Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 9-10)

Tafsir: Iršād al-ʿaql as-salīm ilā mazāyā al-kitāb al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰ } استئنافٌ مَسوقٌ لتقرير أمر التوحيدِ الذي إليه انتهى مَساقُ الحديث وبـيانِ أنه أمرٌ مستمرّ فيما بـين الأنبـياء كابراً عن كابر ، وقد خوطب به موسى عليه الصلاة والسلام حيث قيل له : { إِنَّنِى أَنَا ٱللَّهُ لا إِلَـٰهَ إِلا أَنَاْ } [ طه : 14 ] وبه ختَم عليه الصلاة والسلام مقالَه حيث قال : { إِنَّمَا إِلَـٰهُكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لا إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } [ طه : 98 ] وأما ما قيل من أن ذلك لترغيب النبـيِّ عليه الصلاة والسلام في الائتساء بموسى عليه الصلاة والسلام في تحمل أعباءِ النبوة والصبرِ على مقاساة الخطوبِ في تبليغ أحكامِ الرسالة ، فيأباه أن مساقَ النظمِ الكريم لصرفه عليه الصلاة والسلام عن اقتحام المشاقِّ ، وقوله تعالى : { إِذْ رَأَى نَاراً } ظرفٌ للحديث ، وقيل : لمضمر مؤخّر أي حين رأى ناراً كان كيتَ وكيت ، وقيل : مفعولٌ لمضمر مقدّم أي اذكرْ وقتَ رؤيته ناراً . روي أنه عليه الصلاة والسلام استأذن شعيباً عليهما الصلاة والسلام في الخروج إلى أمّه وأخيه فخرج بأهله وأخذ على غير الطريق مخافةً من ملوك الشام ، فلما وافىٰ واديَ طُوًى وهو الجانبُ الغربـيُّ من الطور وُلد له وَلدٌ في ليلة مظلمةٍ شاتية مُثلجة وكانت ليلةَ الجمعة وقد ضل الطريقَ وتفرّقت ماشيتُه ولا ماءَ عنده ، وقَدَح فصَلَد زندُه ، فبـينما هو في ذلك إن رأى ناراً على يسار الطريق من جانب الطور { فَقَالَ لأَهْلِهِ ٱمْكُثُواْ } أي أقيموا مكانَكم ، أمرهم عليه الصلاة والسلام بذلك لئلا يتْبعوه فيما عزم عليه عليه الصلاة والسلام من الذهاب إلى النار كما هو المعتادُ ، لا لئلا ينتقلوا إلى موضع آخرَ فإنه مما لا يخطُر بالبال ، والخطابُ للمرأة والولدِ والخادمِ ، وقيل : لها وحدها والجمعُ إما لظاهر لفظ الأهلِ أو للتفخيم كما في قول مَنْ قال : [ الطويل ] @ وإن شئتِ حرمتُ النساءَ سواكمُ @@ { إِنّى آنَسْتُ نَاراً } أي أبصرتُها إبصاراً بـيّناً لا شُبهةَ فيه ، وقيل : الإيناسُ خاصٌّ بإبصار ما يؤنَس به والجملةُ تعليلٌ للأمر أو المأمورِ به { لَّعَلِّى ءًاتِيكُم مِّنْهَا } أي أجيئكم من النار { بِقَبَسٍ } أي بشُعلة مقتبَسةٍ من معظم النارِ وهي المُرادةُ بالجذوة في سورة القَصص وبالشهاب القبسُ { أَوْ أَجِدُ عَلَى ٱلنَّارِ هُدًى } هادياً يدلني على الطريق على أنه مصدرٌ سمّي به الفاعلُ مبالغةً ، أو حُذف منه المضافُ أي ذا هدايةٍ ، أو على أنه إذا وُجد الهادي فقد وجد الهُدى ، وقيل : هادياً يهديني إلى أبواب الدين فإن أفكارَ الأبرارِ معمورةٌ بالهمّة الدينية في عامة أحوالِهم لا يشغَلهم عنها شاغلٌ ، والأولُ هو الأظهرُ لأن مساقَ النظمِ الكريم لتسلية أهلِه ، وقد نُصّ عليه في سورة القَصص حيث قيل : { لَّعَلِّيۤ آتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ } [ القصص : 29 ] ، وكلمةُ أو في الموضعين لمنع الخلوِّ دون منْعِ الجمعِ ، ومعنى الاستعلاء في قوله تعالى : { عَلَى ٱلنَّارِ } أن أهلَ النارِ يستعلون المكانَ القريب منها أو لأنهم عند الاصطلاءِ يكتنفونها قِياماً وقعوداً فيُشرفون عليها . ولما كان الإتيانُ بهما مترقَّباً غيرَ محقَّقِ الوقوعِ صُدّر الجملة بكلمة الترجي ، وهي إما علةٌ لفعل قد حذف ثقةً بما يدل عليه من الأمر بالمُكث والإخبار بإيناس النارِ وتفادياً عن التصريح بما يوحشهم ، وإما حالٌ من فاعله أي فأَذهب إليها لآتيَكم أو كي آتيَكم أو راجياً أن آتيَكم منها بقبس … الآية ، وقد مر تحقيق ذلك مفصلاً في تفسير قوله تعالى : { يَـٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِىْ خَلَقَكُمْ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } [ البقرة : 21 ] .