Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 88-89)
Tafsir: Iršād al-ʿaql as-salīm ilā mazāyā al-kitāb al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ حَلَـٰلاً طَيّباً } أي ما حل لكم وطاب مما رزقكم الله ، فحلالاً مفعول ( كلوا ) ، ومما رزقكم إما حال منه تقدمت عليه لكونه نكرةً ، أو متعلق بكلوا ، ومِنْ ابتدائية ، أو هو المفعول وحلالاً حال من الموصول ، أو مِنْ عائدِه المحذوف ، أو صفةٌ لمصدرٍ محذوف ، أي أكلاً حلالاً ، وعلى الوجوه كلها لو لم يقع الرزق على الحرام لم يكن لذكر الحلال فائدة زائدة { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِى أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ } توكيد للوصية بما أَمَر به ، فإن الإيمان به تعالى يوجب المبالغة في التقوى والانتهاء عما نهىٰ عنه . { لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱلَّلغْوِ فِى أَيْمَـٰنِكُمْ } اللغو في اليمين الساقطُ الذي لا يتعلق به حُكم ، وهو عندنا أن يحلِف على شيء يظن أنه كذلك وليس كما يظن ، وهو قول مجاهد ، قيل : كانوا حلفوا على تحريم الطيبات على ظنِّ أنه قُربة ، فلما نزل النهي قالوا : كيف بأيْماننا ؟ فنزلت ، وعند الشافعي رحمه الله تعالى ، ما يبدو من المرء من غير قصد كقوله : لا والله وبلى والله ، وهو قول عائشةَ رضي الله تعالى عنها ، و ( في أيمانكم ) صلةُ يؤاخذكم أو اللغو لأنه مصدر ، أو حال منه { وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ ٱلأَيْمَـٰنَ } أي بتعقيدكم الأَيمانَ وتوثيقها عليه بالقصد والنية ، والمعنى ولكن يؤاخذكم بما عقّدتموه إذا حنِثتم أو بنَكْثِ ما عقّدتم ، فحُذِف للعلم به ، وقرىء بالتخفيف ، وقرىء ( عاقدتم ) بمعنى عقدتم { فَكَفَّارَتُهُ } أي فكفارةُ نكْثِه وهي الفعلة التي من شأنها أن تكفّرَ الخطيئة وتستُرَها ، واستُدل بظاهره عن جواز التكفير قبل الحِنْث ، وعندنا لا يجوز ذلك لقوله عليه الصلاة والسلام : " من حلَف على يمينٍ ورأى غيرَها خيراً فليأتِ الذي هو خيرٌ ثم لْيُكفِّرْ عن يمينه " { إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَـٰكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } أي ما أقصَدِه في النوع أو المقدار ، وهو نصفُ صاع من بُر لكلِّ مسكين ، ومحلُّه النصبُ لأنه صفةُ مفعولٍ محذوف تقديرُه أن تُطعموا عشرة مساكينَ طعاماً كائناً من أوسط ما تطعمون ، أو الرفعُ على أنه بدل من إطعام ، وأهلون جمعُ أهلٍ كأَرَضون جمع أرض ، وقرىء ( أهاليكم ) بسكون الياء على لغة من يسكنها في الحالات الثلاث كالألف ، وهذا أيضاً جمع أهلٍ كالأراضي في جمع أرض والليالي في جمع ليل ، وقيل : جمع أهلاة { أَوْ كِسْوَتُهُمْ } عطف على ( إطعامُ ) أو على محلَّ ( من أوسط ) على تقدير كونه بدلاً من ( إطعام ) وهو ثوب يغطي العورة ، وقيل : ثوب جامع قميص أو رداء أو إزار ، وقرىء بضم الكاف وهي لغة كقِدوة في قُدوة وإسوة في أُسوة ، وقرىء أو ( كأُسوتهم ) على أن الكاف في محل الرفع تقديره أو إطعامهم كأسوتهم بمعنى أو كمثل ما تطعمون أهليكم إسرافاً وتقتيراً تواسون بـينهم وبـينهم إن لم تُطعموهم الأوسط { أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } أي أو إعتاقُ إنسان كيفما كان ، وشرط الشافعي رضي الله تعالى عنه فيه الإيمان قياساً على كفارة القتل ، ومعنى ( أو ) إيجابُ إحدى الخصال مطلقاً وخيارُ التعيـين للمكلف . { فَمَن لَّمْ يَجِدْ } أي شيئاً من الأمور المذكورة { فَصِيَامُ } أي فكفارتُه صيام { ثَلَـٰثَةَ أَيَّامٍ } والتتابع شرط عندنا لقراءة ( ثلاثة أيام متتابعات ) ، والشافعي رضي الله عنه لا يرى للشواذ حجة { ذٰلِكَ } أي الذي ذكر { كَفَّارَةُ أَيْمَـٰنِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ } أي وحنِثْتم { وَٱحْفَظُواْ أَيْمَـٰنَكُمْ } بأن تضِنوا بها ولا تبذُلوها كما يُشعر به قوله تعالى : { إِذَا حَلَفْتُمْ } ، وقيل : بأن تَبَرّوا فيها ما استطعتم ولم يفُتْ بها خير ، أو بأن تكفروها إذا حنِثتم ، وقيل : احفظوها كيف حلفتم بها ولا تنسوها تهاوناً بها { كَذٰلِكَ } إشارة إلى مصدر الفعل الآتي لا إلى تبـيـينٍ آخَرَ مفهومٍ مما سبق ، والكاف مقحمةٌ لتأكيد ما أفاده اسمُ الإشارة من الفخامة ، ومحله في الأصل النصب على أنه نعتٌ لمصدر محذوف وأصل التقدير : يبـين الله تبـيـيناً كائناً مثلَ ذلك التبـيـين ، فقدم على الفعل لإفادة القصر ، واعتُبرت الكاف مقحمةً للنكتة المذكورة ، فصار نفسَ المصدر لا نعتاً له ، وقد مر تفصيله في قوله تعالى : { وَكَذٰلِكَ جَعَلْنَـٰكُمْ أُمَّةً وَسَطًا } [ البقرة ، الآية 143 ] أي ذلك البـيان البديع { يُبَيّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ آيَـٰتِهِ } أعلام شريعته وأحكامه لا بـياناً أدنى منه ، وتقديم ( لكم ) على المفعول لما مر مراراً { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } نعمته فيما يعلمكم ويسهل عليكم المخرج .