Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 138-141)
Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ولما انقضى ما أراهم سبحانه من الأفعال الهائلة التي استخلصهم بها من ذلك الجبار ، شرع يذكر ما قابلوه به من الجهل به سبحانه وما قابلهم به من الحلم ، ثم ما أحل بهم بعد طول المهلة من ضرب الذلة والمسخ بصورة القردة ، فقال عاطفاً على قوله { فأغرقناهم في اليم } أو قوله { ثم بعثنا من بعدهم موسى } : { وجاوزنا } أي قطعنا بما لنا من العظمة - وساقه على طريق المفاعلة تعظيماً له ، روي أن جوازهم كان يوم عاشوراء ، وأن موسى عليه السلام صامه شكراً لله تعالى على إنجائهم وإهلاك عدوهم { ببني إسرائيل } بعد الآيات التي شاهدوها { البحر } وإنما جعلته معطوفاً على أول القصة لأن هذه القصص كلها بيان لأن في الناس السيىء الجوهر الذي لايغنيه الآيات كما مضى عند قوله : { والبلد الطيب } [ الأعراف : 58 ] وبيان قوله { أخذنا أهلها بالبأساء والضراء } [ الأعراف : 94 ] إلى آخرها ، ويدل على ذلك - مع ما ابتدئت به القصص - ختمها بقوله { ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا } [ الأعراف : 176 ] وقوله : { ولقد ذرأنا لجهنم } [ الأعراف : 179 ] وحسن موقعها بعد قوله : { وتمت كلمت ربك الحسنى } [ الأعراف : 137 ] لأنه لما قيل { بما صبروا } تشوفت النفس إلى فعلهم حال الرخاء هل شكروا ؟ فبين أن كثيراً منهم كفروا تصديقاً لقوله { وما وجدنا لأكثرهم من عهد } [ الأعراف : 102 ] وما شاكله ، وما أحسن تعقيب ذلك - بقوله : { فأتوا } أي مروا - بفاء التعقيب { على قوم } أي ذوي قوة ، قيل : كانوا من لخم { يعكفون } أي يدورون ويتحلقون ملازمين مواظبين { على أصنام لهم } أي لا قوة فيها ولا نفع ، فهم في عكوفهم عليها مثل في الغباوة ، وقيل : إنها كانت تماثيل بقر ، وكان ذلك أول أمر العجل . ولما أخبر سبحانه بذلك ، علم السامع أنهم بين أمرين : إما شكر وإما كفر ، فتشوف إلى ما كان منهم ، فأجاب سبحانه سؤاله بقوله : { قالوا } أي لم يلبث ذكرهم لما أراهم سبحانه من عظمته وشكرهم لما أفاض عليهم من نعمته إلا ريثما أمنوا من عدوهم بمجاوزتهم البحر وإغراقهم فيه حتى طلبوا إلهاً غيره بقولهم : { يا موسى } سموه كما ترى باسمه جفاء وغلظة اعتماداً على ما عمهم من بره وحلمه غير متأدبين بما بهرهم من جلالة حظه من الله وقسمه { اجعل لنا إلهاً } أي شيئاً نراه ونطوف به تقيداً بالوهم { كما لهم آلهة } وهذا منهم قول من لا يعد الإله - الذي فعل معهم هذه الأفاعيل - شيئاً ، ولا يستحضره بوجه . ولما كان هذا منهم عظيماً ، استأنف جواب من تشوف إلى قول موسى عليه السلام لهم ما هم بقوله : { قال إنكم قوم } أي ذوو قيام في شهوات النفوس ، وقال : { تجهلون * } مضارعاً إشعاراً بأن ذلك منهم كالطبع والغريزة ، لا ينتقلون عنه في ماض ولا مستقبل ، واعلم أنه لا تكرير في هذه القصص فإن كل سياق منها لأمر لم يسبق مثله فالمقصود من قصة موسى عليه السلام وفرعون - عليه اللعنة والملام - هذا الاستدلال الوجودي على قوله { وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين } [ الأعراف : 102 ] ومن هنا تعلم أن سياق قصة بني إسرائيل بعد الخلاص من عدوهم لبيان إسراعهم في الكفر ونقضهم للعهود ، واستمر سبحانه في هذا الاستدلال إلى آخر السورة ، وما أنسب { وإذ أخذ ربك من بني آدم } [ الأعراف : 172 ] الآية ، لقوله { وما وجدنا لأكثرهم من عهد } [ الأعراف : 102 ] وذكر في أول التي تليها تنازعهم في الأنفال تحذيراً لهم من أن يكونوا من الأكثر المذمومين في هذه ، هذا بخلاف المقصود من سياق قصص بني إسراءيل في البقرة فإنه هناك للاستجلاب للإيمان بالتذكير بالنعم ، لأن ذلك في سياق خطابة سبحانه لجميع الناس بقوله : { اعبدوا ربكم الذي خلقكم } [ البقرة : 21 ] { كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً فأحياكم } [ البقرة : 28 ] وما شاكله من الاستعطاف بتعداد النعم ودفع النقم - والله أعلم . ولما استفيد من كلامه لهم غاية الإنكار عليهم ، علل هذا الإنكار بقوله : { إن هؤلاء } أي القوم { متبر ما هم فيه } أي مكسر مفتت مهلك على وجه المبالغة ، وإذا فسد الظرف فسد المظروف ، وإليه الإشارة بجعل " هؤلاء " اسماً لإن ، وإيلائه خبر الجمله الواقعه خبراً مقدماً على مبتدئه . ولما كان الشيء قد يهلك في الدنيا أو في الاخرة - وهو حق ، أعملهم بأن هذا الهلاك إنما هو الهلاك عند الله أعلم من كونه في الدنيا أو في الآخرة لبطلان ما هم فيه ، فقال معبراً بالاسمية إشارة إلى أنه الآن كذلك ، وإن رئي بخلافه : { وباطل } أي مضمحل زائل { ما كانوا } أي جبلة وطبعاً { يعملون * } أي مواظبين عليه من الأصنام والعكوف وجميع أعمالهم لأجله ، لا وزن لشيء منها أصلاً ولا اعتبار ، و - فيه إشارة إلى أن العبادة لا تنبغي إلا للباقي الذي لا يجوز عليه التغير ، فإذا كان كذلك كان العمل له أيضاً ثابتاً باقياً لا يجوز عليه البطلان ، وفي تعقيبها لتدمير آل فرعون إشارة إلى موجب ذلك ، وأن كل من كان على مثل حالهم من عبادة غير الله كانت عاقبته الدمار . ولما كان هذا استدلالاً على أن مثل هذه الأصنام التي مروا عليها لا تصلح لأن تعبد ، كان ذلك غير كاف لهم لما - تقرر من جهلهلم ، فربما ظنوا أن غيرها مما سوى الله تجوز عبادته ، فكأنه قيل : هذا لا يكفي جواباً لمثل هؤلاء فهل قال لهم غير ذلك ؟ فقيل : نعم ! { قال } منكراً معجباً { أغير الله } أي الذي له جميع العظمة ، فهو المستحق للعبادة { أبغيكم } أي أطلب لكم { إلهاً } فأنكر أن يتأله غيره ، وحصر الأمر فيه ثم بينه بقوله : { وهو } أي والحال أنه هو وحده { فضلكم } دون غيركم ممن هو في زمانكم أو قبله { على العالمين * } أي لو لم يكن لوجوب اختصاصهم له بالعبادة سبب سوى اختصاصه لهم بالتفصيل على سائر عباده الذين بلغهم علمهم ممن هو أقوى منهم حالاً وأكثر عدداً وأموالاً لكان كافياً . ولما أثبت أن الإلهية لا تصلح لغيره ، وأن غيره لم يكن يقدر على تفضيلهم ، وكان المقام للعظمة ، وكان كأنه قيل إيذاناً بغلظ أكبادهم وقله فطنتهم وسوء مقابلتهم للمنعم : اذكروا ذلك ، أي تفضيله لكم باصطفاء آبائكم إبراهيم وإسحاق ويعقوب وما تقدم له عندهم وعند أولادهم من النعم لا سيما يوسف عليه السلام الذي حكمه في جميع الأرض التي استذلكم أهلها ؛ عطف عليه إشارة إليه قوله التفاتاً إلى مظهر العظمة تذكيراً بعظمة مدخوله : { وإذ } أي واذكروا إذ { أنجيناكم } أي على ما نحن عليه من العظمة التي أنتم لها عارفون ، ولها في - كل وقت في تلك الآيات مشاهدون { من آل فرعون } وما أفضنا عليكم بعد الإنجاء من النعم الجسام وأريناكم من الآيات العظام تعرفوا أنا فضلناكم على جميع الأنام ، ثم استأنف بيان ما أنجاهم منه بقوله : { يسومونكم } أي ينزلون بكم دائماً { سوء العذاب } . ولما كان السياق - كما مضى - لبيان إسراعهم في الكفر وشدة علوتهم في قوتهم وجلافتهم ، وكان مقصود السورة إنذار المعرضين وتحذيرهم من القوارع التي أحلها بالماضين ، بين سوء العذاب عادلاً في بيانه عن التذبيح - لأنه لا يكون عند الانذباح ، وهو في الأصل لمطلق الشق - إلى التعبير بالقتل لأنه أدل على الإماتة وأهز ، لأنه قد يكون على هيئة شديدة بشعة كالتقطيع والنخس والخبط وغير ذلك مع أنه لا بد فيه من تفويت ذلك فقال : { يقتلون } أي تقتيلاً كثيراً - { أبناءكم } ودل على حقيقة القتل بقوله : { ويستحيون } . ولما كان المعنى أنهم لا يعرضون للإناث صغاراً ولا كباراً ، وكان إنكار ما يكون إبقاء النساء بلا رجال لما يخشى من الضياع والعار ، وكان مظنة العار أكبر - عبر عنهن بقولة : { نساءكم } وتنبيهاً على أن قتل الأبناء إنما هو للخوف من صيرورتهم رجالاً لئلا يسلبهم واحد منهم أعلمهم به كهانهم ملكهم ؛ وأشار إلى شدة ذلك بقوله : { وفي ذلكم } أي الأمر الصعب المهول { بلاء } أي اختبار لكم ولهم { من ربكم } أي المحسن إليكم في حالي الشدة والرخاء ، فأنه أخفى عنهم الذي قصدوا القتل لأجله ، وأنقذكم به بعد أن رباه عند الذي هو مجتهد في ذبحه { عظيم } .