أن يعمل هذه الآيات ! فوقع بينهم لذلك شقاق ، فقالوا للأعمى : ما تقول أنت من أجله ؟ قال لهم : إنه نبي ، ولم يصدق اليهود أنه كان أعمى حتى دعوا أبويه وسألوهما ، فقالا : نحن نعلم أن هذا ولدنا وأنه وُلِدَ أعمى ، ووقعت بين الأعمى وبينهم محاورة ، كان آخر ما قالوا له : أنت ولدت بالخطايا وأنت تعلمنا ! وأخرجوه . وقال متى : واجتاز يسوع هناك فرأى إنساناً جالساً على التعشير اسمه متى فقال له : اتبعني ، فترك كل شيء وقام وتبعه . وقال لوقا : وبعد هذا خرج فنظر إلى عشار اسمه لاوي جالساً على المكس ، فقال له : اتبعني ، فترك كل شيء وقام وتبعه ، وصنع له لاوي في بيته وليمة عظيمة ، وكان جمع كثير من العشارين وآخرين متكئين معه . وقال مرقس : ثم خرج إلى شاطىء البحر واجتمع إليه جمع كبير وعلمهم ، وعند مضيه رأى لاوي ابن حلفي جالساً على العشارين فقال له : اتبعني ، فقام وتبعه ، وبينما هو متكىء في بيته - وقال متى : وبينما هو متكىء في بيت سمعان - جاء عشارون وخطأة كثيرون ، فاتكؤوا مع يسوع وتلاميذه ، فلما نظر الفريسيون قالوا لتلاميذه : لماذا معلمكم يأكل مع العشارين والخطأة ؟ فلما سمع يسوع قال لهم : الأصحاء لا يحتاجون إلى طبيب ، لكن ذوو الأسقام ، اذهبوا فاعلموا ما هو ، إني أريد رحمة لا ذبيحة ، لم آت لأدعو الصديقين لكن الخطأة للتوبة . وقال لوقا : وطلب إليه واحد من الفريسيين أن يأكل معه ، فدخل بيت ذلك الفريسي وجلس ، وكان في تلك المدينة امرأة خاطئة ، فلما علمت أنه متكىء في بيت ذلك الفريسي أخذت قارورة طيب ووقفت من ورائه عند رجليه باكية ، وبدأت تبل قدميه بدموعها وتمسحها بشعر رأسها ، وكانت تقبل قدميه وتدهنهما بالطيب ، فلما رأى ذلك الفريسي الذي دعاه فكر في نفسه قائلاً : لو كان هذا نبياً علم ما هذه وأنها خطائة ، فأجاب يسوع وقال له : يا سمعان ! غريمان عليها لإنسان دين ، على أحدهما خمسمائة دينار وعلى الآخر خمسون ، وليس لهما ما يوفيان فوهب لهما ، فأيهما أكثر حبّاً له ؟ فقال : أظن الذي وهب له الأكثر ، فقال له : بالحق حكمت ؛ ثم التفت إلى المرأة وقال : يا سمعان ! دخلت بيتك فلم تسكب على رجلي ماء وهذه بلت رجلي بالدموع ومسحتهما بشعر رأسها ، أنت لم تقبلني وهذه منذ دخلت لم تكف عن تقبيل قدمي ، أنت لم تدهن رأس بزيت وهذه دهنت بالطيب قدمي ، لأجل ذلك أقول لك : إن خطاياها مغفورة لها ، لأنها أحبت كثيراًن ثم قال لها : اذهبي بسلام ! إيمانك خلصك ؛ وكان بعد ذلك يسير إلى كل مدينة ويكرز ويبشر بملكوت الله ومعه الاثنا عشر ونسوة كن أبرأهن من الأمراض والأرواح الخبيثة : مريم التي تدعى المجدلانية التي أخرج منها سبعة شياطين ، ويونا امرأة خوزي خازن هيرودس ، وأخر كثيرات . وقال متى : حينئذ جاء إليه تلاميذ يوحنا قائلين : لماذا نحن والفريسيون نصوم كثيراً وتلاميذك لا يصومون ؟ فقال لهم يسوع : لا يستطيع بنو العرس أن ينوحوا ما دام العريس معهم ، وستأتي أيام إذا ارتفع العريس عنهم حينئذ صومون ؛ ليس أحد يأخذ خرقة جديدة يجعلها في ثوب بال ، لأنها تأخذ ملأها من الثوب فيصير الخرق أكبر , وقال مرقس : إنه لا يرقع إنسان ثوباً بالياً بخرقة جديدة إلا مد الجديد البالي فيخرقه ؛ وقال متى : ولا تُجْعَلُ خمر جديدة في زقاق عتق فتنشق الزقاق وتهلك وتهراق الخمر , لكن تجعل خمر جديدة في زقاق جدد فيتحفظان جميعاً ؛ وقال لوقا : وما من أحد يشرب قديماً فيحب الجديد للوقت لأنه يقول : إن القديم أطيب ، وقال متى : وفيما هو يكلمهم إذا رئيس قد جاء إليه ساجداً قائلاً : إن ابنتي ماتت الآن ، تأتي فتضع يدك عليها فتحيى ! فقام يسوع وتبعه تلاميذه ، فإذا امرأة بها نزيف دم منذ اثنتي عشرة سنة ؛ قال مرقس : أعيت من الأطباء ، أنفقت كل مالها ، لم تجد راحة بل تزداد وجعاً ، فلما سمعت بيسوع - قال متى : جاءت من خلفه ومست طرفه ثوبه - فالتفت يسوع فرآها فقال لها : ثقي يا ابنة ! إيمانك خلصك ، فبرئت المرأة من تلك الساعة ، وجاء يسوع إلى بيت الرئيس ؛ وقال مرقس : ولم يدع أحداً يتبعه إلا بطرس ويعقوب ويوحنا أخا يعقوب - انتهى . فنظر إلى الجمع مضطربين ، فقال لهم : اخرجوا ، لم تمت الجارية لكنها نائمة ، فضحكوا منه ، فلما خرج الجمع دخل وأمسك يدها فقامت الجارية ؛ وقال مرقس : وأخرج جميعهم وأخذ معه أبا الصبية وأمها والذين معه ، ثم دخل إلى الموضع الذي فيه الصبية موضوعة ، وأخذ بيدها وقال لها : طليثا ! قومي ، الذي تأويله : يا صبية ! لك أقول : قومي ، فللوقت قامت الصبية ومشت ، وكان لها اثنتا عشرة سنة ، فبهتوا وعجبوا عجباً عظيماً ، فأمرهم كثيراً أن لا يُعْلِموا أحداً بهذا ، وقال : أطعموها تأكل ؛ وقال متى : وخرج خبرها في جميع تلك الأرض .